العدد : ١٦٨٤٢ - الجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٢ - الجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

حجر الأمنيات!

{‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الزمنية،‭ ‬نرى‭ ‬تسارع‭ ‬الأحداث‭ ‬بل‭ ‬وكارثية‭ ‬كثير‭ ‬منها،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬حروب‭ (‬عسكرية‭ ‬وبيولوجية‭ ‬ومناخية‭)! ‬وما‭ ‬بين‭ ‬أزمات‭ ‬وصراعات‭ ‬وتهديدات‭ ‬وحرائق‭ ‬ومجاعات‭! ‬وما‭ ‬بين‭ ‬مخططات‭ ‬وهلوسات‭ (‬مجانين‭ ‬في‭ ‬الظل‭) ‬يحكمون‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭! ‬وما‭ ‬بين‭ ‬تنبؤات‭ ‬وتوقعات‭ ‬تزرع‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الناس‭ ‬ممن‭ ‬يستمع‭ ‬إليها‭!‬

فإن‭ ‬الأمنيات‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬أزمة‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬تتقلّص‭ ‬إلى‭ ‬حدودها‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬حدثنا‭ ‬بها‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬حينما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬من‭ ‬أصبح‭ ‬منكم‭ ‬آمنًا‭ ‬في‭ ‬سِربه،‭ ‬معافى‭ ‬في‭ ‬جسده،‭ ‬عنده‭ ‬قوت‭ ‬يومه،‭ ‬فكأنما‭ ‬حِيزت‭ ‬له‭ ‬الدنيا‭ ‬بحذافيرها‮»‬‭ ‬وهناك‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬العافية‭ ‬أو‭ ‬القوت‭ ‬أو‭ ‬الأمن،‭ ‬وهؤلاء،‭ ‬يعرفون‭ ‬جيدًا‭ ‬قيمة‭ ‬النعمة‭ ‬بل‭ ‬والنِعم‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬حباها‭ ‬الله‭ ‬لأولئك‭ ‬المتنعمين‭ ‬وأغلبهم‭ ‬لا‭ ‬يشكرون‭!‬

{‭ ‬الأساطير‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الشعوب‭ ‬وربما‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الخرافات،‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬حجر‭ ‬يُسمى‭ ‬‮«‬حجر‭ ‬الأمنيات‮»‬‭ ‬لدى‭ ‬الحضارات‭ ‬القديمة،‭ ‬تم‭ ‬تناقلها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬حضارة‭ ‬الهند‭ ‬القديمة،‭ ‬وحضارة‭ ‬‮«‬المايا‮»‬‭ ‬القديمة،‭ ‬ومن‭ ‬يمسكه‭ ‬يحقق‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬أمنياته‭!‬

و«هوليوود‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفوّت‭ ‬الأساطير‭ ‬والخرافات‭ ‬إلا‭ ‬وحولتها‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الهوليوودية،‭ ‬وضعت‭ ‬فيلمها‭ (‬WONDER WOMEN 1984)‏‭ ‬حول‭ ‬أسطورة‭ ‬هذا‭ ‬الحجر‭ ‬‮«‬حجر‭ ‬الأمنيات‮»‬‭ ‬ليقع‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬شريّر‭ ‬مهووس‭ ‬بالسلطة‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬العالم‭! ‬دون‭ ‬وضع‭ ‬أي‭ ‬حساب‭ ‬لتكلفة‭ ‬هوسه‭ ‬وأطماعه‭ ‬وجنونه،‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬‮«‬التدمير‭ ‬النووي‮»‬‭ ‬وكاد‭ ‬بالفعل‭ ‬أن‭ ‬يدمرّ‭ ‬العالم‭! ‬ولعبته‭ ‬عبر‭ (‬البث‭ ‬الفضائي‭) ‬للعالم‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬أمنيات‭ ‬الأشخاص،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬تتحقق‭ ‬لهم‭ ‬الأمنيات،‭ ‬وقد‭ ‬تحوّل‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حجر‭ ‬الأمنيات‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تحطم‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬حتى‭ ‬تزداد‭ ‬قوته‭ ‬وسطوته‭ ‬وسيطرته‭! ‬ومقابل‭ ‬تحقيق‭ ‬كل‭ ‬أمنية‭ ‬يأخذ‭ ‬منهم‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬الأشياء‭ ‬الحقيقية‭ ‬والجوهرية‭! ‬حتى‭ ‬يأتيهم‭ ‬خطاب‭ ‬الكشف‭ ‬والحقيقة‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬المذهلةWONDER WOMEN‮»‬‭ ‬‮»‬‏،‭ ‬فتدعو‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬التخليّ‭ ‬عن‭ ‬الأمنيات،‭ ‬لتعود‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها‭ ‬ويفقد‭ ‬الشرير‭ ‬قوته‭ ‬وسطوته‭ ‬ويتم‭ ‬إنقاذ‭ ‬العالم‭!‬

ولكأن‭ ‬‮«‬هوليوود‮»‬‭ ‬في‭ ‬فيلمها‭ ‬هذا‭ ‬تطرح‭ ‬كعادتها،‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬أو‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وإن‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭! ‬هل‭ ‬ستذكرنا‭ ‬أفكار‭ ‬الفيلم‭ ‬بما‭ ‬نعيشه؟‭! ‬

{‭ ‬هي‭ ‬‮«‬قوى‭ ‬الظل‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬قوى‭ ‬السيطرة‭ ‬المالية‭ ‬والسياسية‭ ‬وغيرها،‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬اليوم،‭ ‬عبر‭ ‬تحقيق‭ ‬التطوّر‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الذي‭ ‬سلب‭ ‬العقول‭! ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬الإنترنت‭ ‬والهاتف‭ ‬الذكي‭ ‬وسرعة‭ ‬التواصل‭ ‬قد‭ ‬حققّ‭ ‬ما‭ ‬يعتقده‭ ‬البشر‭ ‬أنه‭ ‬أمنياتهم‭ ‬ولكنهم‭ ‬وقعوا‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬والبرمجة‭!‬،‭ ‬وأخذت‭ ‬منهم‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬الحقيقية‭ ‬والجوهرية،‭ ‬كالحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬والحميمية‭ ‬الأسرية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والوقت‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬وكلها‭ ‬ضاعت‭ ‬معًا،‭ ‬أو‭ ‬تقلصّت‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬في‭ ‬العوالم‭ ‬الافتراضية‭ ‬والعلاقة‭ ‬مع‭ ‬الآلات‭!‬

{‭ ‬العالم‭ ‬مليء‭ ‬بأمنيات‭ ‬البشر‭ ‬بعدد‭ ‬وجودهم‭! ‬بل‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬أمنيات‭ ‬مختلفة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬مع‭ ‬العمر‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬أمنية‭ ‬واحدة‭! ‬والكل‭ ‬يحلم‭ ‬بأن‭ ‬يِمتلك‭ (‬حجر‭ ‬الأمنيات‭) ‬حتى‭ ‬يحقق‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭! ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬تحققت‭ ‬كل‭ ‬الأمنيات‭ ‬‮«‬الدنيوية‮»‬‭ ‬باختلاف‭ ‬منابعها‭ ‬وتوجهاتها،‭ ‬وفقد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الصحة‭ ‬أو‭ ‬القوت‭ ‬أو‭ ‬الأمن؟‭! ‬كل‭ ‬الأمنيات‭ ‬تصبح‭ ‬بلا‭ ‬قيمة‭ ‬وبلا‭ ‬معنى‭! ‬أليس‭ ‬تلك‭ ‬الأمنيات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬يتدافع‭ ‬البشر‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها،‭ ‬وتتصارع‭ ‬الدول‭ ‬لإثبات‭ ‬مكانتها؟‭! ‬أليست‭ ‬الأمنيات‭ ‬البشرية‭ ‬تدور‭ ‬أغلبها‭ ‬حول‭ ‬المال‭ ‬والثروة،‭ ‬وحول‭ ‬المكانة‭ ‬والوجاهة،‭ ‬وحول‭ ‬السيطرة‭ ‬والنفوذ‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم؟‭!‬

أليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيقها‭ ‬يقع‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬مطباّت‭ ‬الأنانية‭ ‬والشرّ‭ ‬والفساد‭ ‬وظلم‭ ‬الآخرين،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تفرزه‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬شرور‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬الدنيوية‭ ‬الموسومة‭ ‬بالطمع‭ ‬والجشع؟‭!‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬مصالح‭ ‬‮«‬الشركات‭ ‬العولمية‮»‬‭ ‬بمختلف‭ ‬توجهاتها‭ ‬الرأسمالية‭ ‬أليست‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬والنفوذ‭ ‬والهيمنة،‭ ‬باعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬أقصى‭ ‬أمنياتها‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدت‭ ‬أطماعها‭ ‬وأجندتها‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬الإنسان‭ ‬والطبيعة‭ ‬والأرض‭ ‬وإفساد‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أطرها‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والدينية‭ ‬والأخلاقية؟‭!‬

{‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تعود‭ ‬فيه‭ ‬الأمنيات‭ ‬إلى‭ ‬حدودها‭ ‬العادية‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‭ ‬والمخاطر‭ ‬والكوارث،‭ (‬لتعلو‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قيمة‭ ‬الصحة‭ ‬والأمن‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬القوت‭)! ‬وتتقلص‭ ‬أمنيات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬مدنها‭ ‬إلى‭ ‬كوارث‭ ‬حقيقية‭ ‬وكبرى،‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬بكل‭ ‬جهد‭ ‬لإنقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذه‭ ‬من‭ ‬حياة‭! (‬فإنه‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬الأفراد‭ ‬ولا‭ ‬الجماعات‭ ‬ولا‭ ‬الدول‭ ‬تفقه‭ ‬فقه‭ ‬الحكمة‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬والحياة‭)! ‬أو‭ ‬تأخذ‭ ‬دروسًا‭ ‬من‭ ‬تعاليم‭ ‬الخالق‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬ووهب‭ ‬الحياة،‭ ‬لكي‭ ‬يعمرّ‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬لا‭ ‬لكي‭ ‬يدمر‭! ‬والتعمير‭ ‬ليس‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬البناء‭ ‬المادي‭ ‬والإسمنتي،‭ ‬بل‭ (‬التعمير‭ ‬الروحي‭ ‬والأخلاقي‭) ‬فبدونهما‭ ‬تتحوّل‭ ‬الأمنيات‭ ‬إلى‭ ‬عامل‭ ‬تدمير‭ ‬وأنانية‭ ‬وجشع،‭ ‬وما‭ ‬يتوّلد‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬شرور‭! ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬التعمير‭ ‬الروحي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والديني،‭ ‬ينتشر‭ ‬الإفساد‭ ‬والفساد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬الأرض‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم،‭ ‬إلاّ‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬ربيّ‭!‬

‮«‬حجر‭ ‬الأمنيات‮»‬‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬أسطورة،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬اليوم‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬الناس‭ ‬شعوبًا‭ ‬وقادة،‭ ‬ولكنه‭ ‬قد‭ ‬يتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬لعنة‭ ‬على‭ ‬صاحبه‭ ‬إن‭ ‬أساء‭ ‬استخدامه،‭ ‬وهو‭ ‬المطبّ‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬فيه‭ ‬الكثيرون،‭ ‬فيفقدون‭ ‬الأشياء‭ ‬الحقيقية‭ ‬والجوهرية‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يشعرون‭! (‬وما‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬إلاّ‭ ‬متاع‭ ‬الغرور‭).‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا