زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الواسطة ضرورة حياتية
دعتني قناة تلفزيونية قبل أشهر قليلة للمشاركة في حوار حول مضار الواسطة، فاعتذرت عن الاستضافة، وقلت لهم إن أي جهد لمحاربة الواسطة «بلا طائل»، وإنني من أنصار الواسطة، بل أعتقد أن الأمور لا يمكن أن تسير في البلاد العربية بدون وساطات: فكيف أعالج من مرض ما إذا لم يكن هناك وسيط يوصلني إلى الطبيب المختص دون موعد مسبق؟ كيف أحصل على قرض يعينني على شراء سيارة BMW، كما اشتراها صديقي مسعود الذي لا يكفيه راتبه حتى لشراء سندويتشات فول أسبوعا كاملا؟ كيف ألغي مخالفاتي المرورية؟ كيف أقنع عمي (سعيد) بأن يزوجني ابنته بالتقسيط المريح: يدفع عني المهر وأسدده له على ثلاث سنوات بعد أن أتخلص من أقساط السيارة؟ كيف أحصل على درجة رئيس قسم واللوائح تقول إن من متطلبات الوظيفة حيازة درجة الماجستير، وأنا مازلت -طوال 6 سنوات- في الصف الثاني في الجامعة بالانتساب؟
باختصار لا حياة بلا واسطة، ولا حياء في الواسطة، وبحمد الله فإن التقاليد العربية جعلت الواسطة أهم «مؤهل» للحصول على معظم ما تبتغيه النفس من ضروريات وكماليات! وبالمقابل انظروا إلى الخواجات التعساء: ديفيد بلانكيت وبشهادة محبيه وخصومه كان أفضل وزير للتربية في بريطانيا، وتم نقله إلى وزارة الداخلية، فانخفضت معدلات الجريمة والهجرة غير القانونية، ولكنه أرغم على الاستقالة؟ لماذا؟ لأنه ارتكب جريمة نكراء، تخيلوا أنه بلا أدنى حياء منح تأشيرة دخول إلى بريطانيا لفلبينية لتعمل مربية عند عشيقته الأمريكية، وحكاية أن تكون لوزير بريطاني عشيقة أو حتى عشيق لا تعتبر عيباً. ما فيها شيء! عادي! ولكن أن يتم منح تأشيرة لمربية فلبينية في غضون 19 يوماً فهذه «كبيرة» وهكذا طار السيد بلانكيت، ولو كان البريطانيون يفهمون أهمية الواسطة ودورها في تسيير الحياة لتمت ترقية الوزير إلى رئيس وزراء.
وواقع الأمر أن هناك أشياء كثيرة يستطيع الأوروبيون والأمريكان أن يتعلموها من الخبراء العرب: انظر مثلاً إلى البهدلة التي يتعرض لها الرئيس الأمريكي في كل انتخابات لتجديد ولايته، فيتعرض المسكين لسيل من الشتائم، ويضطر إلى التنقل بالطائرات والباصات من ولاية إلى أخرى مستجدياً أصوات الناخبين، وينفق قرابة مليار دولار على حملته الانتخابية، ولو استعان بالخبراء العرب لما كان هناك ما يستوجب أن يغادر بيته إلا للتلويح للجماهير من «البلكونة»، ثم ينام ويصحو ليجد أن الشعب، الأحياء منهم والأموات، منحوه أصواتهم وثقتهم، وإذا احتج المرشح الخصم فالخبراء العرب «جاهزون»: يمكن محاكمة الخصم بتهمة الخيانة العظمى أو الخيانة الزوجية، ويجوز إثبات أن ذلك المرشح بحاجة إلى علاج نفسي بالصدمات الكهربائية، لأنه تجرأ على خوض الانتخابات ضد «الذات الرئاسية»، ويمكن تعديل الدستور بحيث ينافس الرئيس نفسه
ولكن الغرب ظلم نفسه، وظلمنا عندما أساء الظن بخبراتنا، بل صارت أكثر سلعنا رواجاً وهي الرقص الشرقي نهبا للراقصات الروسيات والأوكرانيات، وهذا دليل على فساد ذوق الغربيين: كيف يمكن أن تكون واحدة اسمها كروبسكاياوفا كارمانيلوفيتش راقصة؟ عندنا فيفي ولوسي ودينا. أسماء تشرح الصدر وجميعهن من اللافقاريات (وهي نفس الفصيلة التي تنتمي إليها الديدان) بدليل أن الواحدة منهن تستطيع أن تثني جسمها 180 درجة.
وعودٌ على البدء أقول إنني ضد محاربة الواسطة، لأن ذلك سيوقف دولاب العمل عندنا، فمقولة «خير الأمور الواسطة» هي القانون الذهبي الذي يحكم الأمور عندنا في مواقع العمل: أنت واسطتي لمنح ولدي وظيفة كبيرة، وأنا أتوسط لك لدى ابن عمي كي ترسو عليك مناقصة ويفوز بـ«عطاء»، وينال ابن عمي عمولة، كي تتسنى له الاستعانة بآخر لاستيراد مبيدات محظورة، وفي كل منشأة حكومية في العالم العربي هناك شخص اسمه «واسط بن عطاء» ولا تستطيع تحريك دبوس من مكانه بدون تدخل مباشر منه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك