عالم يتغير
فوزية رشيد
الخليج العربي لكي يستقر ويزدهر أكثر!
{ في عالم مضطرب، بل شديد الاضطراب كالذي نعيشه، فإن دول الخليج العربية –ونُصرّ على هذه التسمية– تحتاج إلى جانب انتقالها من التعاون إلى التوحد، أو بلغة التحولات الجديدة، إلى أن تكون (قطباً موحداً في عالم تعددية الأقطاب) وتكاملية اقتصادها، من دون الدخول في منافسات ضارة أو تناحرية! لكي تقدم النموذج الأكمل «لمجلس التعاون الخليجي» الذي حقق أكثر من غيره من التجمعات العربية نجاحاً وإنجازات ومواجهة للتحديات والتهديدات، فإن ذلك وفي الإطار الجيوستراتيجي، هو من مهمات المرحلة الراهنة والعالم فيه يتحوّل من نظام إلى نظام عالمي، به تحتل القوى الجديدة مركزية مختلفة في صناعة التوازنات بين الأقطاب المتحالفة لصناعة عالم جديد! ولعل رؤية السعودية حول التحوّل الكبير في الخليج والشرق الأوسط أو المنطقة العربية، هي رؤية قيادية بحكم ما لبلاد الحرمين الشريفين من مكانة وثقل إقليمي وعربي ودولي وإسلامي، وحيث النهوض والازدهار والتنمية والتكامل هي معايير وأسس تلك الرؤية المعلنة!
{ اعتاد الخليج والدول العربية أن يضعوا كل بيضهم في السلة الأمريكية والغربية! والإسهام في نهوض اقتصادات أمريكا والعديد من دول الغرب، سواء من خلال ربط البترول بالدولار «البترودولار» أو الاستثمارات، أو شراء الأسلحة، أو استيراد الكثير من المستلزمات من الغرب، وفق معايير التبادل التجاري، بل كان الخليج وأغلب الدول العربية محافظة على (الاتجاه غرباً) طوال عقود طويلة، تحت وهم «التحالف» برؤية غربية مختلّة! فماذا حدث وباختصار؟! الذي حدث أنه طوال الوقت كان يقوم الحليف الأمريكي والغربي بكسر البيض حتى لم يبق إلا القليل! بل عمل في النهاية على تمزيق السلة نفسها حتى لا تتمكن من حمل أي بيض لاحقاً! طرحت مشروع الفتنة وتقسيم الدول العربية وإسقاط الأنظمة لصالح إما الإخوان وإما أتباع إيران والموالين لها!
{ اليوم ولكي يحافظ الخليج العربي على سمته وثقله واستقراره واستحقاق الفرصة التاريخية المتاحة له في ظل المتغيرات الدولية، فإن (اتجاه الخليج شرقاً) سواء بالتحالف مع روسيا أو الصين أو الهند أو أي قوى دولية مؤثرة، فإن ذلك (لم يعد ترفاً استراتيجياً وإنما ضرورة استراتيجية)! يدخل فيها أولوية الحفاظ على عنصر البقاء والاستمرار والتخلص من الهيمنة الأمريكية والغربية القاتلة، التي لم تحترم سيادة الدول ولا خصوصيتها السياسية في شكل وطبيعة النظام المتبع، ولا احترمت استقلاليتها ولا أمنها ولا استقرارها ولا عدم التدخل في شؤونها! وهي جميعها الأسس التي تعهدت روسيا والصين مثلاً باحترامها والتركيز على التنمية، والمصالح المشتركة، بل والدفع نحو أن يكون الخليج مستقراً، وأن يكون ودوله أحد المرتكزات المهمة في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، الذي يتشكل! وكل ذلك يوفر (المصداقية وتعزيز الثقة والتوازن في العلاقات الدولية) من دون هيمنة أو تسلط أو ضغوط!
{ تنوّع التحالفات أمر مهم، بل وشديد الأهمية للخليج العربي، وخاصة إذا كان التحالف بين أطراف تجمعها ذات الأرضية من القيم الإنسانية والأخلاقية، والتي تكاد تكون متطابقة بين العرب وروسيا حالياً، مما يعزز بدوره من التقارب الثقافي، وخاصة مع التأكيد على احترام القرآن والإسلام والمقدسات الإسلامية، وهو أي الاحترام، العنصر المهم بالنسبة إلى شعوبنا التي ترى حجم (الازدراء الغربي) لديها ومقدساتها وقرآنها، وحجم العنصرية الممارسة ضدها وضد الجاليات المسلمة وضد كل المسلمين!
{ إذا تكاتفت دول الخليج العربي، بعيداً عن أي تناحر هو ليس في صالح أي منها، وبنت قوتها الاقتصادية والتنموية واستثمرت في شعوبها التي وحدها من سيدافع عن خليجه ووطنه، فإن كل محاولات الغرب لإفشال النجاح الخليجي وتنويع تحالفاته ستبوء بالفشل، وهو ما نجحت فيه السعودية وحدها مراراً وأمام مرأى العالم كله! تأكيداً للسيادة وحرية اتخاذ القرار الداخلي والخارجي، حتى لو لم يعجب القوى المهيمنة فقدان هيمنتها وهي تبكي بعد فوات الأوان على اللبن المسكوب! وما كان يجب أن تفعله دول الخليج منذ زمن طويل، ها هي تفعله اليوم، وخاصة مع دور الانعقاد السادس بين الدول الخليجية وروسيا، رغم كل التحديات والمتغيرات والظروف الدولية الراهنة، والتأكيد الإيجابي على التوسع في العلاقات نحو تحالف استراتيجي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك