العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥١ - الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٤ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

إفريقيا الحرّة... متى؟

{‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬الروسية‭ ‬‭ ‬الإفريقية،‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬حفلت‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬والخطابات‭ ‬المهمة‭ ‬والجريئة،‭ ‬أهمها‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬‭ ‬حول‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‮»‬‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬خلاص‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬والتوافق‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬والتوافق‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة‭! ‬والتعامل‭ ‬بالعملات‭ ‬المحلية،‭ ‬والتخلّي‭ ‬عن‭ ‬الدولار‭! ‬مقدمًا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المزايا‭ ‬للدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المساعدات‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الوقود‭ ‬النووي‭ ‬‮«‬سلميا‮»‬‭! ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أسقطت‭ ‬روسيا‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭! ‬وقدمّت‭ ‬مزايا‭ ‬للجزائر‭ ‬ولمصر،‭ ‬وللاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬‭ ‬الأوراسي‭ ‬عمومًا،‭ ‬وتحدث‭ ‬عن‭ ‬الزعماء‭ ‬الأفارقة‭ ‬الذين‭ ‬واجهوا‭ ‬‮«‬الاستعمار‭ ‬الغربي‮»‬‭! ‬وبعضهم‭ ‬دفع‭ ‬حياته‭ ‬ثمنًا‭ ‬لنضاله‭ ‬الوطني،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬يجب‭ ‬تذكرهم‭ ‬دائمًا‭! ‬وذكر‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬بالاسم‭ ‬مثل‭ (‬باتريس‭ ‬لومومبا،‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا،‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬بلّه،‭ ‬عمر‭ ‬المختار،‭ ‬كوامي‭ ‬نكروما،‭ ‬سامورا‭ ‬ماشيل،‭ ‬ليوبولد‭ ‬سنغور،‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثير‭)! ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬نماذج‭ ‬للتحرّر‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وفي‭ ‬العالم،‭ ‬وعلى‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬ألا‭ ‬تنساهم‭ ‬أبدًا‭!‬

{‭ ‬الكلمة‭ ‬اللافتة‭ ‬الأخرى‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ (‬إبراهيم‭ ‬تراوري‭) ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬‮«‬بوركينا‭ ‬فاسو‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قال‭: ‬‮«‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬كرؤساء‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬التصرف‭ ‬كدمى‭ ‬راقصة‭ ‬تحركهّا‭ ‬خيوط‭ ‬الإمبريالية‮»‬‭! ‬ذاكرًا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬حديثه‭ ‬حول‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل‭ ‬لاستغلال‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬ثروات‭ ‬إفريقيا،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعيش‭ ‬حالة‭ ‬الفقر‭ ‬رغم‭ ‬غناها‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمعادن‭ ‬والأرض‭ ‬الخصبة‭! ‬بدا‭ ‬صوته‭ ‬وكأنه‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬زعماء‭ ‬الستينيات‭ ‬وزمن‭ ‬‮«‬التحرر‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اشتعل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬النامي،‭ ‬ودفعت‭ ‬الشعوب‭ ‬أثمانًا‭ ‬باهظة‭ ‬من‭ ‬السلوكيات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬وأمريكا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وغيرها‭ ‬وقامت‭ ‬بالثورات‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭!‬

{‭ ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الصوت‭ ‬التحررّي‮»‬‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يرتفع‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬والتحولات‭ ‬الدولية‭ ‬الراهنة‭! ‬وحيث‭ ‬ذاكرة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬عليها‭ ‬مليئة‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬المؤلمة،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬إفريقيا‭ ‬الغنية‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أفقر‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬‮«‬إبراهيم‭ ‬تراوري‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أجندات‭ ‬الإخضاع‭ ‬عبر‭ ‬الاستغلال‭ ‬البشع‭ ‬للعمالة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬في‭ ‬مناجم‭ ‬التعدين‭ ‬المنتشرة‭ ‬وأهمها‭ ‬الذهب‭ ‬والألماس‭ ‬وغيرها،‭ ‬وحيث‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ95%‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الثروات‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬كأمريكا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬قاسٍ‭ ‬من‭ ‬استحلاب‭ ‬الثروات‭ ‬الإفريقية‭! ‬ومن‭ ‬مخططات‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬مارس‭ ‬إفقار‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وبث‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬بأساليب‭ ‬تؤكد‭ ‬مصالح‭ ‬ونفوذ‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الغربية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬جعل‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬حقل‭ ‬تجارب‭ ‬للأدوية‭ ‬الفاسدة‭ ‬واللقاحات‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬الفيروسات‭ ‬والأمراض‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الإيدز‭ ‬والإيبولا‮»‬‭ ‬وغيرهما‭ ‬بهدف‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬صحوة‭ ‬إفريقيا،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تتوالى‭ ‬كالانقلاب‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ (‬النيجر‭) ‬وتحرك‭ ‬دول‭ ‬إفريقية‭ ‬أخرى‭ ‬ضد‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬والفرنسي،‭ ‬جعل‭ ‬الدولتين‭ ‬الاستعماريتين،‭ ‬وفي‭ ‬حقل‭ ‬التنافس‭ ‬مع‭ ‬النفوذ‭ ‬المتزايد‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬أسلوبه‭ ‬القديم،‭ ‬هو‭ ‬الأسلوب‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬يتحقق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ (‬تدوير‭ ‬الصراعات‭) ‬بين‭ ‬دول‭ ‬حليفة‭ ‬للغرب‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وأخرى‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الغرب،‭ ‬الذي‭ ‬يحفل‭ ‬تاريخه‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المآسي‭ ‬والاستغلال‭ ‬البشع‭!‬

لن‭ ‬يتركوا‭ (‬النيجر‭) ‬نموذجًا‭ ‬للانقلاب‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬الغربي‭! ‬ومثلما‭ ‬فعلوا‭ ‬مع‭ ‬‮«‬القذافي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬اغتياله‭ ‬و«الثورة‭ ‬الملوّنة‮»‬‭ ‬ضدّه،‭ ‬تفكيره‭ ‬في‭ ‬استقلال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وفي‭ ‬سك‭ (‬عملة‭ ‬إفريقية‭ ‬ذهبية‭) ‬معيارها‭ ‬الذهب‭ ‬وليس‭ ‬الورق‭ ‬كما‭ ‬الدولار‭!‬

{‭ ‬لو‭ ‬تحررّت‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬الاستغلال‭ ‬لمواردها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمعادن‭ ‬وغنى‭ ‬الأرض،‭ ‬لأصبحت‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬القارات‭! ‬ولكن‭ ‬التحرّر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬معايير‭ ‬موضوعية‭ ‬أهمها‭ (‬الإرادة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الذاتية‭)‬،‭ ‬ووحدة‭ ‬الرؤى‭ ‬الإفريقية،‭ ‬واستغلال‭ ‬فرصة‭ ‬التغيرات‭ ‬الدولية،‭ ‬ليعود‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬خانة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ (‬لا‭ ‬تبني‭ ‬ثرواتها‭ ‬ورفاهيتها‭ ‬من‭ ‬سرقة‭ ‬ثروات‭ ‬الشعوب‭ ‬الأخرى‭)! ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاته‭ ‬ما‭ ‬يرفع‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القارات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬استعمار‭ ‬الدول‭ ‬فيها،‭ ‬لتعمّ‭ ‬الأحقية‭ ‬لكل‭ ‬بلد‭ ‬في‭ ‬ثرواته‭ ‬ورفاهيته،‭ ‬ولتعمّ‭ ‬العدالة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬ومصالح‭ ‬دولية‭ ‬متوازنة‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬نهاية‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬وإمبرياليتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭! ‬هل‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬إفريقيا‭ ‬حرّة‭ ‬كما‭ ‬حلم‭ ‬زعماء‭ ‬أفارقة‭ ‬كثيرون‭ ‬ذكر‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬‭ ‬بعضهم؟‭! ‬أم‭ ‬سنرى‭ ‬شراسة‭ ‬غربية‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬إفريقيا‭ ‬إلى‭ ‬بؤرة‭ ‬صراعات‭ ‬وحروب‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬دولها،‭ ‬تضع‭ ‬فيها‭ ‬القارة‭ ‬على‭ ‬مرجل‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬ليستمر‭ ‬نفوذها،‭ ‬واستغلالها‭ ‬للأرض‭ ‬الإفريقية،‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬إفريقيا‭ ‬نفسها‭ ‬حتى‭ ‬اليوم؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا