عالم يتغير
فوزية رشيد
عنصرية فرنسا تنفجر في وجهها!
{ لا أعتقد أن أحداً يؤيد مشاهد التخريب والحرق والنهب، فهي مدانة في أي مكان تكون فيه، وتذكرنا بأيام «الخريف العربي» التي كانت مثل تلك السلوكيات مدانة من جانبنا، ومن جانب كل من رأى الأحداث العربية على حقيقتها آنذاك، وخاصة مع كثرة اختراق المندسين! ولكن يبدو أن أسباب الانفجار في فرنسا، الذي حدث على خلفية مقتل الفتى الفرنسي من أصول جزائرية «نائل» البالغ من العمر 17 عاماً، برصاص شرطي لمجرد الشبهة! أثناء تدقيق مروري في «نانتير»، والتي اندلعت على أثرها احتجاجات صارخة في عدة مدن فرنسية، من بينها العاصمة باريس، هي خلفية ذات جذور عميقة وتراكمات كثيرة، ربما أشارت إلى أهمها الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان «رافينا شمداساني» خلال مؤتمر صحفي في جنيف الجمعة الماضي، حين قالت: «حان الوقت ليعالج هذا البلد بجدية مشاكل (العنصرية والتمييز العنصري) المتجذرة في صفوف قوات الأمن»، ونضيف والمتجذرة في كل سلوكيات المؤسسات الفرنسية تجاه الفرنسيين من أصول أخرى، وتجاه المهاجرين واللاجئين!
{ قضية مقتل «نائل» أعادت الجدل حول إجراءات تطبيق القانون في فرنسا، وخصوصاً بعد تسجيل 13 حالة وفاة أو قتل على الشبهة في عام 2022 وحده! وهو رقم قياسي بعدما رفض أشخاص الامتثال أثناء عمليات تفتيش مرورية، غالبا ما ينحدرون من أسر مهاجرة من دول المغرب العربي أو إفريقيا!
إثر اندلاع الشغب تم اعتقال مئات من الشبان أغلبهم صغار السن والعدد في تصاعد، مما يزيد من ثورة الغضب في عدد من المدن الفرنسية مع الاعتقاد بتوسعها أكثر وخروجها عن السيطرة، وخاصة مع اندلاع صدامات بين السكان وقوات الأمن، وحرق سيارات وإضرام النيران في عدد من المباني الرسمية، وحيث يزداد الاقتصاد أن «اليسار الفرنسي» يدعم الاضطرابات الراهنة، لأسباب تتعلق بأهداف خاصة به هي الثورة للإصلاح!
{ هل هي العنصرية التي استقبلت بها فرنسا المهاجرين إليها؟! هل هي تراكمات سنوات طويلة وعقود من التهميش، والمهاجرون وحدهم من يقومون بالأعمال التي يرفض الفرنسيون القيام بها مثل كل أعمال البنية التحتية من بناء جسور وسدود، قامت على أيدي المهاجرين العرب والأفارقة الذي ينتمي «نائل» إليهم؟! هل هي الأخطاء والسلوكيات العنصرية والتمييز ضد الفرنسيين من الجاليات المهاجرة منذ عقود طويلة، تحولوا معها إلى فرنسيين بحسب القانون، ولكن مع التهميش والتمييز في المعاملات الرسمية والخدمات ومناطق السكن التي تعاني بدورها من الإهمال، وكأنها جزء غير فرنسي، في ضواحي باريس والأحياء الفقيرة؟!
{ حين يتم جمع تبرعات للشرطي القاتل وعائلته، فذلك أمر لافت ينم عن عنصرية فادحة! وحين يخرج بيان من نقابتي الشرطة في فرنسا، تحمل التهديد للحكومة إن تراخت، وتقدم الدعم المطلق لعناصر الشرطة حتى لو كانوا قتلة دون سبب، بل لمجرد الشبهة ولأن المقتول من أصول عربية جزائرية، فتلك جرعة زائدة من العنصرية!
حين تحاول الحكومة الفرنسية احتواء الشغب أو الاحتجاجات من دون معالجة جذور وأسباب المشاكل التي يعاني منها المهاجرون، ومعهم فرنسيون بالأصل فتلك في حد ذاتها أكبر مشكلة! ومنذ احتجاجات السترات الصفراء، وبعدها احتجاجات المتقاعدين تراكمت جملة من الأسباب وتداخلت في البيئة الفرنسية، لتزداد وطأة المشاكل الداخلية والأسباب الخارجية، وخاصة مع أزمة أوكرانيا التي راكمت تأثيرات ارتفاع الأسعار والتضخم وصعوبة الحصول على الطاقة من غاز وبنزين.. إلخ، كلها جعلت الأحوال في فرنسا تزداد صعوبة خاصة على الطبقات المهمشة والفقيرة، التي تعاني في الغالب من البطالة والفقر إلى جانب السلوكيات العنصرية والتمييز!
{ القتل العشوائي للفتى الجزائري مجرد رأس الجليد، الذي يقبع أكثره في النفوس الغاضبة، وهناك من يقول إن أعمال النهب والتخريب قامت على أيدي عناصر مندسة لتشويه الاحتجاجات التي تحتاج إلى معالجة أسبابها! من دون الوقوع في فخ اليمين المتطرف.. أو «اليسار المتطرف» الذي لكل منهما مشروعه الخاص!
ولذلك على فرنسا، الحكومة والرئيس، مواجهة الجذور والابتعاد عن العنصرية والتمييز، بعد أن انفجرت آلياتهما في وجهها! إلى جانب معالجة التهميش وعوامله في الأحياء الفرنسية، والنظر إلى مطالب الفرنسيين بشكل عام، والتي أدت إلى احتجاجات السترات الصفراء واحتجاجات المتقاعدين قبل ذلك!
{ فرنسا بحاجة إلى مواجهة نفسها وقيمها وشعاراتها التي إما أنها تطبقها بشكل «انتقائي» وإما أنها لا تطبقها! مما أدى وكالعادة إلى احتجاجات عمّت المدن الفرنسية، وإن كانت بدايتها بسبب مقتل الفتى الجزائري بشكل عشوائي على يد شرطي، إلا أنها احتجاجات مرشحه للزيادة، وأن تشمل كل الفرنسيين كما حدث في السابق! فهل فرنسا مقبلة مثلاً على التصعيد أكثر فأكثر، خاصة أن قانون 2017 للشرطة والقتل على أساس الشبهة لا يزال قائماً! كما أن تراكم الظروف الصعبة منذ سنوات لا تزال قائمة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك