العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

كيف تخترق الأفكار المنحرفة المجتمعات؟!

{‭ ‬جميعاً‭ ‬ندرك‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭ ‬وتأثيره،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬فيها‭ ‬الإعلام‭ ‬والإعلان‭ ‬فضاءً‭ ‬مفتوحاً،‭ ‬لا‭ ‬قابلية‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭ ‬أن‭ ‬يصدّ‭ ‬تأثيراتها،‭ ‬لأنها‭ ‬تداخلت‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬وأنشطة‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬المعلومات‭! ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أصبحت‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬لتكنولوجيا‭ ‬التواصل‭ ‬والمعلوماتية،‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬إدارته‭ ‬بما‭ ‬تشاء،‭ ‬من‭ ‬ضخ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تريد،‭ ‬سواء‭ ‬معلومات‭ ‬أو‭ ‬أفكار‭ ‬أو‭ ‬سلوكيات‭ ‬أو‭ ‬قيم‭ ‬جعلت‭ ‬‮«‬الاستقطاب‭ ‬الفكري‮»‬‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬مجرد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬التأثير‭ ‬والاختراق‭ ‬بما‭ ‬تشاء‭ ‬وكيفما‭ ‬تشاء،‭ ‬وبسهولة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬العصور‭ ‬السابقة‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المفتوح‭ ‬والمتصل‭ ‬ببعضه،‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة،‭ ‬أصبح‭ ‬إذًا‭ ‬‮«‬الإعلام‭ ‬المفتوح‮»‬‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬الدول‭! ‬هدفه‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬الاستقطاب‭ ‬أو‭ ‬الاختراق،‭ ‬وإنما‭ ‬تغيير‭ ‬المجتمعات‭ ‬بمنظوماتها‭ ‬المتداخلة‭ ‬والمتماسكة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القيم‭ ‬والدين‭ ‬والهوية،‭ ‬لتصبح‭ ‬كلها‭ ‬مع‭ ‬قوة‭ ‬‮«‬الغزو‭ ‬الإعلامي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سيولة‭ ‬فكرية‭ ‬أو‭ ‬مفاهيمية‭! ‬أو‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬طينية‮»‬،‭ ‬يسهل‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيلها‭ ‬وملء‭ ‬الفراغات‭ ‬فيها‭!‬

هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينتخبه‭ ‬أحد،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬محاسبته‭! ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬وحش‭ ‬حرّ‮»‬،‭ ‬يمارس‭ ‬تأثيراته‭ ‬بكل‭ ‬حرية‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬عقاب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لتتحول‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ومواقعها‭ ‬وتطبيقاتها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬ساحة‭ ‬مفتوحة‮»‬‭ ‬تماماً‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬مرجعية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬تحكمها‭!‬

{‭ ‬لنأخذ‭ ‬مثالاً‭: ‬الأفكار‭ ‬المنحرفة‭ ‬والشاذة،‭ ‬لكي‭ ‬تشقّ‭ ‬طريقها‭ ‬‮«‬العالمي‮»‬،‭ ‬فإنها‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬بخطوات‭ ‬أولى‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬طويلة،‭ ‬وبقيت‭ ‬تتراكم،‭ ‬لتمتلئ‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬الإعلام‭ ‬الافتراضي‮»‬‭ ‬بها‭! ‬يتبعها‭ ‬تصوير‭ ‬وفيديو‭ ‬لفئات‭ ‬قليلة‭ ‬منحرفة،‭ ‬تنشر‭ ‬مناخاتها‭ ‬المنحرفة‭ ‬والشيطانية‭ ‬تلك‭ ‬على‭ ‬‮«‬الميديا‮»‬‭ ‬فيقلّد‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مجتمع،‭ ‬ثم‭ ‬تتزايد‭ ‬مع‭ ‬السنوات‭ ‬وتتضخم‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬التشبّع،‭ ‬فتنفجر‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬كطوفان‭ ‬يكتسح‭ ‬عقول‭ ‬الشباب‭! ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وفي‭ ‬المجال‭ ‬الفني‭ ‬من‭ ‬أغانٍ‭ ‬لمشاهير‭ ‬‮«‬منحرفين‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الحفلات‭ ‬ثم‭ ‬خلف‭ ‬الأبواب‭ ‬الموصدة‭ ‬والمفتوحة‭ ‬بشكل‭ ‬متصاعد‭ ‬لنظام‭ ‬التفاهة‭! ‬ثم‭ ‬يتحوّل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬انقسام‭ ‬مجتمعي‮»‬‭ ‬بين‭ ‬متساهل‭ ‬ومحذّر،‭ ‬وبين‭ ‬رافض‭ ‬ومشجّع‭! ‬وبعد‭ ‬هذا‭ ‬التضخّم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬توظيف‭ ‬‮«‬الإعلام‭ ‬المفتوح‮»‬‭ (‬توظيفاً‭ ‬اختراقيًّا‭) ‬تتقزّم‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وتصبح‭ ‬ظاهرة‭ ‬الأفكار‭ ‬المنحرفة‭ ‬وحدها‭ ‬سيدّة‭ ‬الساحة‭! ‬فالكل‭ ‬يتحاور‭ ‬فيها،‭ ‬والكل‭ ‬يطرح‭ ‬أسبابه‭ ‬لرفضها‭ ‬أو‭ ‬يبرر‭ ‬لقبولها،‭ ‬حتى‭ ‬تتحول‭ ‬الظاهرة‭ ‬إلى‭ ‬أمر‭ ‬واقع،‭ ‬تزداد‭ ‬وطأته‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬الإعلامي‭ ‬عليها،‭ ‬وتزايد‭ ‬عدد‭ ‬المنجرفين‭ ‬خلفها‭! ‬وتزداد‭ ‬أعداد‭ ‬الداخلين‭ ‬في‭ ‬‮«‬بوابة‭ ‬الانحراف‮»‬‭ ‬عبر‭ ‬التأثيرات‭ ‬المتواصلة،‭ ‬ولكأن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يشغل‭ ‬العالم‭ ‬والإنسان‭ ‬والفكر،‭ ‬إلا‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة،‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ (‬أفكار‭ ‬المنحرفين‭ ‬في‭ ‬الغرب‭)! ‬وقد‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ (‬مبدأ‭ ‬وفلسفة‭ ‬المتعة‭ ‬الغرائزية‭) ‬التي‭ ‬تعلو‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬منحرفة‭ ‬أو‭ ‬شاذة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬منطقية‭! ‬أو‭ ‬تخلّ‭ ‬بتكوين‭ ‬المجتمعات‭ ‬السليمة،‭ ‬أو‭ ‬تتسبّب‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬أخلاقية‭ ‬شائنة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬سابقاً‭! ‬وبهذا‭ ‬الطغيان‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬الإعداد‭ ‬له‭ ‬مسبقاً،‭ ‬بما‭ ‬سُمي‭ ‬‮«‬بالثورة‭ ‬الجنسية‮»‬‭ ‬في‭ ‬الغرب‭! ‬ثم‭ ‬بثورة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة،‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والتسليع‭ ‬واستباحة‭ ‬الجسد‭ ‬هو‭ ‬المؤشر‭ ‬على‭ ‬الرفاهية‭ ‬والتقدم‭! ‬ويتم‭ ‬تسليع‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه،‭ ‬ولكل‭ ‬شيء‭ ‬ثمنه‭! ‬ليصبح‭ ‬الاختراق‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬الطاغي،‭ ‬وتتراجع‭ ‬المفاهيم‭ ‬الدينية‭ ‬والمنطقية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭!‬

{ والمثال‭ ‬الجاهز‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬باربي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬ضجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬والعربية‭ ‬عرض‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم،‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬تجليات‭ ‬‮«‬الاختراق‭ ‬الفني‮»‬‭ ‬وبشكل‭ ‬ناعم‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الأفلام‭ ‬المماثلة‭! ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬بتحويل‭ ‬‮«‬دمية‮»‬‭ ‬محبوبة‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬أطفال‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إنسان‮»‬‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬نموذجه‭ ‬رسائل‭ ‬كثيرة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬التصوير‭ ‬ورسم‭ ‬الشخصيات‭ ‬والديكور،‭ ‬فإن‭ ‬الأفكار‭ ‬المنحرفة‭ ‬فيه‭ ‬كفيلم‭ ‬ناعم‭ ‬تغزو‭ ‬العقل‭ ‬الباطن‭ ‬للطفل،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬له‭ ‬مشجعون‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأمر‭ ‬عادي‮»‬‭!‬

بعد‭ ‬شهور‭ ‬أو‭ ‬سنوات،‭ ‬ورغم‭ ‬البث‭ ‬المتواصل‭ ‬للأفكار‭ ‬المنحرفة‭ ‬والشاذة‭ ‬على‭ ‬‮«‬النيتفلكس‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬كتبنا‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق،‭ ‬ستصبح‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬عادية‭ ‬وعرضها‭ ‬عادي،‭ ‬لأن‭ ‬الاختراق‭ ‬قد‭ ‬تكرّس‭ ‬كأمر‭ ‬واقع‭! ‬أمام‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬الناشئة‭ ‬أو‭ ‬الشباب،‭ ‬فهم‭ ‬مع‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬يسبحون‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬عميق‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬المختلطة،‭ ‬وأمواج‭ ‬الانحراف‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تتشكل‭ ‬لـ‭(‬تسونامي‭) ‬قادم‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا