زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الخطأ بيِّن والصواب بيِّن (1)
من عادات أهل الغرب عند الاحتفال بأعياد ميلادهم أو رأس كل سنة جديدة اتخاذ قرارات مهمة مثل الإقلاع عن التدخين أو المسكرات، أو الزواج، أو الطلاق، أو إكمال دراسة انقطعت، أو القيام بمغامرة، مثلا زيارة حوض نهر الأمازون أو دارفور، وما أن ينتصف شهر نوفمبر حتى يبدأ العد التنازلي في صحف الغرب، لوداع عام واستقبال آخر جديد، فيتم حصر تركة العام الموشك على الانقضاء: ماذا تم إنجازه خلاله من اختراعات واكتشافات على مستوى الأوطان والمبدعين في كل مكان، وما هو الجديد المرتقب مع إطلالة عام جديد، وكم كيلوجراما فقدت كيم كارداشيان خلال شهرين (إذا كنت أبا أو أمّا فاسأل عيالك عن بنت آوى كارداشيان هذه، وإذا اكشفت أن أحدهم لديه معلومات كافية عنها فاحرمه من الميراث).
وتحفل الصحف الغربية بتقارير ومعلومات عن الجديد المرتقب في السنة الجديدة في مختلف المجالات، ولصحيفة التايمز اللندنية ملحق صحي أسبوعي بعنوان: «الصحة الطيبة»، وفي عدد لها في أواخر يوليو المنصرم، نشرت الصحيفة بضع نصائح تتعلق بالصحة العامة، وتحث القراء على معاهدة أنفسهم على اتباعها في عام 2024. ومعظمها يبدو بديهياً، ولكن المشكلة التي يعاني منها الكثيرون هي أننا نعرف بداهة أن هناك أشياء ضارة بالصحة ومع هذا نزاولها أو نتعاطاها، وأن هناك أشياء ضرورية للصحة والعافية ولكننا نتجاهلها.
لا يحتاج حتى الأمي إلى طبيب يقول له: إن التدخين ضار بالصحة، ومع هذا تجد ملايين المثقفين والمستنيرين وبينهم أطباء يدخنون ويستخدمون التبغ بديلاً للبخور. ونعرف أن المشي هو أبو جميع أنواع الرياضة، وهو متاح للغني والفقير والذكر والأنثى، وقد يضع بعضنا برنامجاً ثابتاً للمشي، ولكن نفس هؤلاء البعض غير مستعدين للمشي أكثر من عشرين خطوة بعد مغادرة سياراتهم، ويظلون يلفون ويدورون بسياراتهم إلى حين العثور على «موقف» قريب جداً من المكان الذين يودون الذهاب إليه، فهم غير مستعدين للمشي من السيارة إلى ذلك المكان، (رغم اقتناعهم بأن المشي مفيد للجسم) لأنه مشي خارج «برنامج الرياضة المحدد».
كنت يوماً ما أدخن نحو ستين سيجارة يومياً. ومن أحقر أنواع التبغ.. سجائر من النوع الذي يفرقع وينفجر في وجهك ربما لأنه يحوي قطعاً من الفحم أو الخشب القابل للاشتعال.. سجائر تنطفئ فتضطر إلى إشعالها عدة مرات لأن النار عجزت عن اختراق حجر صغير محشور بين ثنيات التبغ الرديء. وصار صدري يكركر مثل أكورديون قديم تعبث به الريح. ولجأت إلى الحيل المعتادة لمن يزعمون أنهم يرغبون في التوقف عن التدخين، بينما الواحد منهم في قرارة نفسه «متأكد» من أنه لو امتنع عن تعاطي التبغ فسيموت خلال يومين، فتكون الحيلة هي تقليل عدد السجائر اليومية.. أو تدخين نوع يقال إن محتواه من النيكوتين والمواد الأخرى السامة ضئيل.
أعطيت نفسي ترقية وصرت أدخن 40 من السجائر المستوردة قليلة الدسم، ولكن حتى الضحك صار يرهق صدري. فما العمل؟ كيف تستقيم الحياة بدون تبغ؟ لا شك في أنني سأرتكب جريمة لو أقلعت عن التدخين، أو على أقل تقدير سأطرد من العمل لأنني قد أقول رأيي الصريح في مديري المتغطرس وأنا «خلقي ضايق» بسبب التوقف عن التدخين. وبعد مناورات استغرقت سنوات، صحوت ذات صباح وكان عندي في البيت مائة سيجارة موزعة على خمس علب، فأمسكت بها وهرستها وألقيت بها في دورة المياه. كان ذلك قبل ثلاثين ونيف سنة، ولم أرتكب جريمة، ولم أمت بسبب الحرمان من التبغ، ولم أفقد وظيفتي. وقد يراني البعض ممسكاً بين الحين والآخر بسيجارة. الذنب ليس ذنبي بل ذنب قرناء السوء (وهذا كأن ترتكب معصية عامداً ثم تقول إن إبليس هو المسؤول عنها).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك