زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كثير النسيان ولست مخرِّفا (1)
قبل عامين أو ربما خمسة أو عشرة أعوام، غادرت مقر إقامتي في العاصمة القطرية الدوحة مع عائلتي في الإجازة الصيفية، وقبل التوجه إلى المطار قررت انني لن أكون بحاجة خلال الإجازة الى نحو الفي ريال كانت معي، وخبأتها في مكان أمين في البيت، في تقديري، وسافرنا وعدنا بالسلامة، وظلت تلك النقود مخبأة في نفس المكان الأمين، أعني انني فشلت في تذكر المكان الذي تركت فيه النقود، وظللت افرك رأسي وأقلب البيت فوق تحت عدة مرات بلا طائل ثم تخليت عن محاولات العثور عليها
تلك الثروة الطائلة التي كاد فقدانها أن يقودني إلى قسم الحالات الطائلة الذي تسمى «الطوارئ» في المستشفى، هي التي ألهمتني فكرة هذا المقال. فقبل أيام قليلة كنت أنقل كتبا قديمة من رفوف مكتبة كحيانة احتفظ بها في غرفة النوم (لأن وضع المكتبة في غرفة الضيوف يجعلها عرضة للسرقات من قبل الأصدقاء، من باب المعاملة بالمثل لأنني لص كتب محترف، ولكنني أمين، فأسرق عدة كتب من شخص أو عدة أشخاص، ولا يكتشفون الأمر عادة إلا عندما أعيدها). المهم انفتح كتاب وسقطت منها مئات الريالات القطرية. أي الألفي ريال التي قمت بتخزينها قبل سنوات، ونظرت اليها بحقد ثم قمت بتمزيقها الى قطع صغيرة وألقيت بها في سلة القمامة.. ستقول ان ابا الجعافر إما «مجنون رسمي»، أو صار غنيا ومفتريا يلعب بالفلوس،.. لا هذي ولا تلك، وكل ما هناك هو ان تلك النقود لم تعد متداولة بعد ان قامت السلطات القطرية بتغيير العملة الورقية قبل بضع سنوات، وانقضت المهلة المحددة لتغيير العملة القديمة
كثيرون يعانون من آفة نسيان الأمكنة التي تركوا فيها أشياء مثل المفاتيح والنظارات والموبايل وطقم الأسنان، وكان أبي رحمه الله يعاني من مشكلة عدم القدرة على تذكر الأسماء، ولم يكن ذلك ناتجا عن خَرَف، بل ومنذ طفولتي وكان هو عندها شابا انتبهت الى أنه ينادي عياله بـ«يا ولد/ يا بنت»، وينادي الآخرين «يا ابن العم ويا بنت العم وما الى ذلك»، وفي أحيان كثيرة كانت تضيع منه «يا ولد/ يا بنت» ويكتفي بـ«يااااا»، وإذا لم تتجاوب مع هذا النداء صاح فيك: انت أطرش؟
صارت آفة النسيان مصدر صداع يومي لي، ومشكلتي الكبرى هي النظارة، فلأنني أعاني من قصر النظر (أي العجز عن رؤية الأشياء البعيدة) فإنني أفضل النظر الى الأشياء القريبة جدا، بدون نظارات، وأن اقرأ المطبوعات بدون نظارات. ولكن كل شيء يقع على بعد مترين مني يصبح جزءا من درب التبانة، ولا بد من عدسات اصطناعية للنظر اليه. وهكذا اخلع نظارتي عدة مرات في اليوم ثم أنسى أين تركتها، وقد يستغرق مني العثور عليها عدة ساعات، وحدث أكثر من مرة أن غبت عن العمل لأنني لم أجد نظارتي. وما يجعل المشكلة أكثر تعقيدا هو أنني لا أستطيع البحث عن النظارة دون استخدام النظارة. وحاولت علاج هذه المشكلة باقتناء أكثر من نظارة ولكن المشكلة هي أنني لا أتذكر أين وضعت النظارات الاحتياطية.
مشكلة النسيان هذه جعلتني عرضة للتجريح والإساءات، فكلما فشلت زوجتي في العثور على شيء ما حملتني مسؤولية ضياعه: كروت المستشفى.. كونترول التلفزيون.. رقم تليفون عمتها.. والأنكى من كل ذلك هو أنه كل ما سألتها عن مكان شيء ما اتهمتني بالخرف والتخريف، وهي تهمة ظالمة لأنها تعتقد انه ليس من مسؤوليتها تذكر أي شيء، وتستخدمني كموبايل او كمبيوتر لتخزين المعلومات والأرقام.. وبصراحة فقد صرت أشك بالفعل في قواي العقلية واعتقد أنني أصبت بالخرف «المبكر» مما جعلني أجري بعض البحوث العلمية حول هذا الموضوع.
وغدا نواصل بحول الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك