زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الكتابة من الباطن
وافاني صديق بقائمة من كبار رموز حكومة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير الذين تدكتروا (أي صاروا دكاترة) فجأة بعد حصولهم على وظائف مرموقة، واتضح انهم لا يعرفون فحوى الرسائل التي تدكتروا بموجبها، وتذكرت صديقي الكاتب الصحفي السعودي الراحل أحمد المهندس، الذي أورد في كتاب له حكاية صحفي عربي كان يعمل في السعودية في الستينيات درج على كتابة مقالات ونشرها باسم زوجته، التي لم تكن تحسن حتى كتابة قائمة المواد الاستهلاكية اللازمة لشؤون الطعام والنظافة (لا أكره عطلة نهاية الأسبوع إلا بسبب تلك القائمة التي تجهزها زوجتي على مدى عدة أيام، ولأنها لا تثق في ذوقي في اختيار الأشياء، فإنها أحيانا تكتب تفاصيل فيها استخفاف بي: دريم ويب من النوع الأبيض.. ما تجيب اللي بنكهة الفراولة.. وكنت في بادئ الأمر أحسب أن الدريم ويب نوع من الأقراص المنومة، وهو لعلم الرجال الحمشين الذين لا يعرفون شيئا عن لوازم الطبخ عبارة عن بودرة بيضاء عديمة الفائدة تصنع منها النساء شيئا يشبه الرغوة يضعنه في الحلويات المنزلية).
المهم أن مقالات المرأة الشبح نالت استحسان الأوساط النسائية في السعودية، وسعت العديد من الجمعيات والروابط النسائية إلى التواصل معها، ودعوتها لإلقاء محاضرات والمشاركة في ندوات، وبداهة فقد كانت تلك المرأة أعقل من أن ترتكب حماقة الظهور أمام حشود نسائية سرعان ما كانت ستكتشف أن مخها مثل الدريم ويب، أي مجرد رغوة عديمة الجدوى، ومع تكاثر الدعوات والاعتذارات استنتجت تلك الجمعيات أن الأستاذة الكاتبة «متكبرة ومتغطرسة وشايفه روحها».
ولكن سيدة ما كانت معجبة بالمقالات التي تحمل توقيع الكاتبة المفترضة لم تيأس ووسطت شخصية كبيرة ومتنفذة لإقناع الأستاذة بتقديم محاضرة في جمعية كانت ترأسها تلك السيدة، وقامت الشخصية الكبيرة بالاتصال بالصحفي وطلبت منه السماح لزوجته بتقديم المحاضرة المطلوبة، منبها إياه أن تلك السيدة لها مكانة ثقافية واجتماعية عالية، ولم يكن أمام الرجل من سبيل سوى الاعتراف بأن زوجته ماهرة في فن «القوالة» الذي هو القيل والقال، وفاشلة في مجال المقالة، وأنه يكتب باسمها حتى يرفع معنوياتها!!
مسكينة أم الجعافر فقد تعرضت لموقف مشابه ولكن بالمقلوب، وبدلا من أن تغتنم الفرصة وتدخل دائرة الضوء أثبتت أنها «متخلفة» بجدارة، فقد رفضت أن تحاورنا محطات تلفزيونية كـ«عائلة»، من منطلق أنه ليس هناك ما يبرر استضافتها لمجرد كونها زوجة صحفي أو حتى باشكاتب! وكان ذلك مفهوما لدي لأنني ما كنت سأقبل الفكرة أصلا، وتركت لها أمر ردع التلفزيونجية. وذات مرة اتصلت بها مقدمة برامج إذاعية، وتلقت المكالمة بنتي مروة فأبلغتها المذيعة أنها تريد من زوجتي الاشتراك في فقرة قصيرة عبر الهاتف، فقالت مروة بلا تردد إن أمها ستكون سعيدة بذلك، ووعدت المذيعة بأن ماما ستتصل بها لاحقا للاتفاق حول تفاصيل مشاركتها، وعندما خاطبت مروة أمها في أمر ذلك البرنامج الإذاعي قالت أمها إنها لا تقبل لنفسها أن تتعامل مع وسائل الإعلام فقط لأنها زوجة جعفر عباس (تستعر مني؟؟؟)، فقالت مروة: طيب خليني أشارك وأعمل نفسي زوجة جعفر، وسأقول للمستمعين إنه «مفتري» وبخيل ولا يشتري لنا الأشياء التي نشتهيها، وسأفضحه وأقول إنني لا أملك سوى فستانين وجزمة واحدة.. الفردة اليمين فقط.
وشخصيا أعرف أكثر من كاتب يكتبون المقالات نيابة عن زوجاتهم كي ينلن مكافآت تجعل أوضاع العائلة أكثر بحبحة.. هذه مقبولة إلى حد ما مقارنة برجال ونساء يستأجرون أقلاما ليضعوا أسماءهم أسفلها ولا ينفضح أمرهم إلا عندما يجالسهم المرء ليكتشف أن أمخاخهم زلط عليه دريم ويب.
أما السر الذي يعرفه الملايين في العالم العربي فهو الشعر المكتوب «من الباطن»، فهناك أشخاص من الوجهاء في هذا البلد أو ذاك، ينشرون قصائد ويقرؤونها في المنابر، بينما هم من حيث الموهبة لا يحسنون حتى التمييز بين الشعيرية والشعير، والعتب الأكبر ليس على هؤلاء لأنك قد تجد العذر لطالب الشهرة، ولكن العار والشنار للشاعر الذي يبيع قصائده وموهبته بالدولار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك