زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
21 سنة في أخبار الخليج (2)
أكاد لا أصدق أنني ظللت أكتب مقالا يوميا في هذه الصحيفة منذ عام 2002، والأعجب من كل ذلك هو أنه لم يغب اسمي وزاويتي «الغائمة» عنها إلا نحو خمس مرات، وكان ذلك بسبب الضغط الإعلاني (قولوا ما شاء الله)، نعم لم يختف اسمي من هذه الصحيفة طوال 21 سنة إلا... (من فضلك دقيقة لأحسب عدد مقالاتي فيها طوال تلك الفترة مستعينا بنظام الحساب في الكمبيوتر. معذرة فالمسألة معقدة لأن هناك سنوات كبيسة وسنوات بسيطة ولكن بالتقريب نشرت نحو 7660 مقالا في أخبار الخليج حتى الآن).
وما زلت مندهشا: كيف صبر الجماعة في «أخبار الخليج» علي، أو كيف صبرت عليهم مدة تعادل على وجه التقريب نصف المدة التي قضيتها في عالم الصحافة؟ حتى صحف بلادي التي رحبت بي لم تصبر عليّ أو أصبر على أي منها أكثر من خمس سنوات، فإما اسكتوني بأوامر عليا لأنني أخوض فيها في مياه ساخنة، وإما طفشت منها لسبب أو لآخر، ومنذ أن احترفت كتابة الأعمدة الصحفية تعاملت في قطر مع صحف الشرق والوطن والراية، وفي لندن مع مجلة المشاهد السياسي وجريدة القدس العربي ومجلة المجلة، وفي السعودية مع صحف الوطن وعكاظ واليوم وفي السودان مع صحف الراي العام وحكايات والسوداني والصحافة، ولم أستمرّ في أي منها أكثر من خمس سنوات متتالية.
ولهذا ظللت أسائل نفسي طوال الأيام القليلة الماضية: أي سحر وأي كيمياء جعلاني التصق بأخبار الخليج لواحد وعشرين سنة متتالية؟ بالتأكيد لم يكن ذلك لأن الصحيفة تعطيني مكافأة مهولة نظير مقالاتي المنشورة فيها، ولا لأن هناك علاقات صداقة شخصية قوية تربطني برئيس أو مدير تحريرها أو أي من كبار المسؤولين فيها، فقد زرت مقر الجريدة مرة واحدة، وجالست عددا من العاملين فيها ليلة واحدة في ضيافة/ بيت رئيس التحرير الأستاذ أنور عبد الرحمن.
التفسير المنطقي الوحيد لاستمرار علاقتي بهذه الصحيفة لسنوات طوال بلا انقطاع، هو أن إدارتها تتعامل باحترام شديد مع العاملين فيها وكتابها، وهذه نقطة يعرف أهميتها من ابتلاهم الله بامتهان الصحافة، فالصحفيون والكتاب لا يختلفون عن لاعبي كرة القدم في النطنطة من جهة لأخرى، ولكن لفت انتباهي أنني لست وحدي من صمد في أخبار الخليج طويلا، فمعظم المحررين الذين تواصلت معهم منذ أن بدأت الكتابة فيها ما زالوا موجودين فيها، ويلاحقونني بأثقل المكالمات والرسائل الالكترونية على قلبي «رصيدك لدينا خلصان. أرجو إرسال مقال ليوم غد والأيام التالية»، أو بالمعايدات والسؤال عن الحال.
وثمة أمر قد يجد كثير من الكتاب الصحفيين حرجا في الخوض فيه، وهو أمر المقابل المادي نظير الكتابة، فقد قطعت علاقتي بعدة صحف كتبت فيها مقالات يومية لأنها صارت تتعامل معي كفاعل خير، ولا تدفع لي المكافأة المتفق عليها بيننا، أو لأنها تدفع لي تلك المكافأة موزعة على بضعة أقساط في السنة، بينما ظلت أخبار الخليج تودع مكافأتي في يوم معين من كل شهر على مدى السنوات ال21 بانتظام مثير للاحترام، ولا يحسبن أحدكم أنني أتقاضى مبلغا يسيل اللعاب من هذه الصحيفة، بل أقول بكل قلة حياء إنها تدفع لي واحدة من أقل المكافآت التي تقاضيتها من صحيفة خليجية على مدى قرابة 25 سنة، ولكن عندما تفي صحيفة بالتزامها نحوك دون أن تضطر لملاحقتها، وعندما يكون ذلك مقرونا باحترام لشخصك في المراسلات والمكالمات الهاتفية، فإنك - لو كنت محترما - لن تقابل كل ذلك سوى بالاحترام «الأشد»، والالتزام والوفاء وتعتبر ذلك أعلى قيمة من المال.
التحية لأخبار الخليج من أكبر رأس فيها إلى حارس مدخلها. شكرا لأنكم فتحتم لي صفحاتكم وقلوبكم واستضفتموني ثم جعلتموني من «أرباب المنزل»، وهذا ما يقوله غوغل وشركاه الذين ربطوا بين اسمي واسم الصحيفة حتى تماهيت فيها وتماهت فيّ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك