العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤١ - الخميس ٠٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

السياسة الدولية الراهنة والزئبقية!

{‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التحولاّت‭ ‬والتغيرّات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تزايد‭ ‬أعداد‭ ‬الدول‭ ‬المتمردّة‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ (‬النظام‭ ‬الدولي‭) ‬تحت‭ ‬هيمنة‭ ‬الغرب‭ ‬كما‭ ‬هو‭! ‬فإن‭ ‬ظاهرة‭ ‬التمرّد‭ ‬والثورات‭ ‬الشعبية‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم،‭ ‬قد‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬حكومات‭ ‬الدول،‭ ‬وقد‭ ‬جفّ‭ ‬حبر‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬تفاصيل‭ ‬ثوراتها،‭ ‬مثلما‭ ‬انتقل‭ ‬الصوت‭ ‬من‭ ‬تظاهرات‭ ‬الشارع‭ ‬إلى‭ ‬احتجاجات‭ (‬السوشيال‭ ‬ميديا‭) ‬لتدخل‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مناهضة‭ ‬ذات‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم‭ ‬بثوبه‭ ‬الجديد‭ ‬وكأنها‭ ‬تقود‭ ‬بنفسها‭ ‬ثورات‭ ‬شعوبها‭ ‬السابقة‭ ‬ضد‭ ‬الغرب‭!‬

{‭ ‬حكومات‭ ‬إفريقية‭ ‬وآخرها‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬‮«‬النيجر‮»‬‭ ‬تنبئ‭ ‬بأن‭ ‬دولاً‭ ‬بدأت‭ ‬تأخذ‭ ‬خط‭ ‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬بعضها،‭ ‬لإنهاء‭ ‬ظاهرة‭ ‬الاستغلال‭ (‬الفرنسي‭ ‬والغربي‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬كل‭ ‬أوراقه،‭ ‬لإعادة‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭! ‬ليس‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وحدها،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬منها‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬أظهرت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬رؤية‭ ‬مختلفة‭ ‬لتحالفاتها‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬والقوى،‭ ‬بما‭ ‬يصبّ‭ ‬في‭ ‬مصالحها،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬مصالح‭ ‬الغرب‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السابق‭!‬

{‭ ‬التهديد‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحريك‭ (‬إيكواس‭) ‬الذي‭ ‬يضمّ‭ ‬حكومات‭ ‬إفريقية‭ ‬موالية‭ ‬للغرب‭ ‬رغم‭ ‬غضب‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬كافة،‭ ‬وتطلعها‭ ‬إلى‭ ‬التحرّر‭ ‬من‭ ‬القبضة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والغربية‭ ‬عمومًا،‭ ‬كان‭ ‬يتمّ‭ ‬تهيئتها‭ ‬للقيام‭ ‬بعمل‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ (‬النيجر‭)! ‬ولكنها‭ ‬تواجه‭ ‬ضغوطًا‭ ‬خارجية‭ ‬أو‭ ‬إقليمية‭ ‬للتهدئة‭ ‬وتخفيف‭ ‬نبرة‭ ‬العنف‭ ‬والتهديد،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬النيجر‭ ‬المخلوع‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬بازوم‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قيد‭ ‬الرهن‭ ‬وورقة‭ ‬ضغط‭ ‬للمساومة،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬الانقلاب‭ ‬عليه،‭ ‬ووفق‭ ‬إحصائية‭ ‬أخيرة،‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬‮«‬شعب‭ ‬النيجر‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الانقلاب‭! ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬الغرب‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬‮«‬النيجر‮»‬‭ ‬ويصرّ‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الرئيس‭ ‬المخلوع،‭ ‬ألأنه‭ ‬دمية‭ ‬للغرب‭ ‬ولتحقيق‭ ‬مصالحه‭ ‬ضدّ‭ ‬مصالح‭ ‬شعبه؟‭! ‬الغرب‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يواجه‭ ‬‮«‬النيجر‮»‬‭ ‬وحدها‭ ‬بل‭ (‬غامبيا‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬ومالي‭) ‬الذين‭ ‬أعلنوا‭ ‬الانحياز‭ ‬مع‭ ‬‮«‬النيجر‮»‬،‭ ‬ضدّ‭ ‬‮«‬الايكواس‮»‬،‭ ‬و«نيجيريا‮»‬‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬موجودة‭ ‬بثقل‭ ‬في‭ ‬‮«‬النيجر‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬فاغنر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دول‭ ‬إقليمية‭ ‬أخرى‭ ‬وإفريقية،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬خلع‭ ‬‮«‬العباءة‭ ‬الغربية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬الجزائر‮»‬‭ ‬كدولة‭ ‬إفريقية‭ ‬مؤخرًا‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح،‭ ‬وهي‭ ‬تعلن‭ ‬نيتها‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الصين‭! ‬وهذا‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬مؤشرات‭ ‬التمرّد‭ ‬والاستقطاب‭ ‬ضد‭ ‬العنجهية‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يجعل‭ ‬أي‭ ‬مواجهة‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬ستتخذّ‭ ‬إطار‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬بالوكالة‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬كما‭ ‬أكدّ‭ ‬خبير‭ ‬الشؤون‭ ‬الإفريقية‭ ‬اللواء‭ ‬المصري‭ (‬محمد‭ ‬عبدالواحد‭)! ‬ونوّه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬قد‭ ‬تتخلىّ‭ ‬عن‭ ‬حليفتها‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬‮«‬النيجر‮»‬،‭ ‬ولديها‭ ‬هناك‭ ‬1000‭ ‬جندي‭ ‬وقاعدتين‭ ‬جويتين‭ ‬وطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭! ‬فإن‭ ‬خسرت‭ ‬فذلك‭ ‬يعني‭ ‬ترك‭ ‬الفراغ‭ -‬كما‭ ‬ترى‭- ‬في‭ ‬النيجر،‭ ‬لتملأه‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬الصين‭!‬

{‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬الراهنة‭ ‬تأخذ‭ ‬تحورات‭ ‬الزئبق‭ ‬وتشكيلاته،‭ (‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬المسك‭ ‬بأي‭ ‬ملامح‭ ‬ثابتة‭ ‬لسياسة‭ ‬الدول،‭ ‬والمحيط‭ ‬الدولي‭ ‬يعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬نفسه‭ ‬وقواه‭ ‬المؤثرة‭)! ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفي‭ ‬آسيا‭ ‬وفي‭ ‬أوراسيا‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬فالجميع‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مصالحه،‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬التشكّل‭ ‬الجديد،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬كما‭ ‬يبدو،‭ ‬أصبح‭ ‬يعبأ‭ ‬بالإملاءات‭ ‬والضغوط‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬بدورها‭ ‬تمارس‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬سياساتها‭ ‬‮«‬الزئبقية‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬استفرادها‭ ‬واستغلالها‭ ‬للدول،‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬تميد‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬أقدامها‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬فإن‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بدورها‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬والسعودية‭ ‬تحديدًا،‭ ‬تدخل‭ ‬معترك‭ ‬التحديات‭ ‬وتشكلّ‭ ‬الأقطاب‭ ‬الجديدة،‭ ‬وترى‭ ‬أنها،‭ ‬أي‭ ‬منطقة الخليج‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬عامل‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬تحولات‭ ‬العالم‭! ‬وبحثه‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬والتنمية‭ ‬وترسيخ‭ ‬تلك‭ ‬العناوين،‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬تسعى‭ ‬بدورها‭ ‬لذلك،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منظمات‭ ‬دولية‭ ‬جديدة،‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ (‬التكامل‭ ‬الدولي‭) ‬وليس‭ ‬إخضاعه‭ ‬لهيمنة‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬يديره‭ ‬الغرب‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬خلال‭ ‬عدة‭ ‬قرون‭ ‬ماضية‭!‬

ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬التمهيد‭ ‬للانتقال‭ ‬من‭ ‬ضفة‭ ‬الخضوع‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي‭ ‬السابق‭ ‬إلى‭ ‬ضفة‭ ‬الاستقلالية،‭ ‬يدفع‭ ‬اليوم‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬‮«‬المتضررة‮»‬‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية،‭ ‬وليس‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬وحدها،‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬كل‭ ‬أوراقها‭ ‬وسياساتها‭ ‬وتحالفاتها،‭ ‬وفقًا‭ ‬لمصالحها‭ ‬وللمصلحة‭ ‬العالمية،‭ ‬التي‭ ‬بدورها‭ ‬تضررّت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ (‬سياسات‭ ‬الغرب‭ ‬الأحادية‭ ‬والاستغلالية‭) ‬وبها‭ ‬أخضعت‭ ‬العديد‭ ‬بل‭ ‬غالبية‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والأممية‭ ‬لمصالحها‭ ‬الغربية‭! ‬والضغط‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭! ‬على‭ ‬حساب‭ ‬شعوبها‭ ‬وثرواتها‭ ‬وسيادتها‭ ‬واستقلالها‭!‬

‭ ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬واقع‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬بدرجة‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭! ‬في‭ ‬اتباع‭ ‬ملمح‭ ‬‮«‬الزئبق‮»‬‭ ‬في‭ ‬سياساته،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مواقفه،‭ ‬حتى‭ ‬يستقر‭ ‬السطح‭ ‬العالمي،‭ ‬فتصبح‭ ‬السياسات‭ ‬أكثر‭ ‬ثباتا‭ ‬ووضوحا‭ ‬واستقرارًا‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬مخاض‭ ‬التحولات‭ ‬الجديدة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا