العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

عنصرية فرنسا تنفجر في وجهها!

{‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬أحداً‭ ‬يؤيد‭ ‬مشاهد‭ ‬التخريب‭ ‬والحرق‭ ‬والنهب،‭ ‬فهي‭ ‬مدانة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬تكون‭ ‬فيه،‭ ‬وتذكرنا‭ ‬بأيام‭ ‬‮«‬الخريف‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬السلوكيات‭ ‬مدانة‭ ‬من‭ ‬جانبنا،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬رأى‭ ‬الأحداث‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬حقيقتها‭ ‬آنذاك،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬كثرة‭ ‬اختراق‭ ‬المندسين‭! ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬أسباب‭ ‬الانفجار‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬مقتل‭ ‬الفتى‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬جزائرية‭ ‬‮«‬نائل‮»‬‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬17‭ ‬عاماً،‭ ‬برصاص‭ ‬شرطي‭ ‬لمجرد‭ ‬الشبهة‭! ‬أثناء‭ ‬تدقيق‭ ‬مروري‭ ‬في‭ ‬‮«‬نانتير‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬اندلعت‭ ‬على‭ ‬أثرها‭ ‬احتجاجات‭ ‬صارخة‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬فرنسية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬العاصمة‭ ‬باريس،‭ ‬هي‭ ‬خلفية‭ ‬ذات‭ ‬جذور‭ ‬عميقة‭ ‬وتراكمات‭ ‬كثيرة،‭ ‬ربما‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أهمها‭ ‬الناطقة‭ ‬باسم‭ ‬مفوضية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬‮«‬رافينا‭ ‬شمداساني‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي،‭ ‬حين‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬ليعالج‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬بجدية‭ ‬مشاكل‭ (‬العنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري‭) ‬المتجذرة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‮»‬،‭ ‬ونضيف‭ ‬والمتجذرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سلوكيات‭ ‬المؤسسات‭ ‬الفرنسية‭ ‬تجاه‭ ‬الفرنسيين‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬أخرى،‭ ‬وتجاه‭ ‬المهاجرين‭ ‬واللاجئين‭! ‬

{‭ ‬قضية‭ ‬مقتل‭ ‬‮«‬نائل‮»‬‭ ‬أعادت‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬إجراءات‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬تسجيل‭ ‬13‭ ‬حالة‭ ‬وفاة‭ ‬أو‭ ‬قتل‭ ‬على‭ ‬الشبهة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬وحده‭! ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬قياسي‭ ‬بعدما‭ ‬رفض‭ ‬أشخاص‭ ‬الامتثال‭ ‬أثناء‭ ‬عمليات‭ ‬تفتيش‭ ‬مرورية،‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬مهاجرة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬إفريقيا‭! ‬

إثر‭ ‬اندلاع‭ ‬الشغب‭ ‬تم‭ ‬اعتقال‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الشبان‭ ‬أغلبهم‭ ‬صغار‭ ‬السن‭ ‬والعدد‭ ‬في‭ ‬تصاعد،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬ثورة‭ ‬الغضب‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الفرنسية‭ ‬مع‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بتوسعها‭ ‬أكثر‭ ‬وخروجها‭ ‬عن‭ ‬السيطرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬اندلاع‭ ‬صدامات‭ ‬بين‭ ‬السكان‭ ‬وقوات‭ ‬الأمن،‭ ‬وحرق‭ ‬سيارات‭ ‬وإضرام‭ ‬النيران‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬الرسمية،‭ ‬وحيث‭ ‬يزداد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬اليسار‭ ‬الفرنسي‮»‬‭ ‬يدعم‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الراهنة،‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بأهداف‭ ‬خاصة‭ ‬به‭ ‬هي‭ ‬الثورة‭ ‬للإصلاح‭!‬

{‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬استقبلت‭ ‬بها‭ ‬فرنسا‭ ‬المهاجرين‭ ‬إليها؟‭! ‬هل‭ ‬هي‭ ‬تراكمات‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬وعقود‭ ‬من‭ ‬التهميش،‭ ‬والمهاجرون‭ ‬وحدهم‭ ‬من‭ ‬يقومون‭ ‬بالأعمال‭ ‬التي‭ ‬يرفض‭ ‬الفرنسيون‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬أعمال‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬جسور‭ ‬وسدود،‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المهاجرين‭ ‬العرب‭ ‬والأفارقة‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬‮«‬نائل‮»‬‭ ‬إليهم؟‭! ‬هل‭ ‬هي‭ ‬الأخطاء‭ ‬والسلوكيات‭ ‬العنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬ضد‭ ‬الفرنسيين‭ ‬من‭ ‬الجاليات‭ ‬المهاجرة‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة،‭ ‬تحولوا‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬فرنسيين‭ ‬بحسب‭ ‬القانون،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬التهميش‭ ‬والتمييز‭ ‬في‭ ‬المعاملات‭ ‬الرسمية‭ ‬والخدمات‭ ‬ومناطق‭ ‬السكن‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬بدورها‭ ‬من‭ ‬الإهمال،‭ ‬وكأنها‭ ‬جزء‭ ‬غير‭ ‬فرنسي،‭ ‬في‭ ‬ضواحي‭ ‬باريس‭ ‬والأحياء‭ ‬الفقيرة؟‭!‬

{‭ ‬حين‭ ‬يتم‭ ‬جمع‭ ‬تبرعات‭ ‬للشرطي‭ ‬القاتل‭ ‬وعائلته،‭ ‬فذلك‭ ‬أمر‭ ‬لافت‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬عنصرية‭ ‬فادحة‭! ‬وحين‭ ‬يخرج‭ ‬بيان‭ ‬من‭ ‬نقابتي‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬تحمل‭ ‬التهديد‭ ‬للحكومة‭ ‬إن‭ ‬تراخت،‭ ‬وتقدم‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق‭ ‬لعناصر‭ ‬الشرطة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬قتلة‭ ‬دون‭ ‬سبب،‭ ‬بل‭ ‬لمجرد‭ ‬الشبهة‭ ‬ولأن‭ ‬المقتول‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬عربية‭ ‬جزائرية،‭ ‬فتلك‭ ‬جرعة‭ ‬زائدة‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭! ‬

حين‭ ‬تحاول‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬احتواء‭ ‬الشغب‭ ‬أو‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬معالجة‭ ‬جذور‭ ‬وأسباب‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬المهاجرون،‭ ‬ومعهم‭ ‬فرنسيون‭ ‬بالأصل‭ ‬فتلك‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬أكبر‭ ‬مشكلة‭! ‬ومنذ‭ ‬احتجاجات‭ ‬السترات‭ ‬الصفراء،‭ ‬وبعدها‭ ‬احتجاجات‭ ‬المتقاعدين‭ ‬تراكمت‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬وتداخلت‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬لتزداد‭ ‬وطأة‭ ‬المشاكل‭ ‬الداخلية‭ ‬والأسباب‭ ‬الخارجية،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬أزمة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬التي‭ ‬راكمت‭ ‬تأثيرات‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬والتضخم‭ ‬وصعوبة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬غاز‭ ‬وبنزين‭.. ‬إلخ،‭ ‬كلها‭ ‬جعلت‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬تزداد‭ ‬صعوبة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬الطبقات‭ ‬المهمشة‭ ‬والفقيرة،‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬والفقر‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬السلوكيات‭ ‬العنصرية‭ ‬والتمييز‭!‬

{‭ ‬القتل‭ ‬العشوائي‭ ‬للفتى‭ ‬الجزائري‭ ‬مجرد‭ ‬رأس‭ ‬الجليد،‭ ‬الذي‭ ‬يقبع‭ ‬أكثره‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬الغاضبة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬أعمال‭ ‬النهب‭ ‬والتخريب‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬عناصر‭ ‬مندسة‭ ‬لتشويه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬أسبابها‭! ‬من‭ ‬دون‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭.. ‬أو‭ ‬‮«‬اليسار‭ ‬المتطرف‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭ ‬مشروعه‭ ‬الخاص‭!‬

ولذلك‭ ‬على‭ ‬فرنسا،‭ ‬الحكومة‭ ‬والرئيس،‭ ‬مواجهة‭ ‬الجذور‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬العنصرية‭ ‬والتمييز،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انفجرت‭ ‬آلياتهما‭ ‬في‭ ‬وجهها‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬معالجة‭ ‬التهميش‭ ‬وعوامله‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الفرنسية،‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬مطالب‭ ‬الفرنسيين‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬احتجاجات‭ ‬السترات‭ ‬الصفراء‭ ‬واحتجاجات‭ ‬المتقاعدين‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭!‬

{‭ ‬فرنسا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬نفسها‭ ‬وقيمها‭ ‬وشعاراتها‭ ‬التي‭ ‬إما‭ ‬أنها‭ ‬تطبقها‭ ‬بشكل‭ ‬‮«‬انتقائي‮»‬‭ ‬وإما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تطبقها‭! ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬وكالعادة‭ ‬إلى‭ ‬احتجاجات‭ ‬عمّت‭ ‬المدن‭ ‬الفرنسية،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بدايتها‭ ‬بسبب‭ ‬مقتل‭ ‬الفتى‭ ‬الجزائري‭ ‬بشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شرطي،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬احتجاجات‭ ‬مرشحه‭ ‬للزيادة،‭ ‬وأن‭ ‬تشمل‭ ‬كل‭ ‬الفرنسيين‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السابق‭! ‬فهل‭ ‬فرنسا‭ ‬مقبلة‭ ‬مثلاً‭ ‬على‭ ‬التصعيد‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬2017‭ ‬للشرطة‭ ‬والقتل‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الشبهة‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬قائماً‭! ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تراكم‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا