العدد : ١٦٨٣٩ - الثلاثاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٩ - الثلاثاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ شوّال ١٤٤٥هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

بين التحضر والانحدار

بصفتي‭ ‬معاصرا‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬الصحافة‭ ‬تقريبا‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬حياتي،‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬مازالت‭ ‬الأحداث‭ ‬تفاجئنا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأخبار‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة،‭ ‬ومن‭ ‬تصرفات‭ ‬غير‭ ‬لائقة،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬العاديين‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يدعون‭ ‬أنهم‭ ‬من‭ ‬أرباب‭ ‬الكلمة‭ ‬وممن‭ ‬يرتدون‭ ‬قبعات‭ ‬الفكر‭ ‬والالتزام‭ ‬بالبروتوكولات‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭.‬

في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬نشرت‭ ‬الجريدة‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬الأخبار‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المفرحة‭ ‬والرزينة‭ ‬والعاقلة،‭ ‬بشأن‭ ‬إعلان‭ ‬مجموعة‭ ‬النساء‭ ‬الفاضلات‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬مطير‭ ‬الكويتية‭ ‬إيقاف‭ ‬مظاهر‭ ‬البذخ‭ ‬المترف‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كالمَلكة‭ ‬والزواج‭ ‬وحفلات‭ ‬التخرج‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المناسبات،‭ ‬وهذه‭ ‬المبادرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إليها‭ ‬باهتمام‭ ‬يليق‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬الفاضلة‭ ‬المصرية‭ ‬هدى‭ ‬هانم‭ ‬شعراوي‭ ‬قبل‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬اليوم؛‭ ‬لأن‭ ‬التجديد‭ ‬والتغيير‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬العيش‭ ‬والسلوك‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬حياتي‭ ‬من‭ ‬دونه‭ ‬سنتخلف‭ ‬عن‭ ‬الركب‭ ‬الحضاري‭ ‬العالمي‭.‬

وكم‭ ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الفاضلات‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية‭ ‬أن‭ ‬يباركن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الكويتية‭ ‬كمبدأ‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭.‬

أقول‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬أمهاتنا‭ ‬وأخواتنا‭ ‬قادرات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفرضن‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬إصلاح‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الخاطئة،‭ ‬وهن‭ ‬بذلك‭ ‬سيحميننا‭ ‬من‭ ‬ألسنة‭ ‬الأعداء،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬نشرناه‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬أيضا‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬السير‭ ‬شيرارد‭ ‬كوبر‭ ‬كولز‭ ‬السفير‭ ‬البريطاني‭ ‬الأسبق‭ ‬لدى‭ ‬السعودية،‭ ‬الذي‭ ‬تطاول‭ ‬علينا‭ ‬بلسان‭ ‬من‭ ‬الشتائم‭ ‬والحقد،‭ ‬وأنكر‭ ‬إسهامات‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬العلوم‭ ‬خلال‭ ‬عهد‭ ‬الحضارتين‭ ‬الأموية‭ ‬والعباسية،‭ ‬متجاهلا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬أحد‭ ‬فلاسفة‭ ‬الإنجليز‭ ‬أنفسهم،‭ ‬الفيلسوف‭ ‬برتراند‭ ‬آرثر‭ ‬ويليام‭ ‬راسل‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬فلسفة‭ ‬الغرب‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬الرياضيات،‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إسهامات‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬وابن‭ ‬سينا‭ ‬والخوارزمي‭ ‬والفارابي‭ ‬والكندي‭ ‬لما‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الحضارة‭ ‬الإغريقية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الاندثار‭.‬

فللعرب‭ ‬فضل‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬حضارة‭ ‬الإغريق،‭ ‬بل‭ ‬أضافوا‭ ‬إليها،‭ ‬وجميعنا‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬العلمية‭ ‬بدأ‭ ‬أساسها‭ ‬بعد‭ ‬اليونان‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬الإسكندرية‭ ‬القديمة‭ ‬المعروفة‭ ‬بين‭ ‬المصريين‭ ‬والإغريق‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مركزا‭ ‬للعلوم‭ ‬والثقافة‭ ‬فإنه‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القلعة‭ ‬الفكرية‭ ‬العريقة‭ ‬أمر‭ ‬يوليوس‭ ‬قيصر‭ ‬بإحراق‭ ‬أعظم‭ ‬مكتبة‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬48‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭.‬

يا‭ ‬سيد‭ ‬شيرارد‭ ‬ألم‭ ‬تقرأ‭ ‬عن‭ ‬هذا؟‭! ‬هل‭ ‬تعلم‭ ‬بهذا‭!‬

أعتذر‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬الطويلة،‭ ‬ولكني‭ ‬أضعها‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬عباءة‭ ‬سلبيات‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬والانطلاق‭ ‬إلى‭ ‬فكر‭ ‬تنموي‭ ‬إنتاجي‭.‬

إننا‭ ‬في‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬نؤمن‭ ‬بقدرات‭ ‬المرأة،‭ ‬ونحترمها‭ ‬ونجلها‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬نصف‭ ‬المجتمع‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬المجتمع،‭ ‬وذلك‭ ‬اقتداء‭ ‬برسولنا‭ ‬الأكرم‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬‮«‬استوصوا‭ ‬بالنساء‭ ‬خيرا‮»‬‭.‬

وبناتنا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬أثبتن‭ ‬أنفسهن‭ ‬بكفاءة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات،‭ ‬العلمية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والتجارية،‭ ‬وأن‭ ‬يكن‭ ‬رائدات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البحرين‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭.‬

بعد‭ ‬يومين،‭ ‬نحتفل‭ ‬بالذكرى‭ ‬الثانية‭ ‬والعشرين‭ ‬لتأسيس‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بأعمال‭ ‬جبارة‭ ‬لتعزيز‭ ‬تمكين‭ ‬وتقدم‭ ‬النساء‭ ‬البحرينيات،‭ ‬ووفر‭ ‬لهن‭ ‬المنصة‭ ‬التي‭ ‬يقفن‭ ‬عليها‭ ‬بحيث‭ ‬صرن‭ ‬وزيرات‭ ‬وسفيرات‭ ‬ومديرات،‭ ‬واقتحمن‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬حتى‭ ‬قيادة‭ ‬الطائرات‭ ‬والسفن‭.‬

هذه‭ ‬التطورات‭ ‬أتت‭ ‬بفضل‭ ‬تفكير‭ ‬عميق‭ ‬لمؤسسي‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نقل‭ ‬الصورة‭ ‬النسائية‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬وفي‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

وبإلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬التركيبة‭ ‬العائلية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬غير‭ ‬العربية‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬وتد‭ ‬الخيمة‭ ‬في‭ ‬العائلة‭ ‬مع‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬عمود‭ ‬الخيمة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نجاح‭ ‬الأسرة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬القلب‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬أوردة‭ ‬أي‭ ‬أسرة‭ ‬بالود‭ ‬والحب‭ ‬الذي‭ ‬يعزز‭ ‬التآلف‭ ‬بين‭ ‬أفرادها‭.‬

ومما‭ ‬يميز‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬أن‭ ‬تكريم‭ ‬المرأة‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬لكنه‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬أول‭ ‬امرأة‭ ‬أصبحت‭ ‬رئيسة‭ ‬للوزراء‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬هي‭ ‬السيدة‭ ‬سيريمافو‭ ‬باندرانايكا‭ ‬في‭ ‬سريلانكا،‭ ‬وبعدها‭ ‬السيدة‭ ‬أنديرا‭ ‬غاندي،‭ ‬قبل‭ ‬هاتين‭ ‬الفاضلتين‭ ‬وحينها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أي‭ ‬امرأة‭ ‬غربية‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬في‭ ‬بلادها،‭ ‬وإلى‭ ‬اليوم‭ ‬مازالت‭ ‬الغربية‭ ‬مظلومة‭ ‬في‭ ‬معاشها‭ ‬ورزقها‭ ‬مقارنة‭ ‬بالرجال‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهن‭. ‬

المعين‭ ‬الفكري‭ ‬العربي،‭ ‬وإن‭ ‬أصابه‭ ‬بعض‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬مراحله،‭ ‬لكنه‭ ‬يبقى‭ ‬معينا‭ ‬ثريا‭ ‬بعطاءات‭ ‬أبنائه،‭ ‬وفي‭ ‬القلب‭ ‬منه‭ ‬نون‭ ‬النسوة‭ ‬القادرات‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬أي‭ ‬نهضة‭ ‬اجتماعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنشئة‭ ‬أجيال‭ ‬جديدة‭ ‬تدرك‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬الإسهام‭ ‬الحضاري،‭ ‬وكذا‭ ‬المشاركة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬لأوطاننا،‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الأمثلة‭ ‬الصالحة،‭ ‬وفي‭ ‬الحاضر‭ ‬النجاحات‭ ‬الحاضرة،‭ ‬وفي‭ ‬المستقبل‭ ‬الأمل‭ ‬المشرق‭.‬

 

 

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا