العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٩ - الاثنين ٢٠ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الكتابة من الباطن

وافاني‭ ‬صديق‭ ‬بقائمة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬رموز‭ ‬حكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬السوداني‭ ‬المخلوع‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬الذين‭ ‬تدكتروا‭ (‬أي‭ ‬صاروا‭ ‬دكاترة‭) ‬فجأة‭ ‬بعد‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬وظائف‭ ‬مرموقة،‭ ‬واتضح‭ ‬انهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬فحوى‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تدكتروا‭ ‬بموجبها،‭ ‬وتذكرت‭ ‬صديقي‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفي‭ ‬السعودي‭ ‬الراحل‭ ‬أحمد‭ ‬المهندس،‭ ‬الذي‭ ‬أورد‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬له‭ ‬حكاية‭ ‬صحفي‭ ‬عربي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬درج‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬مقالات‭ ‬ونشرها‭ ‬باسم‭ ‬زوجته،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تحسن‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬قائمة‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬اللازمة‭ ‬لشؤون‭ ‬الطعام‭ ‬والنظافة‭ (‬لا‭ ‬أكره‭ ‬عطلة‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭ ‬إلا‭ ‬بسبب‭ ‬تلك‭ ‬القائمة‭ ‬التي‭ ‬تجهزها‭ ‬زوجتي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬ولأنها‭ ‬لا‭ ‬تثق‭ ‬في‭ ‬ذوقي‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الأشياء،‭ ‬فإنها‭ ‬أحيانا‭ ‬تكتب‭ ‬تفاصيل‭ ‬فيها‭ ‬استخفاف‭ ‬بي‭: ‬دريم‭ ‬ويب‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الأبيض‭.. ‬ما‭ ‬تجيب‭ ‬اللي‭ ‬بنكهة‭ ‬الفراولة‭.. ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬بادئ‭ ‬الأمر‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬الدريم‭ ‬ويب‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأقراص‭ ‬المنومة،‭ ‬وهو‭ ‬لعلم‭ ‬الرجال‭ ‬الحمشين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬لوازم‭ ‬الطبخ‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬بودرة‭ ‬بيضاء‭ ‬عديمة‭ ‬الفائدة‭ ‬تصنع‭ ‬منها‭ ‬النساء‭ ‬شيئا‭ ‬يشبه‭ ‬الرغوة‭ ‬يضعنه‭ ‬في‭ ‬الحلويات‭ ‬المنزلية‭). ‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬مقالات‭ ‬المرأة‭ ‬الشبح‭ ‬نالت‭ ‬استحسان‭ ‬الأوساط‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬السعودية،‭ ‬وسعت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬والروابط‭ ‬النسائية‭ ‬إلى‭ ‬التواصل‭ ‬معها،‭ ‬ودعوتها‭ ‬لإلقاء‭ ‬محاضرات‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬ندوات،‭ ‬وبداهة‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬أعقل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ترتكب‭ ‬حماقة‭ ‬الظهور‭ ‬أمام‭ ‬حشود‭ ‬نسائية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬ستكتشف‭ ‬أن‭ ‬مخها‭ ‬مثل‭ ‬الدريم‭ ‬ويب،‭ ‬أي‭ ‬مجرد‭ ‬رغوة‭ ‬عديمة‭ ‬الجدوى،‭ ‬ومع‭ ‬تكاثر‭ ‬الدعوات‭ ‬والاعتذارات‭ ‬استنتجت‭ ‬تلك‭ ‬الجمعيات‭ ‬أن‭ ‬الأستاذة‭ ‬الكاتبة‭ ‬‮«‬متكبرة‭ ‬ومتغطرسة‭ ‬وشايفه‭ ‬روحها‮»‬‭.‬

ولكن‭ ‬سيدة‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬معجبة‭ ‬بالمقالات‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬توقيع‭ ‬الكاتبة‭ ‬المفترضة‭ ‬لم‭ ‬تيأس‭ ‬ووسطت‭ ‬شخصية‭ ‬كبيرة‭ ‬ومتنفذة‭ ‬لإقناع‭ ‬الأستاذة‭ ‬بتقديم‭ ‬محاضرة‭ ‬في‭ ‬جمعية‭ ‬كانت‭ ‬ترأسها‭ ‬تلك‭ ‬السيدة،‭ ‬وقامت‭ ‬الشخصية‭ ‬الكبيرة‭ ‬بالاتصال‭ ‬بالصحفي‭ ‬وطلبت‭ ‬منه‭ ‬السماح‭ ‬لزوجته‭ ‬بتقديم‭ ‬المحاضرة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬منبها‭ ‬إياه‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬لها‭ ‬مكانة‭ ‬ثقافية‭ ‬واجتماعية‭ ‬عالية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬أمام‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬سوى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬زوجته‭ ‬ماهرة‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬‮«‬القوالة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬القيل‭ ‬والقال،‭ ‬وفاشلة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المقالة،‭ ‬وأنه‭ ‬يكتب‭ ‬باسمها‭ ‬حتى‭ ‬يرفع‭ ‬معنوياتها‭!!‬

مسكينة‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬فقد‭ ‬تعرضت‭ ‬لموقف‭ ‬مشابه‭ ‬ولكن‭ ‬بالمقلوب،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تغتنم‭ ‬الفرصة‭ ‬وتدخل‭ ‬دائرة‭ ‬الضوء‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬متخلفة‮»‬‭ ‬بجدارة،‭ ‬فقد‭ ‬رفضت‭ ‬أن‭ ‬تحاورنا‭ ‬محطات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬كـ«عائلة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬استضافتها‭ ‬لمجرد‭ ‬كونها‭ ‬زوجة‭ ‬صحفي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬باشكاتب‭! ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬مفهوما‭ ‬لدي‭ ‬لأنني‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬سأقبل‭ ‬الفكرة‭ ‬أصلا،‭ ‬وتركت‭ ‬لها‭ ‬أمر‭ ‬ردع‭ ‬التلفزيونجية‭. ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬اتصلت‭ ‬بها‭ ‬مقدمة‭ ‬برامج‭ ‬إذاعية،‭ ‬وتلقت‭ ‬المكالمة‭ ‬بنتي‭ ‬مروة‭ ‬فأبلغتها‭ ‬المذيعة‭ ‬أنها‭ ‬تريد‭ ‬من‭ ‬زوجتي‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬فقرة‭ ‬قصيرة‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف،‭ ‬فقالت‭ ‬مروة‭ ‬بلا‭ ‬تردد‭ ‬إن‭ ‬أمها‭ ‬ستكون‭ ‬سعيدة‭ ‬بذلك،‭ ‬ووعدت‭ ‬المذيعة‭ ‬بأن‭ ‬ماما‭ ‬ستتصل‭ ‬بها‭ ‬لاحقا‭ ‬للاتفاق‭ ‬حول‭ ‬تفاصيل‭ ‬مشاركتها،‭ ‬وعندما‭ ‬خاطبت‭ ‬مروة‭ ‬أمها‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬ذلك‭ ‬البرنامج‭ ‬الإذاعي‭ ‬قالت‭ ‬أمها‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬لنفسها‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬فقط‭ ‬لأنها‭ ‬زوجة‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ (‬تستعر‭ ‬مني؟؟؟‭)‬،‭ ‬فقالت‭ ‬مروة‭: ‬طيب‭ ‬خليني‭ ‬أشارك‭ ‬وأعمل‭ ‬نفسي‭ ‬زوجة‭ ‬جعفر،‭ ‬وسأقول‭ ‬للمستمعين‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬مفتري‮»‬‭ ‬وبخيل‭ ‬ولا‭ ‬يشتري‭ ‬لنا‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬نشتهيها،‭ ‬وسأفضحه‭ ‬وأقول‭ ‬إنني‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬سوى‭ ‬فستانين‭ ‬وجزمة‭ ‬واحدة‭.. ‬الفردة‭ ‬اليمين‭ ‬فقط‭.‬

وشخصيا‭ ‬أعرف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬يكتبون‭ ‬المقالات‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬زوجاتهم‭ ‬كي‭ ‬ينلن‭ ‬مكافآت‭ ‬تجعل‭ ‬أوضاع‭ ‬العائلة‭ ‬أكثر‭ ‬بحبحة‭.. ‬هذه‭ ‬مقبولة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬مقارنة‭ ‬برجال‭ ‬ونساء‭ ‬يستأجرون‭ ‬أقلاما‭ ‬ليضعوا‭ ‬أسماءهم‭ ‬أسفلها‭ ‬ولا‭ ‬ينفضح‭ ‬أمرهم‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬يجالسهم‭ ‬المرء‭ ‬ليكتشف‭ ‬أن‭ ‬أمخاخهم‭ ‬زلط‭ ‬عليه‭ ‬دريم‭ ‬ويب‭.‬

أما‭ ‬السر‭ ‬الذي‭ ‬يعرفه‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬فهو‭ ‬الشعر‭ ‬المكتوب‭ ‬‮«‬من‭ ‬الباطن‮»‬،‭ ‬فهناك‭ ‬أشخاص‭ ‬من‭ ‬الوجهاء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬ينشرون‭ ‬قصائد‭ ‬ويقرؤونها‭ ‬في‭ ‬المنابر،‭ ‬بينما‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الموهبة‭ ‬لا‭ ‬يحسنون‭ ‬حتى‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الشعيرية‭ ‬والشعير،‭ ‬والعتب‭ ‬الأكبر‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬لأنك‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬العذر‭ ‬لطالب‭ ‬الشهرة،‭ ‬ولكن‭ ‬العار‭ ‬والشنار‭ ‬للشاعر‭ ‬الذي‭ ‬يبيع‭ ‬قصائده‭ ‬وموهبته‭ ‬بالدولار‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا