العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

«أشرف عامر» ورحيل القلوب الجميلة!

{‭ ‬تُقاس‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬وأثره‭ ‬بقيمة‭ ‬ما‭ ‬يملكه‭ ‬من‭ ‬نقاء‭ ‬قلب‭ ‬وجمال‭ ‬روح،‭ ‬ومن‭ ‬عرف‭ ‬الشاعر‭ ‬الإنسان‭ ‬‮«‬أشرف‭ ‬عامر‮»‬،‭ ‬عرف‭ ‬معنى‭ ‬النقاء‭ ‬والنبل‭ ‬والجمال‭ ‬الروحي‭ ‬الذي‭ ‬يُشع‭ ‬بالحياة،‭ ‬ويزخر‭ ‬بالدفء‭ ‬والحميمية‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬لحظة‭ ‬يلقاه‭! ‬تلك‭ ‬العفوية‭ ‬التي‭ ‬يُغدق‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حوله،‭ ‬حتى‭ ‬تخال‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القلب‭ ‬يسرح‭ ‬ويمرح،‭ ‬في‭ ‬طفولة‭ ‬أبدية‭ ‬لا‭ ‬تشيخ‭ ‬ولا‭ ‬تكبر‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭! ‬لكأن‭ ‬للحزن‭ ‬والأوجاع‭ ‬وآلام‭ ‬القلب‭ ‬فجوات‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬آخر،‭ ‬يقف‭ ‬هو‭ ‬متفرجًا‭ ‬عليها،‭ ‬رغم‭ ‬امتلائه‭ ‬بها‭!‬

{‭ ‬‮«‬أشرف‭ ‬عامر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬بدوره‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬الفناء‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬البقاء،‭ ‬أطلّ‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬ليكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬نبض‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬وحراكه‭ ‬الأدبي‭ ‬والثقافي،‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يغادر‭ ‬مصر‭ ‬أم‭ ‬الدنيا،‭ ‬فدلمون‭ ‬وأهلها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الفسحة‭ ‬الدفيئة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العروبة،‭ ‬فكان‭ ‬بين‭ ‬أدبائها‭ ‬وشعرائها‭ ‬وصحفييها‭ ‬أديبًا‭ ‬وشاعرًا‭ ‬وصحفيًّا‭ ‬‮«‬بحرينيًّا‮»‬‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬الصفحات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأضواء‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يبخل‭ ‬على‭ ‬أجوائها‭ ‬الثقافية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جزءًا‭ ‬أصيلاً‭ ‬فيها‭ ‬لسنوات‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬أسرة‭ ‬الأدباء‭ ‬أو‭ ‬الملتقيات‭ ‬الثقافية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬أشرف‮»‬‭ ‬يتم‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬باعتباره‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬احتوى‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬هموم‭ ‬البحرين‭ ‬وهواجسها‭ ‬وقضاياها،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬قبل‭ ‬مجيئه‭ ‬ثم‭ ‬عودته‭ ‬إليها،‭ ‬تاركًا‭ ‬خلفه‭ ‬ضباب‭ ‬المسافات‭ ‬والحدود،‭ ‬ليطلّ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الفواصل‭ ‬والفوارق‭ ‬الحدودية‭ ‬بضحكته‭ ‬الساخرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬قط‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭! ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬التقيته‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ (‬وكيلاً‭ ‬لوزارة‭ ‬الثقافة‭) ‬بقي‭ ‬كما‭ ‬هو‭.‬

{‭ ‬صديق‭ ‬العائلة‭ ‬والأدباء‭ ‬والمثقفين‭ ‬جميعًا،‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لإطلالة‭ ‬الروح‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬جماليات‭ ‬الصداقة‭ ‬والعِشرة‭ ‬والطيبة،‭ ‬فقلبه‭ ‬النبيل‭ ‬يحتفى‭ ‬بدهشة‭ ‬الطفل‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جميل،‭ ‬وفي‭ ‬قلبه‭ ‬شغف‭ ‬دائم‭ ‬لمعرفة‭ ‬الأرواح‭ ‬التي‭ ‬تماثل‭ ‬روحه‭ ‬بشفافيتها‭ ‬وروعتها‭ ‬وجمالياتها،‭ ‬حتى‭ ‬لتكاد‭ ‬تنسى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ (‬ثنائية‭ ‬أشرف‭ ‬وأمل‭ ‬‮«‬زوجته‮»‬‭) ‬دروب‭ ‬أي‭ ‬حزن‭! ‬لأنه‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يملأها‭ ‬بنكهة‭ ‬التعليقات‭ ‬الساخرة‭ ‬وقد‭ ‬دمجت‭ ‬عقل‭ ‬الفكر‭ ‬والفلسفة‭ ‬بدهشة‭ ‬وبراءة‭ ‬الطفل‭ ‬ونقائه،‭ ‬لتصدح‭ ‬الضحكات‭ ‬مرة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬حتى‭ ‬يتحوّل‭ ‬جرح‭ ‬القلب‭ (‬الذي‭ ‬فتحه‭ ‬جراحيًّا‭ ‬مرتين‭) ‬وكأنه‭ ‬جرح‭ ‬شخص‭ ‬آخر،‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬عصيان‭ ‬القلب‭ ‬الجميل‭ ‬على‭ ‬نزيفه‭! ‬فهو‭ ‬القلب‭ ‬الأجمل‭ ‬الذي‭ ‬ينتصر‭ ‬دائمًا‭ ‬لروعة‭ ‬الحياة،‭ ‬ويبحث‭ ‬في‭ ‬مسالكها‭ ‬بأجمل‭ ‬القصائد‭ ‬وترنيمات‭ ‬الروح‭ ‬العميقة‭ ‬ومسارب‭ ‬الدهشة،‭ ‬من‭ ‬تلونات‭ ‬البشر‭ ‬وتقلبات‭ ‬الزمن،‭ ‬فتعود‭ ‬الضحكة‭ ‬مجلجلة‭ ‬وكأنه‭ ‬يقول‭: (‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭! ‬فليحدث‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬فالحياة‭ ‬تبقى‭ ‬جميلة‭ ‬ما‭ ‬دمنا‭ ‬فيها‭)!‬

{‭ ‬كم‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فيك‭ ‬نبيلاً‭ ‬ورائعًا‭ ‬وجميلاً،‭ ‬وأنت‭ ‬تحتفي‭ ‬بترانيم‭ ‬النقاء‭ ‬في‭ ‬مقيدك،‭ ‬وبعشق‭ ‬ما‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬البعيد‭ ‬من‭ ‬ترحال‭ ‬الروح‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الحياة‭ ‬وبذهب‭ ‬القلب،‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬مشعًا‭ ‬بضوئه‭ ‬النادر،‭ ‬ليسلك‭ ‬طريقه‭ ‬في‭ ‬العتمة‭ ‬وكأن‭ ‬لا‭ ‬عتمة‭! ‬وفي‭ ‬الحزن‭ ‬وكأن‭ ‬لا‭ ‬حزن‭! ‬وفي‭ ‬تأمل‭ ‬الحال‭ ‬العربي‭ ‬والإنساني‭ ‬وكأن‭ ‬لا‭ ‬فجائع‭ ‬تحيطنا‭ ‬بقلائدها‭ ‬السوداء‭ ‬ودروب‭ ‬المستحيل‭! ‬وهي‭ ‬تحاول‭ ‬الدوس‭ ‬على‭ ‬طهارة‭ ‬وقدسية‭ ‬قلب‭ ‬عرف‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬معرفة‭ ‬قيمته،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬نقائه،‭ ‬مهما‭ ‬أراد‭ ‬السواد‭ ‬الطغيان‭ ‬عليه،‭ ‬فدائمًا‭ ‬يخرج‭ ‬منتصرًا،‭ ‬بهيًّا،‭ ‬لأن‭ ‬قلب‭ ‬الطفل‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬غير‭ ‬فتنة‭ ‬البهاء‭! ‬ويعرف‭ ‬جيدًا‭ ‬روح‭ ‬‮«‬أشرف‭ ‬عامر‮»‬‭!‬

{‭ ‬ها‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬أجمل‭ ‬الأصدقاء‭ ‬رحلت‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬رحل‭ ‬قبلك‭ ‬إليه‭ ‬قافلة‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭ ‬الجميلة،‭ ‬وكل‭ ‬يوم‭ ‬يلتحق‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سكنوا‭ ‬القلب‭ ‬بنقائهم‭ ‬وروعة‭ ‬آثارهم،‭ ‬ولمسة‭ ‬الشغف‭ ‬المقدس‭ ‬بالحياة‭ ‬حتى‭ ‬يعتقد‭ ‬من‭ ‬عرفك‭ ‬أنك‭ ‬عصّي‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭!‬

ولكن‭ ‬ها‭ ‬أنت‭ ‬ترحل‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬فجائي،‭ ‬ومن‭ ‬عرفك‭ ‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القلب‭ ‬لا‭ ‬يرحل‭: ‬هل‭ ‬يموت‭ ‬الجمال؟‭ ‬هل‭ ‬يرحل‭ ‬النقاء؟‭!‬

هل‭ ‬يفارق‭ ‬الطفل‭ ‬حضن‭ ‬أمه‭ ‬الحياة؟‭! ‬هل‭ ‬تغادر‭ ‬الزهرة‭ ‬رحيقها‭ ‬ورائحتها‭ ‬ولونها؟‭! ‬هل‭ ‬تخلو‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬ضحكة‭ ‬أشرف‭ ‬الساخرة،‭ ‬التي‭ ‬يُشهرها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬ألم‭ ‬ووجع‭ ‬وحزن؟‭!‬

هل‭ ‬تغيب‭ ‬الفراشة‭ ‬عن‭ ‬حديقة‭ ‬زهورها،‭ ‬ورائحة‭ ‬الشمس‭ ‬الدفيئة‭ ‬في‭ ‬مسامها؟‭!‬

عشت‭ ‬نموذجًا‭ ‬كسريان‭ ‬النهر‭ ‬في‭ ‬أوردة‭ ‬الأرض،‭ ‬وستبقى‭ ‬نموذجًا‭ ‬تشبه‭ ‬نفسك‭ ‬وتشبه‭ ‬أرواح‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬بهم‭ ‬وإن‭ ‬غابوا‭ ‬فيه‭!‬

رحمك‭ ‬الله‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته‭ ‬و«إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا