العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

اليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر وفيلم «جولدا»!

{‭ ‬ونحن‭ ‬نحتفل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬كأمة‭ ‬عربية‭ ‬باليوبيل‭ ‬الذهبي‭ ‬لانتصار‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ (‬مرور‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭) ‬فإننا‭ ‬ندرك‭ ‬جيدا‭ ‬قيمة‭ ‬ذلك‭ ‬الانتصار،‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬القدرة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬القتال،‭ ‬وعنصر‭ ‬المفاجأة،‭ ‬والسرّية‭ ‬والكتمان‭ ‬والتفوق‭ ‬ثم‭ ‬الانتصار‭! ‬وكلها‭ ‬معاً‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬الزلزال‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬قادة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وشعبه‭! ‬وحيث‭ ‬باعترافهم‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬التصريحات‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب،‭ ‬أو‭ ‬المذكرات‭ ‬التي‭ ‬كتبوها،‭ ‬اعترفوا‭ ‬بأن‭ (‬حالة‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬للكيان‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭)! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الجميع‭ ‬أصيب‭ ‬بالصدمة‭ ‬والانهيار‭ ‬النفسي‭ ‬العميق‭! ‬حين‭ ‬تعرّض‭ ‬الكيان‭ ‬لخطر‭ ‬الدمار‭ ‬بصورة‭ ‬ملموسة‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وما‭ ‬أعقبه‭ ‬من‭ ‬أيام‭! ‬فنتائج‭ ‬المعارك‭ ‬والانعكاسات‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬أكدت‭ ‬أهمية‭ ‬القدرة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الانتصار،‭ ‬وهي‭ ‬القدرة‭ ‬التي‭ ‬أنهت‭ ‬الشعور‭ ‬بالتفوق‭ ‬لدى‭ ‬جيش‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ (‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُقهر‭!) ‬وأكدت‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬كفاءة‭ ‬المقاتل‭ ‬العربي‭ ‬وتصميمه‭ ‬وفاعلية‭ ‬السلاح‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬يده،‭ ‬ما‭ ‬أفقد‭ ‬صهاينة‭ ‬الكيان‭ ‬ثقتهم‭ ‬في‭ ‬تفوقهم‭! ‬كما‭ ‬اعترى‭ ‬جبهتهم‭ ‬المعنوية‭ ‬الداخلية‭ ‬ضعف‭ ‬هائل،‭ ‬وهذا‭ ‬أخطر‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يواجهه‭ ‬أي‭ ‬شعب‭! ‬ولولا‭ (‬الجسر‭ ‬الجوي‭ ‬الأمريكي‭) ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬الأضخم‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬لكانت‭ ‬نهاية‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬واضحة‭! ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مذكراتهم‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الجنرال‭ ‬‮«‬موشيه‭ ‬ديان‮»‬‭ ‬وزير‭ ‬الحرب‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬و«جولدا‭ ‬مائير‮»‬‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬آنذاك،‭ ‬و«أبا‭ ‬إيبان‮»‬‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬1973،‭ ‬و«إسحاق‭ ‬رابين‮»‬‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان،‭ ‬و«ديفيد‭ ‬بن‭ ‬جوريون‮»‬‭ ‬مؤسس‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الاستخبارات،‭ ‬بل‭ ‬وقادة‭ ‬الغرب‭ ‬ورؤسائه‭! ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬ذكرى‭ ‬لا‭ ‬ينساها‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬وقبل‭ ‬العرب‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬جولدا‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬متزامناً‭ ‬مع‭ ‬‮«‬اليوبيل‭ ‬الذهبي‮»‬‭ ‬لانتصار‭ ‬أكتوبر،‭ ‬طرح‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات‭ ‬السابقة،‭ ‬مرة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬بشكل‭ ‬متوارٍ‭! ‬لثقل‭ ‬ما‭ ‬مرّ‭ ‬به‭ ‬قادة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬أثناء‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬و«مفاجأة‭ ‬الضربة‭ ‬الأولى‮»‬‭ ‬ونسف‭ ‬خط‭ ‬بارليف،‭ ‬وآلاف‭ ‬الأسرى‭ ‬الصهاينة،‭ ‬ودمار‭ ‬آلات‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية‭! ‬وقد‭ ‬اعترفت‭ ‬‮«‬جولدا‭ ‬مائير‮»‬‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬بأنها‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬الانتحار‭! ‬وقالت‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬قصة‭ ‬حياتي‮»‬‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬أقسى‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أكتوبر،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬حدثا‭ ‬عسكرياً‭ ‬رهيباً‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬مأساة‭ ‬عاشت‭ ‬وستعيش‭ ‬معي‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭! ‬فلقد‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬فجأة‭ ‬أمام‭ ‬أعظم‭ ‬تهديد‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬قيامها‮»‬‭! ‬محاولتها‭ ‬للانتحار‭ ‬أو‭ ‬تفكيرها‭ ‬فيه،‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬إليه‭ ‬الفيلم‭!‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬اتضح‭ ‬من‭ ‬شعورها‭ ‬وكل‭ ‬القادة‭ ‬معها‭ ‬بمرارة‭ ‬الهزيمة‭ ‬والخوف‭ ‬والذعر،‭ ‬وتراجع‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬وتلك‭ ‬الدموع‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬وقحة‭! ‬حتى‭ ‬بدا‭ (‬موشيه‭ ‬ديان‭) ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬كوابيس‭ ‬الطفولة‭ ‬بتلك‭ ‬العُصبة‭ ‬المخيفة‭ ‬على‭ ‬عينه،‭ ‬كياناً‭ ‬مهزوزاً،‭ ‬وعانى‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭ ‬النفسي‭ ‬وكان‭ ‬غير‭ ‬مصدّق‭ ‬لما‭ ‬حدث‭ ‬وهو‭ ‬يرتجف‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬المفاجأة‭!‬

{‭ ‬‮«‬جولدا‭ ‬مائير‮»‬‭ ‬التي‭ ‬جسدت‭ ‬شخصيتها‭ ‬الممثلة‭ ‬البريطانية‭ (‬هيلين‭ ‬ميرين‭) ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬بأصعب‭ ‬فترات‭ ‬حياتها،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬حاملة‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬المرأة‭ ‬الحديدية‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬موشيه‭ ‬ديان‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬انعزل‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬وأغلق‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬قائلة‭: (‬اتركوه‭ ‬فهو‭ ‬يمر‭ ‬بحالة‭ ‬غير‭ ‬طبيعية‭)! ‬وما‭ ‬بين‭ ‬القوة‭ ‬والضعف‭ ‬وذرف‭ ‬الدموع‭ ‬وهي‭ ‬تستمع‭ ‬إلى‭ ‬صرخات‭ ‬جنودها‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬المعركة،‭ ‬وتستمع‭ ‬إلى‭ ‬نبرة‭ ‬الثقة‭ ‬لدى‭ ‬الجنود‭ ‬المصريين،‭ ‬وكانت‭ ‬تمر‭ ‬بحالة‭ ‬سقوط‭ ‬نفسي‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الصرخات،‭ ‬ولحظات‭ ‬خضوعها‭ ‬للعلاج‭ ‬الكيماوي‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬‮«‬سرطان‭ ‬الغدد‭ ‬الليمفاوية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تسترجع‭ ‬صوت‭ ‬القتلى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يموتوا،‭ ‬والأسرى‭ ‬بالآلاف‭ ‬وهم‭ ‬يستنجدون‭ ‬لإنقاذهم‭! ‬وما‭ ‬عرفته‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬عشرات‭ ‬الطائرات‭ ‬الفانتوم‭ ‬والسكاي‭ ‬هوك‭ ‬وتدمير‭ ‬مئات‭ ‬الدبابات‭ ‬لجيشها‭!‬

{‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬بجلسة‭ ‬‮«‬التحقيق‮»‬‭ ‬بقيادة‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬آنذاك‭ ‬وانتهى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬حول‭ ‬الإخفاقات‭ ‬الكبيرة‭ ‬لجولدا‭ ‬مائير،‭ ‬وبقية‭ ‬القادة‭ ‬معها،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬تجسيداً‭ ‬لمرارة‭ ‬الهزيمة،‭ ‬وحيث‭ ‬قدّم‭ ‬ما‭ ‬مر‭ ‬به‭ ‬القادة‭ ‬الصهاينة‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬نفسي‭ ‬ومعنوي،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يسجله‭ ‬فيلم‭ ‬سابق‭! ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬عالج‭ ‬أحداث‭ ‬أيام‭ ‬الحرب‭ ‬وحدها،‭ ‬ولم‭ ‬يتعرض‭ ‬لما‭ ‬قاله‭ ‬وكتبه‭ ‬أولئك‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬مذكراتهم،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬توضح‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬بلاغة‭ ‬حجم‭ ‬الانهزام‭ ‬الداخلي،‭ ‬وما‭ ‬حققّه‭ ‬المقاتل‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬صدمة‭ ‬كبرى‭ ‬لهم،‭ ‬حتى‭ ‬بدا‭ ‬استنجاد‭ ‬‮«‬جولدا‮»‬‭ ‬بالثعلب‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬هو‭ ‬خيط‭ ‬الأمل‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬كيانهم،‭ ‬وما‭ ‬قدمته‭ ‬من‭ ‬مطالب‭ ‬له‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬لهجة‭ ‬الأمر‭! ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مسرعا‭ ‬قال‭ ‬لها‭ ‬وهي‭ ‬تحاوره‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تنسي‭ ‬أنني‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬أمريكا‭ ‬أولاً‭ ‬وثانياً‭ ‬ثم‭ ‬إنني‭ ‬يهودي‭ ‬ثالثاً‮»‬‭ ‬فردّت‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬جولدا‭ ‬مائير‮»‬‭ ‬بحسم‭ ‬ماكر‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬أنت‭ ‬أيضاً‭ ‬أننا‭ ‬نقرأ‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‮»‬‭! ‬أي‭ ‬أنك‭ ‬يهودي‭ ‬صهيوني‭ ‬أولاً‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬أنت‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬أمريكا‭!‬

وهكذا‭ ‬كان‭ ‬مدّ‭ ‬الجسر‭ ‬الجوي‭ ‬الأضخم‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الكيان‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬مفاوضات‭ ‬‮«‬الكيلو‭ ‬101‭)‬،‭ ‬لتبدأ‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بسنوات‭ ‬مفاوضات‭ ‬‮«‬كامب‭ ‬ديفيد‮»‬‭ ‬واتفاقياتها‭ ‬مع‭ ‬السادات،‭ ‬ليشهد‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭/ ‬الصهيوني‭ ‬مسارات‭ ‬وتحولات‭ ‬أخرى‭! ‬ولكن‭ ‬لتبق‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي،‭ ‬وإثباتا‭ ‬لقدرة‭ ‬العرب‭ ‬وإمكانية‭ ‬تفوقهم‭ ‬وانتصارهم‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬توحدّت‭ ‬إمكانياتهم‭ ‬وقدراتهم‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬وأرضهم‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا