زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
سأتوخى الحذر الذي لا يمنع القدر
قال حبيبي أبو الطيب المتنبي على لساني:
رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتّى/ فؤادي في غشاءٍ من نِبالِ
فصرْتُ إذا أصابتني سِهامٌ/ تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ
وهانَ فما أُبالي بالرزايا/ لأنّي ما انتفعْتُ بأن أبالي
ما انتفعت من المبالاة وأنا أعاني منذ سنوات من ارتفاع ضغط الدم الشرياني، ولم أجزع عندما اكتشفت تلك العلة، فقد كنت أتوقعها بوصفها نصيبي من «الورثة»، وبما أنني من النوع الذي لا يهمل توجيهات الأطباء، فقد بقي ضغط الدم عندي تحت السيطرة، فلا شيء يؤدي إلى ارتفاع الضغط يدخل جوفي عبر الفم أو الأنف، حتى الملح أتعامل معه بحساب وأستعيض عنه بالليمون.
طبعاً هناك أشياء ترفع الضغط ولا يد لي فيها، وأولها خطب بعض الزعماء العرب من فصيلة المعلقات، التي يستغرق إلقاؤها أكثر من ساعتين، ورغم أن معظم أبناء وبنات جيلي يعتبرون تذوق غناء أم كلثوم دليلاً على رفاهة الحس والسمو العاطفي، فإنني لم أفلح قط في متابعة أي أغنية لها لأكثر من دقيقتين، وهي -ما شاء الله عليها- كانت تؤدي الأغنية الواحدة لساعتين وربع الساعة، ومعظم القنوات التلفزيونية أيضاً تسبب لي ارتفاعا في ضغط الدم، وكثيراً ما صدر عني سلوك شائن أمام عيالي عندما أنفعل وأنهال ضرباً على شاشة التلفزيون بـ«الجزمة» وأنا أتلفظ بعبارات غير لائقة مثل: اسكتي يا بنت الك** يا قليلة الحياء، ثم أرى على الشاشة شاباً مشبعاً بهرمونات الأنوثة فأصيح «اخرج منها يا ملعون»، وبالمناسبة فإنني أستعير هذه العبارة من صدام حسين الذي جعل منها عنواناً لروايته الأولى والأخيرة.
وهناك الأجلاف الذين ترمي بهم الصدف في طريقك، وتكون في مكان مثل المستشفى حيث تلك الأبواب المزدوجة السخيفة، وتُبقي الباب مفتوحاً كي يمرّ من هو خلفك فيمشي حتى دون أن ينظر إليك، دعك من أن يقول لك شكراً، وهناك الكاربويات! هل تعرفهم؟ طيب هل تعرف الكاوبويات؟ هم رعاة البقر في الغرب الأمريكي الذين -كما تفيد الأفلام- يقلبون كل شيء رأساً على عقب، ويجوسون عبر الشوارع يدوسون على الآخرين بسنابك خيولهم أو يطلقون النار على أناس لا تربطهم بهم صداقة أو عداوة! الكاربويات هم أولئك البلطجية الذين يقودون الكار (السيارة) ويستخدمونها بنفس الطريقة التي يستخدم بها الكاوبويات خيولهم ومسدساتهم.
والكاربوي شخص بالضرورة ناقص العقل وأهوج لا يقيم وزناً لحياته ولا حياة الآخرين، وتؤكد الإحصاءات أن عدد ضحاياهم يفوق عدد ضحايا السكري والتدخين والمكبوس (قلت مراراً إن الكبسة أو المكبوس مشبعة بالكولسترول والديتول وثاني أوكسيد الكربون وأن خطرها على الصحة لا يقل عن مخاطر الوجبات السريعة «الجانك فود»، ولكن ولأننا لا نجد عيباً في أنفسنا ونعتقد أن مصدر السوء كله «أجنبي» فلا نجد في أي عاصمة عربية جمعية لمكافحة الكبسة على غرار جمعيات محاربة التدخين ونشر الوعي المروري. (الكبسة انتشرت في السودان وكأننا ناقصين).
وأعترف بأنني صرت أعاني من «فوبيا السكر»، ولكنها فوبيا (رهاب) من النوع الحميد، فمنذ أن بشرني الطبيب بأنني على أعتاب السكري، صرت أتوخى الحذر في التعامل مع بعض الأطعمة، ولكن من دون الاستسلام للهلع والوساوس والقلق، فقد صرت أقرأ كل ما يتصل بمسببات السكري، وبما أن الله أكرم عائلتي بأن لم يجعل السكري وراثياً فيها وهي التي تتوارث سلفاً ارتفاع ضغط الدم، فإنني معنِي بصورة أساسية بمسائل التغذية والرياضة والجوانب السلوكية الأخرى التي تقلل احتمالات الإصابة بالسكري.
وأستعيد ذكرى أول لقاء لي مع الدكتور خالد الربيعان اختصاصي أمراض الغدد في السعودية والذي كان يصدر على نفقته مجلة تحمل اسم السكري، وسمعته يطلب لي وجبة من الدرجة «أ» grade A ومنيت نفسي بوجبة دسمة فإذا بهم يضعون أمامي كوب شاي ومعه قطعة بسكويت حسبت أنها مصنوعة من الخشب المضغوط، وقرأت ما كتب على غلافها ووجدت أنها مصنوعة من النخالة (الردَّة)، ومنذ يومها صرت أشتري ذلك النوع من البسكويت بكميات تجارية، فيقوم عيالي بالتخلص منه من وراء ظهري لأنهم لم يستسيغوه. وبيني وبينكم معهم حق. حتى أنا أتعاطى ذلك البسكويت فيعطيني الإحساس بأنني في غوانتنامو، ولكن كما يقول المصريون محدش بياكلها بالساهل. يعني تحمل الأمر إذا كان العائد من تحمله أكبر وأفيد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك