العدد : ١٦٨٣٩ - الثلاثاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٩ - الثلاثاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ شوّال ١٤٤٥هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

.. وهل يشعر الظالم بأنه ظالم؟

بعد‭ ‬سنوات‭ ‬حاول‭ ‬فيها‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬إدخال‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فيما‭ ‬قد‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الموت‭ ‬السريري‮»‬،‭ ‬جاءت‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬لتوقظ‭ ‬الجسد‭ ‬الممدد‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬غرفة‭ ‬الإنعاش‮»‬،‭ ‬وتمده‭ ‬بجرعات‭ ‬من‭ ‬إكسير‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تغييبها‭ ‬عنه‭ ‬عن‭ ‬عمد،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مخططات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تارة،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إلهاء‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أزماته‭ ‬تارة‭ ‬ثالثة،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬أقدم‭ ‬احتلال‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭.‬

اليوم‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬فارقة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬اغتنامها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للطرف‭ ‬المهزوم‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬حلا‭ ‬سياسيا‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬واليوم‭ ‬الذي‭ ‬تعترف‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأنها‭ ‬تعيش‭ ‬أسوأ‭ ‬أيامها،‭ ‬فإنها‭ ‬تقر‭ ‬بالهزيمة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تأخذنا‭ ‬نشوة‭ ‬الانتصار‭ ‬المرحلي‭ ‬عن‭ ‬التخطيط‭ ‬للمستقبل،‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بأن‭ ‬يبادر‭ ‬المحللون‭ ‬والباحثون‭ ‬والمراقبون‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬السيناريوهات‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬العاطفة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ومازالت‭ ‬آفة‭ ‬العرب‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬قضاياهم،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نكرس‭ ‬الحقائق‭ ‬كإحدى‭ ‬الوسائل‭ ‬الناجحة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬المستقبل‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬نعطي‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬عند‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نتعرف‭ ‬تفكير‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نميز‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬وعدته‭ ‬حكوماته‭ ‬المختلفة‭ ‬بأن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باتت‭ ‬تاريخا‭ ‬وليست‭ ‬حاضرا‭.‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬المغالطات‭ ‬‮«‬misinformation‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬ترويجها‭ ‬وتلقينها‭ ‬للإسرائيليين،‭ ‬استفاق‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬على‭ ‬هزة‭ ‬رهيبة،‭ ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوات‭ ‬مسلحة‭ ‬عربية‭ ‬نظامية،‭ ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬بإرادة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬مع‭ ‬قلة‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والتسليح،‭ ‬إذ‭ ‬أسقطوا‭ ‬الأساطير‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬حول‭ ‬قدراتهم‭ ‬على‭ ‬التجسس‭ ‬والمراقبة‭ ‬واختراق‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭.‬

ورأى‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬بأعينهم‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬كيف‭ ‬تتعامل‭ ‬بوحشية‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬باستعلاء‭ ‬واستكبار‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬يرون‭ ‬العرب‭ ‬العاديين‭ ‬يتصرفون‭ ‬معهم‭ ‬بأسلوب‭ ‬مغاير،‭ ‬والدليل‭ ‬المشاهد‭ ‬المتداولة‭ ‬عن‭ ‬معاملة‭ ‬المسلحين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬للسيدة‭ ‬المسنة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬أسرها‭ ‬ونقلها‭ ‬بسيارة‭ ‬كهربائية‭ ‬صغيرة‭ ‬‮«‬عربة‭ ‬جولف‮»‬‭ ‬بكل‭ ‬احترام‭.‬

آن‭ ‬الأوان‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يكرهون‭ ‬اليهود‭ ‬بل‭ ‬يكرهون‭ ‬ظلمهم‭ ‬والمعاملة‭ ‬اللاإنسانية‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وانتهاك‭ ‬المقدسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمسيحية‭.‬

وما‭ ‬يؤخر‭ ‬إسرائيل‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬حماقات‭ ‬أكبر‭ ‬ضد‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ليس‭ ‬رحمة‭ ‬منهم‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الأرواح،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬القضية‭ ‬متداخلة‭ ‬ومتشابكة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬صوب،‭ ‬كما‭ ‬سيتابع‭ ‬القارئ‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬محللو‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬شروحات‭ ‬للتعقيدات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمشهد‭ ‬وصورة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تبرم‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬والمصيرية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

{{{{{

ففي‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬كتب‭ ‬الصحفي‭ ‬والمحلل‭ ‬الأمريكي‭ ‬توماس‭ ‬فريدمان‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬أسوأ‭ ‬يوم‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل‮»‬‭: ‬‏‏‮«‬عندما‭ ‬أحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التحليل‭ ‬الأكثر‭ ‬دقة‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬اتصال‭ ‬أقوم‭ ‬به‭ ‬دائمًا‭ ‬هو‭ ‬مع‭ ‬صديقي‭ ‬القديم‭ ‬وشريكي‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬التقارير‭ ‬هناك‭ ‬ناحوم‭ ‬بارنيا،‭ ‬وهو‭ ‬كاتب‭ ‬عمود‭ ‬مخضرم‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬يديعوت‭ ‬أحرونوت‮»‬‭. ‬

‏عندما‭ ‬اتصلت‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬ظهر‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬لاستطلاع‭ ‬قرأته‭ ‬عن‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أذهلني‭ ‬رده‭ ‬الأول‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أسوأ‭ ‬يوم‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أتذكره‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الخطأ‭ ‬الفادح‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬حرب‭ ‬كيبور‭ ‬1973،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬فظيعة‮»‬‭.‬

‏ناحوم‭ ‬هو‭ ‬مراسل‭ ‬قام‭ ‬بتغطية‭ ‬كل‭ ‬الأحداث‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬نصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وعندما‭ ‬شرح‭ ‬منطقه‭ ‬أدركت‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬سهلا‭ ‬عليّ‭ ‬الفهم‭.‬

‏هذا‭ ‬الحدث‭ ‬ليس‭ ‬الخلاف‭ ‬المعتاد‭ ‬بين‭ ‬حماس‭ ‬وإسرائيل‭. ‬

‏‏إن‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحماس‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إليها‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬وستجعل‭ ‬صفقة‭ ‬التطبيع‭ ‬السعودية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المقترحة‭ ‬مستحيلة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬وإذا‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬شجعت‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬لإحباط‭ ‬الصفقة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬السعودية،‭ ‬فقد‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬التوترات‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬ووكيل‭ ‬طهران‭ ‬اللبناني‭ (‬حزب‭ ‬الله‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران‭. ‬

‏هذه‭ ‬لحظة‭ ‬خطيرة‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬متعددة‭.‬

‏لكن‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬ناحوم؛‭ ‬لماذا‭ ‬تعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬كارثة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬هجوم‭ ‬يوم‭ ‬الغفران‭ ‬المفاجئ‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا،‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬قبل‭ ‬50‭ ‬عامًا‭ ‬ويوم‭ ‬واحد؟‭ ‬

‏بداية،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬ناحوم،‭ ‬هناك‭ ‬إذلال‭ ‬محض‭ ‬للجيش‭ ‬الإسرائيلي‭: ‬‮«‬في‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬تعرضنا‭ ‬لهجوم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أكبر‭ ‬جيش‭ ‬عربي،‭ ‬مصر‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬فتم‭ ‬غزو‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬موقعًا‭ ‬خارج‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مجتمعات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬ميلا‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوة‭ ‬عسكرية‭ ‬تابعة‭ ‬لـ«ما‭ ‬يعادل‭ ‬لوكسمبورغ‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬الصغيرة‭ ‬لم‭ ‬تغز‭ ‬إسرائيل‭ ‬فحسب،‭ ‬فتغلبت‭ ‬على‭ ‬قوات‭ ‬الحدود‭ ‬الإسرائيلية؛‭ ‬بل‭ ‬أعادت‭ ‬رهائن‭ ‬إسرائيليين‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬عبر‭ ‬نفس‭ ‬الحدود،‭ ‬وهي‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬أنفقت‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لإقامة‭ ‬جدار‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للاختراق‭ ‬فعليا،‭ ‬وهذه‭ ‬ضربة‭ ‬صادمة‭ ‬لقدرات‭ ‬الردع‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

‏ثانيا،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تفتخر‭ ‬دائما‭ ‬بقدرة‭ ‬أجهزتها‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬حماس‭ ‬والمسلحين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬إنذارات‭ ‬مبكرة‭ ‬ولكن‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬كما‭ ‬يعلم‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يتابع‭ ‬الأخبار‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كانت‭ ‬حماس‭ ‬تجري‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬وكأنه‭ ‬مناورات‭ ‬تدريبية‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬حدود‭ ‬غزة،‭ ‬مباشرة‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

‏ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬المخابرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فسرت‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬للعبث‭ ‬مع‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وإثارة‭ ‬قلق‭ ‬القادة‭ ‬قليلا،‭ ‬وليس‭ ‬كمقدمة‭ ‬لهجوم‭. ‬

‏‏وقال‭ ‬ناحوم‭: ‬‮«‬تفسير‭ ‬المخابرات‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يتدربون‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬لن‭ ‬يجرؤوا‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬أبدا‮»‬،‭ ‬مضيفًا‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬كان‭ ‬حكمًا‭ ‬سيئًا‭ ‬وغطرسة‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬شنت‭ ‬حماس‭ ‬غزوًا‭ ‬معقدًا‭ ‬ومتطورًا‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬من‭ ‬البر‭ ‬والبحر‭.‬

‏لكن‭ ‬الآن‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬الجزء‭ ‬المروع‭ ‬حقا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭: ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬حماس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬اجتياز‭ ‬الحدود‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومهاجمة‭ ‬المجتمعات‭ ‬والقواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بل‭ ‬تمكنت‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬خطف‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬وأخذهم‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭. ‬

‏ستكون‭ ‬هذه‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭. ‬

‏في‭ ‬فترة‭ ‬ولاية‭ ‬سابقة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬قام‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬بتبادل‭ ‬1027‭ ‬أسيرًا‭ ‬فلسطينيا،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬280‭ ‬يقضون‭ ‬أحكامًا‭ ‬بالسجن‭ ‬مدى‭ ‬الحياة،‭ ‬مقابل‭ ‬استعادة‭ ‬جندي‭ ‬إسرائيلي‭ ‬واحد،‭ ‬جلعاد‭ ‬شاليط،‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وقد‭ ‬يُطلب‭ ‬من‭ ‬بيبي‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬إفراغ‭ ‬كل‭ ‬السجون‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬حماس‭ ‬تحتجز‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬والأطفال‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬ناحوم‭. ‬

‏وعد‭ ‬نتنياهو‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬بتوجيه‭ ‬ضربة‭ ‬ساحقة‭ ‬لحماس‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬حماس‭ ‬تحتجز‭ ‬مدنيين‭ ‬إسرائيليين‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامهم‭ ‬كدروع‭ ‬بشرية؟‭ ‬سيقيد‭ ‬ذلك‭ ‬مجال‭ ‬إسرائيل‭ ‬للانتقام‭ ‬‮«‬ستضطر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬فصاعدًا‭ ‬إلى‭ ‬الأخذ‭ ‬بنظر‭ ‬الاعتبار‭ ‬تأثيرها‭ ‬المحتمل‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الرهائن‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬ناحوم‭.‬

‏وأخيرًا،‭ ‬أشار‭ ‬ناحوم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كبار‭ ‬الجيش‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬الذي‭ ‬يترأس‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬يعلمون‭ ‬الآن‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬لجنة‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬السماح‭ ‬بحدوث‭ ‬الغزو‭ ‬الحمساوي،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬الآن‭ ‬خوض‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬واتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مؤلمة‭ ‬بشأن‭ ‬التضحيات‭ ‬بين‭ ‬الردع‭ ‬والانتقام‭ ‬واستعادة‭ ‬الرهائن‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬غزو‭ ‬غزة،‭ ‬مع‭ ‬معرفتهم‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أداروا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بشكل‭ ‬مثالي،‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬أشكال‭ ‬التحقيق‭ ‬تنتظرهم‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الطريق‭.. ‬‏ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬التفكير‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭.‬

وتحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬سجن‭ ‬مليوني‭ ‬شخص‭ ‬دون‭ ‬دفع‭ ‬ثمن‭ ‬باهظ‮»‬‭ ‬واجه‭ ‬الكاتب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬جدعون‭ ‬ليفي‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬هآرتس‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬منذ‭ ‬1948‭ ‬وإسرائيل‭ ‬تعاقب‭ ‬غزة‭.. ‬أمس‭ ‬رأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬صورًا‭ ‬لم‭ ‬تتوقعها‭ ‬في‭ ‬حياتها،‭ ‬بسبب‭ ‬غطرستها‮»‬‭.‬

‮«‬وراء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حصل،‭ ‬الغطرسة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فكرنا‭ ‬أنه‭ ‬مسموح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬وأننا‭ ‬لن‭ ‬ندفع‭ ‬ثمنًا‭ ‬ولن‭ ‬نعاقب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أبدًا‭. ‬نواصل‭ ‬دون‭ ‬تشويش‭. ‬نعتقل،‭ ‬نقتل،‭ ‬نسيء‭ ‬معاملة،‭ ‬نسلب،‭ ‬نحمي‭ ‬مستوطِني‭ ‬المذابح،‭ ‬نزور‭ ‬قبر‭ ‬يوسف،‭ ‬وقبر‭ ‬عثنيئيل،‭ ‬ومذبح‭ ‬يشوع،‭ ‬وكلها‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وبالطبع‭ ‬نزور‭ ‬جبل‭ ‬الهيكل،‭ ‬نطلق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬الأبرياء،‭ ‬نقتلع‭ ‬عيونهم‭ ‬ونهشّم‭ ‬الوجوه،‭ ‬نرحّلهم،‭ ‬نصادر‭ ‬أراضيهم‭ ‬وننهبهم،‭ ‬ونخطفهم‭ ‬من‭ ‬أسرّتهم،‭ ‬ونقوم‭ ‬بتطهير‭ ‬عرقي،‭ ‬أيضًا‭ ‬نواصل‭ ‬الحصار‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬سيكون‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‮»‬‭.‬

نبني‭ ‬حاجزًا‭ ‬هائلًا‭ ‬حول‭ ‬القطاع،‭ ‬كلفت‭ ‬بنيته‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬ثلاثة‭ ‬مليارات‭ ‬شيكل،‭ ‬ونكون‭ ‬آمنين‭. ‬

نعتمد‭ ‬على‭ ‬عباقرة‭ ‬‮«‬الاستخبارات‭ ‬وعملاء‭ ‬الشاباك‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬يعرفون‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وسيحذروننا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭. ‬

ننقل‭ ‬نصف‭ ‬الجيش‭ ‬من‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬غلاف‭ ‬حوارة‭ ‬فقط‭ ‬لتأمين‭ ‬احتفالات‭ ‬المستوطنين،‭ ‬وسيكون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬حوارة‭ ‬أو‭ ‬إيريز‭. ‬

ثم‭ ‬يتضح‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬لجرافة‭ ‬بدائية‭ ‬وقديمة‭ ‬اختراق‭ ‬حتى‭ ‬أكثر‭ ‬العوائق‭ ‬تعقيدًا‭ ‬والأعلى‭ ‬كلفة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بسهولة‭ ‬نسبيا،‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬حافز‭ ‬كبير‭ ‬للقيام‭ ‬بذلك‭. ‬انظروا،‭ ‬يمكن‭ ‬عبور‭ ‬هذا‭ ‬العائق‭ ‬المتغطرس‭ ‬بالدراجات‭ ‬الهوائية‭ ‬والنارية،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬المليارات‭ ‬التي‭ ‬صرفت‭ ‬عليه،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬الخبراء‭ ‬المشهورين‭ ‬والمقاولين‭ ‬الذين‭ ‬كسبوا‭ ‬المال‭ ‬الكبير‭.‬

اعتقدنا‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نواصل‭ ‬التحكم‭ ‬الدكتاتوري‭ ‬بغزة،‭ ‬ونرمي‭ ‬عليها‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬فتات‭ ‬المعروفية‭ ‬المتمثل‭ ‬ببضعة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬تصاريح‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ -‬وهذه‭ ‬قطرة‭ ‬في‭ ‬محيط،‭ ‬وهي‭ ‬أيضًا‭ ‬مشروطة‭ ‬دائمًا‭ ‬بالسلوك‭ ‬السليم‭- ‬ومقابل‭ ‬ذلك‭ ‬نبقيها‭ ‬سجنًا‭ ‬لهم‭. ‬نصنع‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬وتنسى‭ ‬قلوبنا‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬محوهم،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يرغب‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭. ‬

نواصل‭ ‬احتجاز‭ ‬آلاف‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أسرى‭ ‬بدون‭ ‬محاكمة،‭ ‬وأغلبهم‭ ‬سجناء‭ ‬سياسيون،‭ ‬ولا‭ ‬نوافق‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحهم‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬السجن‭. ‬ونقول‭ ‬لهم‭ ‬إنه‭ ‬فقط‭ ‬بالقوة‭ ‬يمكن‭ ‬لأسراهم‭ ‬أن‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬الحرية‭. ‬لقد‭ ‬ظننا‭ ‬أن‭ ‬نواصل‭ ‬بغطرسة‭ ‬صد‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬للحل‭ ‬السياسي،‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يناسبنا‭ ‬الانشغال‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬سيستمر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭. ‬اخترق‭ ‬عدة‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬المسلحين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬السياج‭ ‬وغزوا‭ ‬إسرائيل‭ ‬بطريقة‭ ‬لم‭ ‬يتخيلها‭ ‬أي‭ ‬إسرائيلي‭. ‬لقد‭ ‬أثبت‭ ‬بضع‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬سجن‭ ‬مليوني‭ ‬إنسان‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬دون‭ ‬دفع‭ ‬ثمن‭ ‬باهظ‭. ‬وكما‭ ‬هدمت‭ ‬الجرافة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬القديمة‭ ‬المدخّنة‭ ‬بالأمس‭ ‬الجدار،‭ ‬وهو‭ ‬الأكثر‭ ‬تطورًا‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الجدران‭ ‬والأسوار،‭ ‬فإنها‭ ‬مزقت‭ ‬أيضا‭ ‬عباءة‭ ‬الغطرسة‭ ‬واللامبالاة‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬مزقت‭ ‬فكرة‭ ‬أنه‭ ‬يكفي‭ ‬مهاجمة‭ ‬غزة‭ ‬بين‭ ‬المرة‭ ‬والأخرى‭ ‬بالطائرات‭ ‬الانتحارية‭ ‬بدون‭ ‬طيار،‭ ‬وبيع‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬لنصف‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭.‬

بالأمس،‭ ‬رأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬صورا‭ ‬لم‭ ‬ترها‭ ‬في‭ ‬حياتها‭: ‬سيارات‭ ‬عسكرية‭ ‬فلسطينية‭ ‬تقوم‭ ‬بدوريات‭ ‬في‭ ‬مدنها،‭ ‬وراكبو‭ ‬دراجات‭ ‬هوائية‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬يدخلون‭ ‬بواباتها‭. ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تمزق‭ ‬عباءة‭ ‬الغطرسة‭. ‬قرر‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أنهم‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لدفع‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬لمحة‭ ‬من‭ ‬الحرية‭. ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬رجاء‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭ ‬لا‭. ‬هل‭ ‬ستتعلم‭ ‬إسرائيل‭ ‬الدرس؟‭ ‬لا‭.‬

بالأمس‭ ‬كانوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬بالفعل‭ ‬عن‭ ‬محو‭ ‬أحياء‭ ‬بأكملها‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وعن‭ ‬احتلال‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ومعاقبة‭ ‬غزة‭ ‬‮«‬كما‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬معاقبتها‭ ‬من‭ ‬قبل‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعاقب‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬للحظة‭ ‬واحدة‭. ‬75‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬التنكيل،‭ ‬والأسوأ‭ ‬ينتظرها‭ ‬الآن‭. ‬إن‭ ‬التهديدات‭ ‬بـ«تسطيح‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬تثبت‭ ‬أمراً‭ ‬واحداً‭ ‬فقط‭: ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نتعلم‭ ‬شيئاً‭. ‬إن‭ ‬الغطرسة‭ ‬موجودة‭ ‬لتبقى،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دفعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا‭.‬

يتحمل‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬مسؤولية‭ ‬ثقيلة‭ ‬جدا‭ ‬عما‭ ‬حدث،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬معه‭ ‬ولن‭ ‬ينتهي‭ ‬بعد‭ ‬رحيله‭. ‬وعلينا‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬نبكي‭ ‬بمرارة‭ ‬على‭ ‬الضحايا‭ ‬الإسرائيليين؛‭ ‬ولكن‭ ‬علينا‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬نبكي‭ ‬على‭ ‬غزة‭. ‬وغزة،‭ ‬التي‭ ‬معظم‭ ‬سكانها‭ ‬لاجئون‭ ‬خلقتهم‭ ‬أيدي‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬يومًا‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬الحرية‭.‬

{{{{{

هذه‭ ‬كانت‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬ضجت‭ ‬بها‭ ‬الصحافة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والغربية‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اجتاح‭ ‬إسرائيل‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬قض‭ ‬مضاجع‭ ‬قادتها‭ ‬الذين‭ ‬ظنوا‭ ‬أنهم‭ ‬آمنين‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬وأنهم‭ ‬قهروا‭ ‬وأخرسوا‭ ‬صوت‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولكن‭ ‬ونحن‭ ‬نعرض‭ ‬هذه‭ ‬التحليلات‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أكثر‭ ‬وعيا‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬حولنا،‭ ‬وأن‭ ‬نضع‭ ‬سياجا‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬أمامنا‭ ‬يحمينا‭ ‬من‭ ‬خسارة‭ ‬جديدة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬موجعة‭ ‬أكثر‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭.‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬أيقظ‭ ‬الوعي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بأن‭ ‬قضية‭ ‬العرب‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬هي‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينعم‭ ‬العالم‭ ‬بأي‭ ‬استقرار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وضع‭ ‬الحل‭ ‬العادل‭ ‬والشامل‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭.‬

يجب‭ ‬ألا‭ ‬ينتهي‭ ‬الأمر‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بتكرار‭ ‬انتفاضة‭ ‬الحجارة‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بمجرد‭ ‬تعاطف‭ ‬عبر‭ ‬شاشات‭ ‬التلفاز‭ ‬أثناء‭ ‬متابعة‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار،‭ ‬وألا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬انتصار‭ ‬زائف‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬المقاطع‭ ‬المصورة‭ ‬أو‭ ‬التعليقات‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وأنفسهم،‭ ‬فيما‭ ‬يتحدث‭ ‬الغرب‭ ‬لغة‭ ‬مغايرة‭ ‬عنا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تنفيذ‭ ‬مخططاتهم‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬التي‭ ‬تتجاهل‭ ‬رؤيتنا‭ ‬تجاه‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬العالم‭.‬

يجب‭ ‬ألا‭ ‬نسقط‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬التحزبات‭ ‬والانحيازات‭ ‬الضيقة‭ ‬بأن‭ ‬يحاول‭ ‬فصيل‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬إقليمية‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬تنسب‭ ‬لنفسها‭ ‬هذا‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬إقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة،‭ ‬وعلى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أن‭ ‬يحموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬براثن‭ ‬الانقسام‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬ينزع‭ ‬عن‭ ‬قضيتهم‭ ‬أنبوب‭ ‬الأكسجين‭ ‬ويعيدها‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬الموت‭ ‬السريري‮»‬‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

على‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬الكيل‭ ‬بمكيالين‭ ‬تجاه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وأن‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب‭ ‬وألا‭ ‬ينجر‭ ‬وراء‭ ‬الآلة‭ ‬الإعلامية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لترويج‭ ‬مغالطات‭ ‬تاريخية‭ ‬بوصم‭ ‬المقاومة‭ ‬بالإرهاب‭ ‬أو‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬المدنيين‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬يحاولون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬التبرير‭ ‬لأنفسهم‭ ‬لتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق‭ ‬لإٍسرائيل‭ ‬لإبادة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬أو‭ ‬تهجيره‭ ‬قسريا‭ ‬تجاه‭ ‬مصر،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الحلول‭ ‬لن‭ ‬تنهى‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬المستمر،‭ ‬ولكنها‭ ‬ستفجر‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬أوسع‭.‬

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا