العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٢٧ - السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ محرّم ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

سأتوخى الحذر الذي لا يمنع القدر

قال‭ ‬حبيبي‭ ‬أبو‭ ‬الطيب‭ ‬المتنبي‭ ‬على‭ ‬لساني‭:‬

رماني‭ ‬الدهرُ‭ ‬بالأرزاءِ‭ ‬حتّى‭/ ‬فؤادي‭ ‬في‭ ‬غشاءٍ‭ ‬من‭ ‬نِبالِ

فصرْتُ‭ ‬إذا‭ ‬أصابتني‭ ‬سِهامٌ‭/ ‬تكسّرتِ‭ ‬النِّصالُ‭ ‬على‭ ‬النِّصالِ

وهانَ‭ ‬فما‭ ‬أُبالي‭ ‬بالرزايا‭/ ‬لأنّي‭ ‬ما‭ ‬انتفعْتُ‭ ‬بأن‭ ‬أبالي

ما‭ ‬انتفعت‭ ‬من‭ ‬المبالاة‭ ‬وأنا‭ ‬أعاني‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬الشرياني،‭ ‬ولم‭ ‬أجزع‭ ‬عندما‭ ‬اكتشفت‭ ‬تلك‭ ‬العلة،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أتوقعها‭ ‬بوصفها‭ ‬نصيبي‭ ‬من‭ ‬‮«‬الورثة‮»‬،‭ ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهمل‭ ‬توجيهات‭ ‬الأطباء،‭ ‬فقد‭ ‬بقي‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬عندي‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الضغط‭ ‬يدخل‭ ‬جوفي‭ ‬عبر‭ ‬الفم‭ ‬أو‭ ‬الأنف،‭ ‬حتى‭ ‬الملح‭ ‬أتعامل‭ ‬معه‭ ‬بحساب‭ ‬وأستعيض‭ ‬عنه‭ ‬بالليمون‭.‬

طبعاً‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬ترفع‭ ‬الضغط‭ ‬ولا‭ ‬يد‭ ‬لي‭ ‬فيها،‭ ‬وأولها‭ ‬خطب‭ ‬بعض‭ ‬الزعماء‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬المعلقات،‭ ‬التي‭ ‬يستغرق‭ ‬إلقاؤها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ساعتين،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬جيلي‭ ‬يعتبرون‭ ‬تذوق‭ ‬غناء‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬رفاهة‭ ‬الحس‭ ‬والسمو‭ ‬العاطفي،‭ ‬فإنني‭ ‬لم‭ ‬أفلح‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬أي‭ ‬أغنية‭ ‬لها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬دقيقتين،‭ ‬وهي‭ -‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬عليها‭- ‬كانت‭ ‬تؤدي‭ ‬الأغنية‭ ‬الواحدة‭ ‬لساعتين‭ ‬وربع‭ ‬الساعة،‭ ‬ومعظم‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬أيضاً‭ ‬تسبب‭ ‬لي‭ ‬ارتفاعا‭ ‬في‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬عني‭ ‬سلوك‭ ‬شائن‭ ‬أمام‭ ‬عيالي‭ ‬عندما‭ ‬أنفعل‭ ‬وأنهال‭ ‬ضرباً‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفزيون‭ ‬بـ«الجزمة‮»‬‭ ‬وأنا‭ ‬أتلفظ‭ ‬بعبارات‭ ‬غير‭ ‬لائقة‭ ‬مثل‭: ‬اسكتي‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الك**‭ ‬يا‭ ‬قليلة‭ ‬الحياء،‭ ‬ثم‭ ‬أرى‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬شاباً‭ ‬مشبعاً‭ ‬بهرمونات‭ ‬الأنوثة‭ ‬فأصيح‭ ‬‮«‬اخرج‭ ‬منها‭ ‬يا‭ ‬ملعون‮»‬،‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬فإنني‭ ‬أستعير‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬من‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬عنواناً‭ ‬لروايته‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة‭.‬

وهناك‭ ‬الأجلاف‭ ‬الذين‭ ‬ترمي‭ ‬بهم‭ ‬الصدف‭ ‬في‭ ‬طريقك،‭ ‬وتكون‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬مثل‭ ‬المستشفى‭ ‬حيث‭ ‬تلك‭ ‬الأبواب‭ ‬المزدوجة‭ ‬السخيفة،‭ ‬وتُبقي‭ ‬الباب‭ ‬مفتوحاً‭ ‬كي‭ ‬يمرّ‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬خلفك‭ ‬فيمشي‭ ‬حتى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إليك،‭ ‬دعك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لك‭ ‬شكراً،‭ ‬وهناك‭ ‬الكاربويات‭! ‬هل‭ ‬تعرفهم؟‭ ‬طيب‭ ‬هل‭ ‬تعرف‭ ‬الكاوبويات؟‭ ‬هم‭ ‬رعاة‭ ‬البقر‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذين‭ -‬كما‭ ‬تفيد‭ ‬الأفلام‭- ‬يقلبون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬ويجوسون‭ ‬عبر‭ ‬الشوارع‭ ‬يدوسون‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬بسنابك‭ ‬خيولهم‭ ‬أو‭ ‬يطلقون‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬تربطهم‭ ‬بهم‭ ‬صداقة‭ ‬أو‭ ‬عداوة‭! ‬الكاربويات‭ ‬هم‭ ‬أولئك‭ ‬البلطجية‭ ‬الذين‭ ‬يقودون‭ ‬الكار‭ (‬السيارة‭) ‬ويستخدمونها‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يستخدم‭ ‬بها‭ ‬الكاوبويات‭ ‬خيولهم‭ ‬ومسدساتهم‭.‬

والكاربوي‭ ‬شخص‭ ‬بالضرورة‭ ‬ناقص‭ ‬العقل‭ ‬وأهوج‭ ‬لا‭ ‬يقيم‭ ‬وزناً‭ ‬لحياته‭ ‬ولا‭ ‬حياة‭ ‬الآخرين،‭ ‬وتؤكد‭ ‬الإحصاءات‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬ضحاياهم‭ ‬يفوق‭ ‬عدد‭ ‬ضحايا‭ ‬السكري‭ ‬والتدخين‭ ‬والمكبوس‭ (‬قلت‭ ‬مراراً‭ ‬إن‭ ‬الكبسة‭ ‬أو‭ ‬المكبوس‭ ‬مشبعة‭ ‬بالكولسترول‭ ‬والديتول‭ ‬وثاني‭ ‬أوكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬وأن‭ ‬خطرها‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مخاطر‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬‮«‬الجانك‭ ‬فود‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬ولأننا‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬عيباً‭ ‬في‭ ‬أنفسنا‭ ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬مصدر‭ ‬السوء‭ ‬كله‭ ‬‮«‬أجنبي‮»‬‭ ‬فلا‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬عاصمة‭ ‬عربية‭ ‬جمعية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الكبسة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬جمعيات‭ ‬محاربة‭ ‬التدخين‭ ‬ونشر‭ ‬الوعي‭ ‬المروري‭. (‬الكبسة‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وكأننا‭ ‬ناقصين‭).‬

وأعترف‭ ‬بأنني‭ ‬صرت‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬‮«‬فوبيا‭ ‬السكر‮»‬،‭ ‬ولكنها‭ ‬فوبيا‭ (‬رهاب‭) ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الحميد،‭ ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬بشرني‭ ‬الطبيب‭ ‬بأنني‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬السكري،‭ ‬صرت‭ ‬أتوخى‭ ‬الحذر‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الأطعمة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستسلام‭ ‬للهلع‭ ‬والوساوس‭ ‬والقلق،‭ ‬فقد‭ ‬صرت‭ ‬أقرأ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بمسببات‭ ‬السكري،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬أكرم‭ ‬عائلتي‭ ‬بأن‭ ‬لم‭ ‬يجعل‭ ‬السكري‭ ‬وراثياً‭ ‬فيها‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تتوارث‭ ‬سلفاً‭ ‬ارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم،‭ ‬فإنني‭ ‬معنِي‭ ‬بصورة‭ ‬أساسية‭ ‬بمسائل‭ ‬التغذية‭ ‬والرياضة‭ ‬والجوانب‭ ‬السلوكية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تقلل‭ ‬احتمالات‭ ‬الإصابة‭ ‬بالسكري‭.‬

وأستعيد‭ ‬ذكرى‭ ‬أول‭ ‬لقاء‭ ‬لي‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬خالد‭ ‬الربيعان‭ ‬اختصاصي‭ ‬أمراض‭ ‬الغدد‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يصدر‭ ‬على‭ ‬نفقته‭ ‬مجلة‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬السكري،‭ ‬وسمعته‭ ‬يطلب‭ ‬لي‭ ‬وجبة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬‮«‬أ‮»‬ grade A ومنيت‭ ‬نفسي‭ ‬بوجبة‭ ‬دسمة‭ ‬فإذا‭ ‬بهم‭ ‬يضعون‭ ‬أمامي‭ ‬كوب‭ ‬شاي‭ ‬ومعه‭ ‬قطعة‭ ‬بسكويت‭ ‬حسبت‭ ‬أنها‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬المضغوط،‭ ‬وقرأت‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬غلافها‭ ‬ووجدت‭ ‬أنها‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬النخالة‭ (‬الردَّة‭)‬،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬صرت‭ ‬أشتري‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البسكويت‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية،‭ ‬فيقوم‭ ‬عيالي‭ ‬بالتخلص‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ظهري‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يستسيغوه‭. ‬وبيني‭ ‬وبينكم‭ ‬معهم‭ ‬حق‭. ‬حتى‭ ‬أنا‭ ‬أتعاطى‭ ‬ذلك‭ ‬البسكويت‭ ‬فيعطيني‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنني‭ ‬في‭ ‬غوانتنامو،‭ ‬ولكن‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المصريون‭ ‬محدش‭ ‬بياكلها‭ ‬بالساهل‭. ‬يعني‭ ‬تحمل‭ ‬الأمر‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬العائد‭ ‬من‭ ‬تحمله‭ ‬أكبر‭ ‬وأفيد‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا