عالم يتغير
فوزية رشيد
«طوفان الأقصى» وأكتوبر المجد بين عبورين!
{ شهر أكتوبر الذي فيه اخترق الغضب العربي والفلسطيني كل الأسوار والحواجز! تحول فيه يوما (السادس والسابع) منه إلى أيقونة انتصار عربي على محتّل غاصب، استباح كل المحرمات الدينية والإنسانية ليجلس القرفصاء منتظرا «الغفران»!
هو شهر فيه يومان بمثابة تذكار واستيقاظ من غفوة الأمن والاستقرار حين يرتبطان عند المحتلين بقبول الاحتلال والجرائم الصهيونية كما يحلم! فما يخيف المحتّل هو أن تريه القوة والإصرار والعزيمة، ونبذ كل أدبياته التي مارست «التضليل السياسي والديني» على شعوب العالم! فإذا ما جاء «زلزال الغضب» بدد كل ذلك الركام من التضليل، لتنكشف حقيقة أزلية أن الحق لا يضيع مع الزمن! وأن (العنقاء العربية الفلسطينية) بإمكانها أن تزيح أطنان الرماد لتخرج منه قوية محلقّة في أفق التحقق والصيرورة!
{ نفضت العنقاء العربية عن نفسها الرماد وخرجت منه في أبهى صورة لطيرانها بعد نكسة حزيران، لتجعل من «اليوم السادس من أكتوبر 73 يوماً للانتصار، الذي قلب الكيان الصهيوني وحوّل «سبته» إلى يوم أسود، سيبقى عالقاً في ذاكرة التاريخ! فكان العبور الأول، عبور «خط بارليف» ضرباً لأسطورة التفوق «الإسرائيلي»! وفي «اليوم السابع» من أكتوبر 2023، ومجدداً في «السبت»، انتفضت العنقاء الفلسطينية، لتسجّل «العبور الثاني» لخط المستحيل الصهيوني، الذي أحاط بوهمه «المستوطنات» التي تغلّف قطاع غزة، بدءاً وإيذاناً «لطوفان الأقصى»، فكان الانتصار الفلسطيني عملاقاً وغير متوقع! ويحدث لأول مرة بعد «خمسين عاماً» من العبور الأول في حرب أكتوبر 73، ليعلن القادة الصهاينة أنها (الحرب ويوم أسود)! وهكذا تعانق يوما السادس والسابع من أكتوبر كيوم للمجد العربي وللقضية الفلسطينية!
{ وما بين العبورين تحقق كما قلنا المجد العربي والفلسطيني لخير أمة أخرجت للناس! الأول قادة الجندي والمقاتل المصري والسوري والعربي، بالتحام الجيوش! فيما العبور الثاني قادة الفلسطينيون المجاهدون في أرضهم المحتلة منذ 1948، بتخطيط محكم براً وجواً وبحراً! حينها حلقت «الطائرات الشراعية» في سماء فلسطين، ولكأن العملاق الفلسطيني يطل على أرضه من السماء ويجثم بظله على المستوطنات غير الشرعية! وهو متيقن بما زرعه «أحمد ياسين» في قلوب المجاهدين والمقاومين من الإيمان بـ(الوعد الإلهي)، وأن الأرض أرضهم والسماء سماؤهم وهي تطلّ بشمسها وقمرها فوق جباههم كل يوم! وأن يوم النصر قادم! وأن حق العود آتٍ آتٍ! وأن حلمهم بالخلاص من الظلم وغياب العدالة الدولية، هو ذاته رابض في نفوس الأعداء ولكن ككابوس! وهو الكابوس «يجثم فوق قلوبهم في السابع من أكتوبر 2023 بكل تجلياته»!
{ السابع من أكتوبر 2023 يوم غير عادي بالمطلق! وصبيحته سجلّت للذاكرة العربية يوماً آخر فارقاً، كما سجلّ فجر السادس من أكتوبر 1973، ذات الترنيمة والاختلاف! ليستعيد الكيان الصهيوني كل ما ذاقه وجيشه من مهانة وذّل وخسائر بشرية ومادّية، وقتلى وجرحى وأسرى! وبذات الطريقة احتل الذعر قلوبهم، وهرب المستوطنون هذه المرة كما هرب جنودهم قبل ذلك إلى البيداء يجروّن معهم ما خالجهم من شتات تاريخي، وإن جاء رمزياً، ليذكرهم أن الأرض ليست لهم! وأن المستوطنات التي نعموا فيها بالنوم والهدوء، هي كانتونات صنعها الظلم والتعسف والغطرسة! وأن لا سلام لهم طالما بقوا فيها معتدين ومحتليّن! وأن الأجيال الفلسطينية الجديدة لم تنس وطناً هو لها، وأرضاً هي لأجدادها منذ آلاف السنين! وأن التضليل السياسي وموت الضمير العالمي، الذي بقي ميتاً منذ 1948 حتى اليوم، بإمكانها وحدها كأجيال فلسطينية متلاحقة، أن تبدده كركام، الضباب فكلاهما التضليل وموات الضمير، ضباب غشي عيون وعقول السادة في العالم! فيما الشعوب تماهت في صحوة ضميرها وبشكل دائم مع الضمير الفلسطيني المقاوم لاحتلال بلده وأرضه! مؤمناً بوعد إلهي قادم مهما طال الزمن، ليعيد أمجاداً هي له وللمؤمنين عبر القرون الطويلة!
{ «طوفان الأقصى» بدأ، ومهما تمادى العدو الصهيوني بعده في ردّة فعله بغزو سماء غزة أو حتى أرضها، فإن العملاق الفلسطيني حقق أهدافه في يوم السابع من أكتوبر باستحقاق كامل! وجعل الصورة الصهيونية سواء للجنود القتلى والأسرى، الذين بلغ تعدادهم (300 قتيل و1650 مصابا) حتى كتابة هذا الموضوع، مساء السبت نفسه صورة الكابوس الذي جثم على قلوبهم! وليدخل المستوطنون أقبية اللجوء بعد تركهم منازلهم! ولتسجّل الصور حجم «المهانة» للجيش الذي لا يُقهر! وللاستخبارات الصهيونية التي كانت تغّط في نومها أنها كانت غافلة! فتحقق معادلة جديدة في مسار المقاومة الفلسطينية في علاقتها مع الاحتلال! وبطوفان حمل كل أشكال (المفاجأة النوعية) في مجالات مختلفة! فيعجز لسان المحتل عن النطق والتصريح ساعات طويلة، لأنه دخل في «شلل الصدمة» الكبرى كما دخل جيشه وقبته الحديدية وكل أجهزته! وكما حدث له قبل «خمسين عاماً» في السادس من أكتوبر 73! ليلبس ذات الرداء المصنوع من الهزيمة المعنوية والنفسية! وليصارع غروره طين الأرض! وليتراكض مذعوراً بين نيران الصواريخ وأذرع المجاهدين الذين أخرجوا الجنود من دباباتهم كالجرذان المذعورة وكأسرى! بل إن كل دروس أكتوبر 73 تحققت في أكتوبر 2023 سواء على المستوى الاستراتيجي وتغيّر المعادلة وانقلابها! أو على المستوى النفسي والمعنوي! أو على المستوى الدولي، رغم تراكض الدول الغربية الاستعمارية ذاتها لنصرة المحتّل الصهيوني! وغضّ النظر عن حقّ الفلسطيني في مقاومة من يحتل أرضه وبكل الأساليب وكقانون دولي! الآن وقد حدث ما حدث، فمهما فعل بعدها المحتل الصهيوني، من تدمير أو قتل يمارسه كل يوم، فإن المعادلة تغيّرت وصورته لن ترجع كما كرسها بالتضليل السياسي والإعلامي، فقد ذاق مرارة الهزيمة بكل معانيها كما ذاقها في أكتوبر 73! والنصر لفلسطين!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك