العدد : ١٦٨٥٠ - السبت ١١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٠ - السبت ١١ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

تزامن عرض «أوبنهايمر» مع ذكرى هيروشيما ونجازاكي!

{‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬ومنذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬مركزها‭ (‬الوحشية‭ ‬الأمريكية‭)! ‬التي‭ ‬منذ‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬القنبلة‭ ‬الذرية‮»‬،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬هاري‭ ‬ترومان‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬قرر‭ ‬استخدامها‭ ‬ضد‭ ‬اليابان‭ ‬لإجبارها‭ ‬على‭ ‬الاستسلام‭ ‬في‭ ‬6‭/‬8‭/‬1945م،‭ ‬فإن‭ ‬الدموية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تتوقف،‭ ‬لتبني‭ ‬قوتها‭ ‬وسطوتها‭ ‬ونفوذها‭ ‬على‭ ‬جماجم‭ ‬الشعوب‭ ‬وسرقة‭ ‬ثرواتهم‭!‬

{‭ ‬واليوم‭ ‬تحل‭ ‬الذكرى‭ ‬الـ‮«‬78‮»‬‭ ‬لإلقاء‭ ‬قنبلة‭ ‬تم‭ ‬تسميتها‭ (‬ليتل‭ ‬بوي‭ ‬LITTLE‭ ‬BOY‭ ‬أي‭ ‬الولد‭ ‬الصغير‭) ‬وهو‭ ‬الولد‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ (‬66‭ ‬ألف‭ ‬إنسان‭) ‬وبعد‭ ‬أيام‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬9‭/‬8‭ ‬تم‭ ‬إلقاء‭ ‬قنبلة‭ ‬ذرية‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ (‬نجازاكي‭) ‬وقتلت‭ ‬أعداداً‭ ‬أكبر‭! ‬وتم‭ ‬تسميتها‭ ‬FAT BOY‭) ‬أو‭ ‬الولد‭ ‬البدين‭) ‬باعتبار‭ ‬أنه‭ ‬سيسبب‭ ‬ضحايا‭ ‬أكثر‭! ‬ولا‭ ‬ندري‭ ‬من‭ ‬يختار‭ ‬تلك‭ ‬التسميات،‭ ‬كعناوين‭ ‬لأعمال‭ ‬إبادة‭ ‬وجرائم‭ ‬حرب‭ ‬بدم‭ ‬بارد‭! ‬وحيث‭ ‬التسميات‭ ‬التي‭ ‬اعتاد‭ ‬الأمريكيون‭ ‬إطلاقها‭ ‬على‭ ‬جرائمهم‭ ‬العسكرية،‭ ‬تتوسل‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الجريمة،‭ ‬حين‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬إعلامياً،‭ ‬فلا‭ ‬توصف‭ ‬بما‭ ‬تستحقه‭ ‬من‭ ‬وصف‭ ‬قاسٍ‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬قسوة‭ ‬ووحشية‭ ‬الجرائم‭ ‬المرتكبة‭!‬

{‭ ‬تلك‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ (‬فعل‭ ‬الوحشية‭ ‬والإبادة‭) ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬وتأسست‭ ‬منذ‭ ‬إبادة‭ ‬‮«‬الهنود‭ ‬الحمر‮»‬‭! ‬يبدو‭ ‬أنها‭ (‬ذهنية‭ ‬أمريكية‭) ‬معتادة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬والبشر‭! ‬ولا‭ ‬يهم‭ ‬ما‭ ‬تخلّفه‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬الذهنية‭ ‬الإجرامية‮»‬‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬إن‭ ‬كانوا‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف،‭ ‬أو‭ ‬ملايين،‭ ‬ولا‭ ‬تشرّد‭ ‬الشعوب‭! ‬ولا‭ ‬عدد‭ ‬المصابين‭ ‬بالأمراض‭ ‬الخطيرة‭ ‬والإعاقات‭ ‬والتشوهات‭ ‬والأمراض،‭ ‬جراء‭ ‬الاستخدام‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭ ‬والمحرّم‭ ‬دوليًّا‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفتاكة‭ ‬والأسلحة‭ ‬البيولوجية‭ ‬والفيروسيات‭ ‬ولا‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬الفتك‭ ‬والتجارب‭! ‬لنتذكر‭ ‬دائماً‭ ‬‮«‬الوحشية‭ ‬المطلقة‮»‬،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نذكّر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬قنبلة‭ ‬أمريكا‭ ‬الذرية‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬هيروشيما‮»‬‭ ‬أطلقت‭ ‬أكبر‭ ‬مقدار‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ (‬4000‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭) ‬حولّت‭ ‬المدينة‭ ‬إلى‭ ‬أنقاض،‭ ‬وصهرت‭ ‬البشر‭ ‬والحجر‭! ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كررت‭ ‬ذات‭ ‬التجربة‭ ‬بقنبلة‭ ‬أخرى‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬نجازاكي‭! ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تعمدا‭ ‬رغم‭ ‬معرفة‭ ‬الآثار‭ ‬الكارثية‭ ‬واللاإنسانية،‭ ‬في‭ ‬تكرار‭ ‬ذات‭ ‬الفعل‭ ‬لمجرد‭ ‬تحقيق‭ ‬تفوقها‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬وجعله‭ ‬يستسلم‭ ‬والغاية‭ ‬تبرر‭ ‬الوسيلة،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬إجرامية‭!‬

{‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تكررت‭ ‬الجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان،‭ ‬وقائمة‭ ‬الدول‭ ‬تطول،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬فيتنام‭ ‬والعراق‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬القارات،‭ ‬ليبقى‭ ‬العار‭ ‬يلاحق‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬العالم،‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬اكتراثها‭ ‬بذلك‭! ‬لأن‭ ‬المعايير‭ ‬والقيم‭ ‬والمبادئ،‭ ‬سقطت‭ ‬أو‭ ‬أسقطتها‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭!‬

{‭ ‬وكانت‭ ‬المفارقة‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬فيلم‭ (‬أوبنهايمر‭) ‬تزامناً‭ ‬مع‭ ‬ذكرى‭ ‬إسقاط‭ ‬‮«‬قنبلة‮»‬‭ ‬على‭ ‬هيروشيما‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬نجازاكي‭! ‬ولكأن‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اعتباره‭ ‬الأضخم‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬السينما‭ ‬الهوليودية‭! ‬لأنها‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬شخصية‭ (‬أوبنهايمر‭) ‬أو‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬غيّر‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬مؤداه‭ ‬التفاخر‭ ‬وليس‭ ‬الإحساس‭ ‬بالذنب‭ ‬أو‭ ‬الندم‭! ‬ولكأن‭ ‬رسالة‭ ‬الفيلم،‭ ‬الذي‭ ‬سنقف‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬آخر،‭ ‬كانت‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تفخر‭ ‬بإنجازها‭ ‬‮«‬النووي‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية،‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬الأخيرة‭! ‬وباستسلام‭ ‬‮«‬اليابان‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬تسلمت‭ ‬أمريكا‭ ‬راية‭ ‬‮«‬السيطرة‭ ‬الاستعمارية‮»‬‭ ‬من‭ ‬بريطانيا،‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬قبلها‭ ‬أكبر‭ ‬إمبراطورية‭ ‬استعمارية‭ ‬في‭ ‬العالم‭!‬

‭  ‬{‭ ‬هل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬اعتذرت‭ ‬عما‭ ‬فعلته‭ ‬في‭ ‬هيروشيما‭ ‬ونجازاكي؟‭! ‬الجواب‭ ‬لا‭! ‬هل‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬الأنانية‭ ‬عبر‭ ‬القوة‭ ‬والأسلحة‭ ‬والطرق‭ ‬غير‭ ‬المشروعة؟‭! ‬الجواب‭ ‬لا‭!‬

هل‭ ‬لديها‭ ‬أي‭ ‬شعور‭ ‬بالندم‭ ‬باعتبارها‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬إرهاب‭ ‬في‭ ‬العالم؟‭! ‬الجواب‭ ‬أيضاً‭ ‬لا‭! ‬هل‭ ‬تمت‭ ‬محاسبتها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي؟‭! ‬أيضاً‭ ‬لا‭! ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تعمل‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬إفناء‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استفزاز‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬وتدرك‭ ‬أن‭ ‬استفزازاتها‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬وعالمية‭ ‬ثالثة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تتصرف‭ ‬بذات‭ ‬الذهنية‭ ‬واللامبالاة‭!‬

إنها‭ ‬تسجل‭ ‬نفسها‭ ‬كدولة‭ ‬في‭ ‬سجّل‭ ‬أكثر‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وحشية‭ ‬وإجراماً،‭ ‬منذ‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬الأول‭! ‬والغريب‭ ‬أنها‭ ‬تتحدث‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بلسان‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهي‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬انتهاكاً‭ ‬لتلك‭ ‬الحقوق‭! ‬وتتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الحريات،‭ ‬وهي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬داس‭ ‬على‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بتحقيق‭ ‬أجنداتها‭ ‬الموصوفة‭ ‬عادة‭ ‬بالشريرة‭! ‬بل‭ ‬وبإظهار‭ ‬فيلم‭ (‬أوبنهايمر‭) ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬لا‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬محتواه‭ ‬وتوظيف‭ (‬الفيزيائيين‭) ‬لأعمالها‭ ‬الشريرة،‭ ‬بل‭ ‬تسرد‭ ‬الأمر‭ ‬كواقعة‭ ‬أو‭ ‬وقائع‭ ‬تاريخية،‭ ‬أسهمت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬فناء‭ ‬البشرية‭! ‬هل‭ ‬نقول‭ ‬يا‭ ‬للعار‭ ‬أم‭ ‬نصدّق‭ ‬أمريكا‭ ‬وهي‭ ‬توصل‭ ‬رسالتها‭ ‬إلينا‭: ‬يا‭ ‬للفخر‭! ‬هل‭ ‬من‭ ‬ميلودراما‭ ‬أو‭ ‬كوميديا‭ ‬سوداء،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭! ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬جرائمها‭ ‬مستمرة‭ ‬وكأنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬عملاً‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬القيام‭ ‬بالشرّ‭! ‬إنها‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬واستخدمت‭ ‬‮«‬القنبلة‭ ‬النووية‮»‬‭ ‬لتغيير‭ ‬وجه‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭! ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تصنع‭ ‬كل‭ ‬الموبقات‭ ‬لتغيير‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬وسياسيًّا‭ ‬وإنسانيًّا‭ ‬وأخلاقيًّا‭ ‬نحو‭ ‬الأسوأ‭! ‬بل‭ ‬وتتباهى‭ ‬افتخاراً‭ ‬بكل‭ ‬جرائمها‭ ‬وشرورها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا