زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الخطأ بيِّن والصواب بيِّن (3)
لليوم الثالث على التوالي أخوض في أمر بديهيات الصحة العامة التي يعرفها معظمنا جيداً، ومع هذا نهمل أمرها وأمر صحتنا: على سبيل المثال مضار التدخين، وضرورة غسل اليدين بعد استخدام دورة المياه، وتنظيف الأسنان قبل النوم مباشرة، وأهمية اللجوء إلى طبيب عيون لفحص «النظر» لمن يستخدمون النظارات الطبية بدلا من الاكتفاء بالكشف الذي يتمّ في محلات بيع النظارات، ومراجعة طبيب الأسنان بانتظام وتحديدا قبل إصابة الأسنان بعطب.
ولستَ بحاجة إلى شهادة جامعية في الطب كي تعرف استخدام المضادات الحيوية المفرط، وأن مضار ذلك أكثر من نفعه، ومع هذا فإن كثيرين يشرعون في تناولها مع أول عطسة أو «أكلان» في الحلق.. والمشكل الذي ينجم عن ذلك ليس فقط أن الجراثيم والبكتيريا -على مستوى الكرة الأرضية- طورت مقاومة ومناعة ضد معظم المضادات الحيوية (بدليل أن أكثر من مليار ونصف المليار شخص يعانون حالياً السل ولا تجدي معهم المضادات الحيوية التي كانت تهزم السل في شهر واحد قبل ربع قرن)، بل إن تلك العقاقير تقتل أيضاً البكتيريا الحميدة الضرورية للجهاز الهضمي ونظام المناعة.
والأغرب من ذلك أن البكتيريا الحميدة متوافرة للجميع فقراء وأغنياء بسعر التكلفة ولكننا لا نتحمس لها: الزبادي (الروب) هو أحد أهم مصادر البكتيريا المفيدة للصحة، والزبادي أرخص من الخبز والرز والشاورما، ومع هذا ففي كل بيت يتم التخلص من كذا علبة زبادي شهرياً، لأنها ظلت في الثلاجة حتى انتهت صلاحيتها من دون أن يتناولها أحد (شخصياً لا أتقيد بتاريخ الصلاحية المكتوب في علب الزبادي ولم تتأثر صحتي سلباً بتناول زبادي بعد أسبوع من تاريخ انتهاء الصلاحية). ولا أعرف عائلة عربية تقوم بإعداد الزبادي الخاص باستهلاك أفرادها منزليا بينما الخواجات «المرفهون» يصنعون الزبادي والمربى والمخلل في بيوتهم.
والكلام عن الزبادي والتغذية يقودنا إلى أمراض القلب، فرغم أننا نعرف أن المعدة هي بيت الداء، وأن كثيرا مما يدخل فيها أس كل بلاء صحي، فإننا نكبس بطوننا بوجبات تستحق لقب «ألغام صحية»، دعنا من الكبسة والمندي والرز المشبع بدهون تكفي لتشحيم مصنع طائرات إيرباص، ولنتوقف -مثلا- عند البيرغر والشاورما، لنتفاكر حول محتواها من الكولسترول. والمسألة لا تحتاج إلى تفاكر بل من المحسوم أن تلك الوجبات عبارة عن كولسترول مصفى، وارتفاع الكولسترول الضار في الدم مقدمة لأمراض القلب الفتاكة، والمطاعم تعيد استخدام زيت القلي عدة مرات، حتى يصبح بحيرة من الكولسترول، وما من لحم مفروم يباع نيئا أو مطبوخا إلا وهو ملغوم بالدهون، والبيرغر لحم مفروم، أما الشاورما فكل شريحة لحم لا بد أن تكون فوقها وتحتها كتلة من شحم الحيوان.
يقول البروفيسور بيتر وايسبيرغ المدير الطبي للهيئة البريطانية للقلب إنه يتعين على كل من بلغ الأربعين أن يتقصى مستوى الكولسترول في جسمه، من خلال اختبار بسيط للدم لا يستغرق سوى دقائق، بل هناك أجهزة في الصيدليات لقياس الكولسترول، وأجودها ما يفصل بين قراءة الكولسترول الحميد (اتش دي إل) والضار (إل دي إل).
ونتعلل جميعاً بعدم إجراء فحوصات دورية للدم بضيق الوقت، ولو تذكرنا أن الأمر يتعلق بـ«ضيق العمر» لذهبنا إلى المختبرات الطبية، ولو حَبْوا! وقد نشرت وسائل الإعلام مرارا خلاصة دراسات أكدت أنه كلما كان مقاس الخصر كبيراً، ارتفعت احتمالات الإصابة بأمراض القلب.. وقالت الدراسة: إن مقاس الخصر الصحي للمرأة هو 31 ونصف إنش «بوصة»، وللرجل 37 بوصة... ياريت يا خويا، بس منين يا حسرة؟ بالإنجليزي يا خواجة: ذات إز تو مَّتش! «مطلب صعب» أن يكون خصر عربي فوق الثلاثين 37 بوصة، والأصعب من ذلك أن تكون نساؤنا مطالبات بخصر نيومي كامبل والعجرمية، كي يبعدن عن أنفسهن شبح مرض القلب. لا سبيل لمثل تلك الخصور مع الكبسة والفتة (الثريد) والكوارع وأم علي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك