عالم يتغير
فوزية رشيد
«صوت العرب» والذكرى السبعون والأمة الواحدة!
{ في ذلك الزمن بداية الخمسينيات (4 يوليو 1953)، حيث تم إنشاء إذاعة صوت العرب مع ظهور جمال عبدالناصر وتبلور مشروعه الرؤيوي حول الوحدة العربية وتحوله إلى زعيم عربي، حتما كان هناك هواء جديد بدأ يخترق البيوت العربية كلها على صوت الثورة المصرية وزعيمها! الذي ازداد زخمه مع جيل الخمسينيات والستينيات كحلم راود ويراود الكثير من الجيلين وإلى الآن! من دون الفصل الأيديولوجي بين من هو عروبي حتى النخاع، ثم تسميتهم لاحقا بالقوميين العرب مع ظهور الأحزاب السياسية! أو بين من كان يساريا شيوعيا أو ليبراليا يثق بالغرب ومنبهر به! أو كان دينيا غير متطرفا أو غير حزبي! أيا كان فالصوت ذاك الذي كان يأتي من «صوت العرب» كان يشد الجميع في البلاد العربية، لأنه كان يحمل في داخله صوت التوحد العربي الذي لايزال رغم مرور السنوات حلما عربيا ليس في مصر وحدها، وإنما في قلب كل عربي وإن اختلفت معايير وهندسة وشكل ذلك التوحد، وليكن تكتلا عربيا في زمن التكتلات الكبرى! أو قطبا عربيا في زمن تعددية الأقطاب! وليكن قائما على التكامل الاقتصادي والتجاري والتلاحم الثقافي والإعلامي، ولا تهم التسمية فيها! فكل العالم ينظر إلى دولنا منذ القدم على أنها جغرافيا العرب من دون تفرقة بين دولة وأخرى وحتى مخططاتهم بعد ذلك التي في جعبة «أصحاب المشاريع الاستثمارية» يخططون بها لكل دول المنطقة العربية من دون تجزئة والمستهدف فيها هم العرب! إلا العرب أنفسهم ينظرون إلى أنفسهم كأجزاء وكأقطار منفصلة! والرهان أن يأتي يوم يدركون فيه كعرب أن سر بقائهم ووجودهم في هذا العالم الذي طالما استهدفهم فيها الاستعماريون والمحتلون، هو سر يكمن في وحدتهم وتوحد قبضاتهم في قبضة واحدة!
{ حين كان الصوت يخترق المسامع في الخمسينيات والستينيات (من مراكش للبحرين شعب واحد لا شعبين)، كان يؤكد بذلك النداء حقيقة جيوسياسية وجيواستراتيجية تغلغلت بعفويتها إلى ما تحتاج إليه الشعوب العربية لكي تأمن في أوطانها التي تشكلت عبر التاريخ كغرف في بيت واحد كبير هو الوطن العربي! وبحدس الشعوب كانت تتلاقى الأماني مع الصوت القادم من مصر عبدالناصر آنذاك، وحيث صوت العرب أشهر الإذاعات الموجهة إلى كل العرب تصل من خلالها خطابات عبدالناصر وهو يناهض الاستعمار الغربي والأجنبي وهو يبث الحلم والإحساس بالكرامة في قلب كل عربي (ارفع رأسك يا أخي العربي)! وهو يعلن تأميم قناة السويس، وهو يدرك معنى الاستثمار في الإعلام آنذاك لإيصال رسائله! وهو يبث عبر الإذاعة صوت وألحان كل الرموز الفنية وهي تصدح بدورها بالنفس الجديد، والأغاني الحماسية والأناشيد العروبية وصوت أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وغيرهم كثير وكثير! فكانت تأثيرات السياسة تمتزج بتأثيرات الفن والثقافة والمسلسلات الإذاعية وأصوات المراسلين وافتتاحية الإذاعة بصوت «حسني الحديدي» وهو يقول (هنا صوت العرب الناطق بلسانكم المعبر عن وحدتكم يأتيكم من قلب العروبة النابض من القاهرة)! ليصل التأثير إلى زخمه العالي ويصبح صاحب فكرة تأسيس «إذاعة صوت العرب» د. محمد عبدالقادر حاتم صاحب التأثير الإعلامي الأقوى آنذاك بالكوادر القوية التي رفدت الإذاعة بصوتها وثقافتها وفكرها، وهو الذي تولى بعد ذلك منصب وزير الإرشاد القومي المصري.
{ قد يرى البعض أن فكرة ضرورة «التوحد» العربي أو «التكتل العربي» مربوط بالأحزاب القومية، التي مع فشل أغلبها كأحزاب ستكون الفكرة ذاتها فاشلة! الفكر العروبي هو فكر يمتد إلى أعمق الحضارات التي نشأت في المنطقة العربية، وإن لم يتم التعبير عنها سياسيا والفكر العروبي لا يتناقض مع وحدة المسلمين، لأن لا تناقض بين العروبة والإسلام كما يفذلك البعض المسألة! فالإسلام نشأ في الجزيرة العربية (أصل العرب) وبلسان عربي!
والفكر العروبي والوحدوي هو ضرورة في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل، إن أراد العرب أن يكون لهم موقع بين الأمم في عالم لا يعترف إلا بالتكتلات الكبرى وبالدول القوية، وقوة العرب وعزتهم في وحدتهم وفي دينهم وقيمهم قبل أن تكون في ثرواتهم ومواردهم التي ستظهر تأثيراتها الكبرى على المستوى العالمي حين يتكامل العرب وحين يتوحدوا! بعيدا عن الأطروحات الساذجة التي يفرق بها البعض بين الشعوب العربية على أساس الفصل التاريخي أو الحضاري مثل (أنا فينيقي وأنا فرعوني وأنا سومري وأنا دلموني).. إلخ! لو يتعمق هؤلاء في تاريخ وآثار المنطقة بقراءة ورؤية جديدة فسيكتشفون أساس وحدة حضاراتهم تاريخيا، بل هناك آثار جديدة تكشف عن أن أصول كل تلك الحضارات هي هجرات من الجزيرة العربية في زمن الجفاف قبل ما يقارب الـ(20 ألف عام)!
{ لم تكن إذًا إذاعة صوت العرب إلا استرجاعا لذخائر الصوت الكامن في قلوب أهل المنطقة العربية التي أثرت العالم بحضاراتها الإنسانية الأولى وبزخم علومها ومعارفها القديمة، لتطلق الصوت الأقوى والأهم في زمن الفرقة والتناحر المجاني (أن لا سبيل لكم أيها العرب، حتى وإن كنتم فقط ساكني هذه المنطقة العربية! ولا تعترفون بتاريخكم المشترك أو لغتكم المشتركة أو دينكم المشترك لدى الغالبية أو جذوركم التي تحتاج إلى مكتشفاتكم الجديدة، لا سبيل لكم في هذا العالم إلا بتوحدكم وإعلان نفسكم كتلة واحدة كما جغرافيتكم)! ذلك هو نداء دينكم أيضا «كنت خير أمة أخرجت للناس» وذلك هو صوت العرب والشعب العربي!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك