عالم يتغير
فوزية رشيد
إفريقيا الحرّة... متى؟
{ في القمة الروسية – الإفريقية، التي انتهت الأسبوع الماضي، حفلت بالكثير من الاتفاقيات والخطابات المهمة والجريئة، أهمها ما قاله «بوتين» حول «نهاية الهيمنة الأمريكية» ودعا إلى خلاص الدول الإفريقية، والتوافق بين روسيا وإفريقيا، والتوافق الدولي على أسس جديدة! والتعامل بالعملات المحلية، والتخلّي عن الدولار! مقدمًا العديد من المزايا للدول الإفريقية، بما فيها المساعدات في الحصول على الوقود النووي «سلميا»! بعد أن أسقطت روسيا المليارات من الديون عن الدول الإفريقية! وقدمّت مزايا للجزائر ولمصر، وللاتحاد الإفريقي – الأوراسي عمومًا، وتحدث عن الزعماء الأفارقة الذين واجهوا «الاستعمار الغربي»! وبعضهم دفع حياته ثمنًا لنضاله الوطني، وهؤلاء يجب تذكرهم دائمًا! وذكر العديد منهم بالاسم مثل (باتريس لومومبا، جمال عبدالناصر، نيلسون مانديلا، أحمد بن بلّه، عمر المختار، كوامي نكروما، سامورا ماشيل، ليوبولد سنغور، وغيرهم كثير)! هؤلاء كانوا نماذج للتحرّر في إفريقيا وفي العالم، وعلى الدول الإفريقية ألا تنساهم أبدًا!
{ الكلمة اللافتة الأخرى هي تلك التي ألقاها (إبراهيم تراوري) رئيس جمهورية «بوركينا فاسو» الذي قال: «يجب علينا كرؤساء دول إفريقيا التوقف عن التصرف كدمى راقصة تحركهّا خيوط الإمبريالية»! ذاكرًا ذلك في معرض حديثه حول التاريخ الطويل لاستغلال الغرب الاستعماري ثروات إفريقيا، التي لا تزال تعيش حالة الفقر رغم غناها في الموارد الطبيعية والمعادن والأرض الخصبة! بدا صوته وكأنه ينتمي إلى صوت زعماء الستينيات وزمن «التحرر الوطني» الذي اشتعل في كل دول العالم النامي، ودفعت الشعوب أثمانًا باهظة من السلوكيات الاستعمارية التي مارستها دول الغرب وأمريكا في إفريقيا وغيرها وقامت بالثورات ضد الاستعمار!
{ ومثل هذا «الصوت التحررّي» يبدو أنه يرتفع شيئًا فشيئًا في إفريقيا، مع التغيرات والتحولات الدولية الراهنة! وحيث ذاكرة الهيمنة الغربية عليها مليئة بالتفاصيل المؤلمة، التي جعلت من إفريقيا الغنية في أغلبها تعتبر من أفقر الدول في العالم، كما قال «إبراهيم تراوري» إلى جانب أجندات الإخضاع عبر الاستغلال البشع للعمالة الإفريقية، في مناجم التعدين المنتشرة وأهمها الذهب والألماس وغيرها، وحيث ما يقارب الـ95% من تلك الثروات تذهب إلى الدول الغربية كأمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، في نمط قاسٍ من استحلاب الثروات الإفريقية! ومن مخططات الغرب الذي مارس إفقار الشعوب الإفريقية، وبث الصراعات والحروب بين الدول الإفريقية، وترسيم الحدود بأساليب تؤكد مصالح ونفوذ هذه الدولة الغربية الاستعمارية أو تلك! إلى جانب جعل الشعوب في إفريقيا حقل تجارب للأدوية الفاسدة واللقاحات التي نشرت الفيروسات والأمراض مثل «الإيدز والإيبولا» وغيرهما بهدف القضاء على تلك الشعوب!
{ إن صحوة إفريقيا، التي قد تتوالى كالانقلاب الذي حدث في (النيجر) وتحرك دول إفريقية أخرى ضد النفوذ الأمريكي والفرنسي، جعل الدولتين الاستعماريتين، وفي حقل التنافس مع النفوذ المتزايد لكل من الصين وروسيا، أن يجعل الغرب من أسلوبه القديم، هو الأسلوب الجديد، الذي يتحقق من خلال (تدوير الصراعات) بين دول حليفة للغرب الاستعماري، وأخرى تعمل على التحرر من هذا الغرب، الذي يحفل تاريخه مع إفريقيا بالكثير من المآسي والاستغلال البشع!
لن يتركوا (النيجر) نموذجًا للانقلاب على النفوذ الغربي! ومثلما فعلوا مع «القذافي» الذي كان أحد أهم أسباب اغتياله و«الثورة الملوّنة» ضدّه، تفكيره في استقلال إفريقيا، وفي سك (عملة إفريقية ذهبية) معيارها الذهب وليس الورق كما الدولار!
{ لو تحررّت إفريقيا من قبضة الاستغلال لمواردها الطبيعية والمعادن وغنى الأرض، لأصبحت من أغنى القارات! ولكن التحرّر يحتاج إلى معايير موضوعية أهمها (الإرادة الإفريقية الذاتية)، ووحدة الرؤى الإفريقية، واستغلال فرصة التغيرات الدولية، ليعود الغرب إلى خانة الدول التي (لا تبني ثرواتها ورفاهيتها من سرقة ثروات الشعوب الأخرى)! وهذا في حدّ ذاته ما يرفع الصوت في الكثير من القارات التي تم استعمار الدول فيها، لتعمّ الأحقية لكل بلد في ثرواته ورفاهيته، ولتعمّ العدالة القائمة على علاقات ومصالح دولية متوازنة! وهو ما يعني نهاية الهيمنة الغربية وإمبرياليتها على العالم! هل نرى في المستقبل إفريقيا حرّة كما حلم زعماء أفارقة كثيرون ذكر «بوتين» بعضهم؟! أم سنرى شراسة غربية في تحويل إفريقيا إلى بؤرة صراعات وحروب جديدة بين دولها، تضع فيها القارة على مرجل من نار ليستمر نفوذها، واستغلالها للأرض الإفريقية، كما تفعل في الكثير من دول العالم وفي إفريقيا نفسها حتى اليوم؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك