الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
تاريخ البحرين.. أمانة ومسؤولية
أخطر مهمة في الأوطان، وأهم وظيفة في المجتمعات.. هي المعلومات والتاريخ، وطريقة إيصالها إلى الناس، وحفظها للأجيال.. من خلال منهجية علمية، موضوعية موثوقة، ذات أمانة ومصداقية ورصانة، من دون تدليس وتزوير، ولا مغالطات.
تاريخ مملكة البحرين، بعراقته وحقائقه، ليس مجالا لممارسة أي خرق أو تزوير فيه، وليس مدعاة للتكسب، أو إنشاء تاريخ جديد له، يستند على توجهات حزبية، وأهواء شخصية، وانتماءات وأيديولوجيات سياسية.. هذا تزييف فاضح للتاريخ، وتجاوز واضح لحق الوطن، وحق الأجيال.
وحسنا فعلت المكتبة البحرينية، التي سارعت (بسحب الكتاب المسمى «قلائد النحرين في تاريخ البحرين» للمدعو ناصر جوهر مبارك الخيري، الذي لم يعد في يوم من الأيام وثيقة تاريخية، وشابه الكثير من الروايات والسرديات المشكوك فيها، ولا يجب أن يعتد به كمرجع تاريخي وكمصدر موثوق به، لأنه لا يعدو أن يكون محاولة فردية وغير رصينة، شابته الأهواء الفردية والآراء الشخصية، ولم يخضع لأي مراجعة بحثية، ولا يعتد به كمستند تاريخي).
وقد بحثت عن ذلك الكاتب، المدعو «ناصر خيري»، ووجدت أنه قد عمل مع المعتمد السياسي البريطاني في البحرين «الميجر ديلي»، الذي نُقل إليها من العراق، وكما هو معلوم أن «ديلي» كانت عليه العديد من التجاوزات في العراق، وثقها الدكتور «علي الوردي» عالم الاجتماع والمؤرخ العراقي، في القسم الأول من الجزء الخامس من كتابه المعنون بـ«لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث».. حيث أكد تلك التجاوزات، وضرب عددا من الأمثلة عليها، بل نقل أحد الآراء التي نصت بأن أحد المعاصرين «لديلي» قد ذكر بأن «فضاضته» أحد أسباب اندلاع ثورة العشرين في العراق.. واختتم تلك الأمثلة بالنص الآتي: «ومن الجدير بالذكر أن (الميجر ديلي) نُقل بعد انتهاء الثورة إلى البحرين، ولكن لم يترك عادته القديمة، حيث صار يعامل الناس هناك بمثل ما كان يعاملهم في العراق».
واضح جدا، وحتى لا تتكرر تلك المسألة في إصدار كتب تعمد إلى التزييف، وتستند على المواقف المسبقة، وتسعى لطمس الحقائق، وتزوير الوقائع، أن تباشر الجهات المختصة في عدم السماح لأي كتاب أو دورية، وحتى مجلة، من دون أن تتم مراجعتها من المراكز المختصة والمعتمدة، والسماح لطرحها في الأسواق، وبيعها ونشرها.
ولنا في مركز الأرشيف الوطني، الصادر وفق المرسوم رقم (69) لسنة 2022 الذي يهدف إلى تجميع الوثائق والمحفوظات العامة والتاريخية، التي تختصُّ بتاريخ مملكة البحرين، وإبراز قيمتها التاريخية والإشراف على حِفْظِها وأرشَفَتِها، وفقاً للأصول العلمية في الأرشَفة، والعمل على تنظيم تداوُلها للباحثين، وغيرهم من الراغبين في الاستفادة منها.. خير مرجعية وطنية لتاريخ مملكة البحرين.
حينما يقود شخص متهور سيارة، أو من لا يملك رخصة للقيادة، فإن النتيجة الحتمية هي حادث مروري بليغ.. وحينما يقوم شخص بممارسة الطب وإجراء العمليات الجراحية تكون النتيجة الحتمية هي موت المريض.. وحينما يقوم شخص غير مختص ببناء منزل أو عمارة ولا يملك شهادة في الهندسة، تكون الأنقاض والسقوط والهدم هي النتيجة.. فما بال البعض يستسهل كتابة التاريخ، من دون أن يكون مختصا ولا أكاديميا، ولا صاحب نهج علمي أمين، ليهدم تاريخ وطن بأكمله، ويسلب حق الرجالات والأجيال.
تاريخ مملكة البحرين أمانة ومسؤولية، وخط أحمر، لا يجوز التهاون في أي ممارسة تسعى لتزييفه وتزويره، ويجب التصدي الحاسم والحازم لكل من يحاول أن يغيره أو يتلاعب فيه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك