العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٥٦ - الجمعة ١٧ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

عيد الإيمان والتوحيد!

{‭ ‬وبلاد‭ ‬الحرمين‭ ‬تستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬حاج‭ ‬من‭ ‬160‭ ‬دولة،‭ ‬في‭ ‬تجمع‭ ‬هو‭ (‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬العام‭ ‬يعود‭ ‬التجمع‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬تفشي‭ ‬كورونا،‭ ‬الذي‭ ‬حدّ‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬الحجاج‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭! ‬وهو‭ ‬أيضاً‭ ‬التجمع‭ ‬الديني‭ ‬الإسلامي‭ ‬الأكبر،‭ ‬الذي‭ ‬يعرفه‭ ‬التاريخ‭ ‬ويتكرر‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬فإن‭ ‬القلوب‭ ‬ترتقي‭ ‬مع‭ ‬تلبية‭ ‬الحجيج‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬‮«‬الإيمان‭ ‬والتوحيد‮»‬‭ ‬بالله‭ ‬وحده،‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له،‭ ‬ليشهد‭ ‬جبل‭ ‬عرفة‭ ‬ضجيج‭ ‬الدعاء‭ ‬من‭ ‬قلوب‭ ‬تناجي‭ ‬ربّها،‭ ‬وليكون‭ ‬‮«‬يوم‭ ‬عرفة‮»‬‭ ‬يوماً‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬المؤمنين‭ ‬بالصوم‭ ‬والدعاء،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم،‭ ‬ولكأنهم‭ ‬بقلوبهم‭ ‬يشهدون‭ ‬مع‭ ‬الواقفين‭ ‬في‭ ‬عرفة‭ ‬روعة‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬تجسّم‭ ‬فيه‭ ‬وجه‭ ‬الشيطان‭ ‬وتعاليمه‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭! ‬ويشكّل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬عرفة‮»‬‭ ‬حرقاً‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يمثله‭ ‬الشيطان‭ ‬وأدواته‭ ‬وأولياؤه‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬فيغفر‭ ‬الله‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬توجّه‭ ‬إليه‭ ‬بقلب‭ ‬سليم،‭ ‬ولكأنه‭ ‬تحدّي‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬العامرة‭ ‬به‭ ‬والتوحيد‭ ‬دون‭ ‬شريك،‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬موبقات‭ ‬الفاسدين‭ ‬والمفسدين‭ ‬والضلالات‭ ‬الفكرية،‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الشاذة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مضمار‭ ‬روحي‭ ‬وفكري‭ ‬وجسدي‭!‬

{‭ ‬هؤلاء‭ ‬تجمعوا‭ ‬بكل‭ ‬أعراقهم‭ ‬وألوانهم‭ ‬واختلاف‭ ‬ألسنتهم‭ ‬من‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬طوافاً‭ ‬وتروية‭ ‬ودعاء‭ ‬في‭ ‬عرفة،‭ ‬متمسكين‭ ‬بشعائر‭ ‬الله،‭ ‬طالبين‭ ‬المغفرة‭ ‬والسكينة‭ ‬والطمأنينة،‭ ‬ومعهم‭ ‬كل‭ ‬مسلمي‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬يبلغ‭ ‬تعدادهم‭ ‬اليوم‭ (‬ملياري‭ ‬مسلم‭)‬،‭ ‬يشاركون‭ ‬الحجيج‭ ‬مضامين‭ ‬الحجّ‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬أماكنهم،‭ ‬مدركين‭ ‬لما‭ ‬للحج‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬كبرى‭ ‬كفريضة‭ ‬سامية‭ ‬وعبادة‭ ‬جامعة‭ ‬لقلوب‭ ‬المسلمين،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬وترحال‭ ‬روحي‭ ‬يترفع‭ ‬فيه‭ ‬أصحابه‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المغريات‭ ‬والشهوات،‭ ‬متجردين‭ ‬من‭ ‬الألقاب‭ ‬والمناصب،‭ ‬فكلهم‭ ‬سواء‭ ‬أمام‭ ‬الله‭! ‬قال‭ ‬‮«‬الماوردي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬أدب‭ ‬الدنيا‭ ‬والدين‭) ‬عن‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬الحج‭: (‬فكان‭ ‬في‭ ‬إيجابه‭ ‬تذكير‭ ‬ليوم‭ ‬الحشر،‭ ‬بمفارقة‭ ‬المال‭ ‬والأهل،‭ ‬وخضوع‭ ‬العزيز‭ ‬والدليل،‭ ‬في‭ ‬الوقوف‭ ‬بين‭ ‬يديه،‭ ‬وإقلاع‭ ‬أهل‭ ‬المعاصي‭ ‬عما‭ ‬اجترحوه،‭ ‬وندم‭ ‬المذنبين‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أسلفوا،‭ ‬فقلّ‭ ‬من‭ ‬حجّ‭ ‬إلا‭ ‬وأحدث‭ ‬توبة‭ ‬من‭ ‬ذنب،‭ ‬وإقلاعاً‭ ‬عن‭ ‬معصية‭) ‬ومن‭ ‬نبع‭ ‬القلوب‭ ‬المتوجهة‭ ‬إلى‭ ‬خالقها‭ ‬تتدفق‭ ‬فيوض‭ ‬المعاني،‭ ‬وارتحال‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬الواحد‭ ‬الأحد،‭ ‬وهو‭ ‬يلبّي‭ ‬تلبية‭ ‬التكبير‭ ‬والتسبيح‭ ‬والحمد،‭ ‬ليجسّد‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عرفة‭ ‬أيضاً‭ ‬يوم‭ ‬الحشر‭ ‬والتذكير‭ ‬بالدار‭ ‬الآخرة‭! ‬وليعود‭ ‬الحاج‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬دياره‭ ‬وقد‭ ‬طهر‭ ‬قلبه‭ ‬من‭ ‬الشرور‭ ‬والآثام‭ ‬ولكأنه‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬جديد‭!‬

{‭ ‬نداء‭ ‬الإيمان‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬أبعاده‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬شرور‭ ‬الحياة‭ ‬إلا‭ ‬كل‭ ‬مؤمن،‭ ‬فالحياة‭ ‬المليئة‭ ‬بالشرور‭ ‬والصعاب‭ ‬والصراعات‭ ‬هي‭ (‬البُعد‭ ‬المادي‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يخلفه‭ (‬بُعد‭ ‬غيبي‭) ‬أخبر‭ ‬به‭ ‬الله‭ ‬عباده‭ ‬المؤمنين‭! ‬ومن‭ ‬إدراك‭ ‬هذين‭ ‬البعدين‭ ‬يتكامل‭ ‬وعي‭ ‬الإنسان‭! ‬وتزداد‭ ‬الصلة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬خالقه،‭ ‬ليغفر‭ ‬الله‭ ‬لعباده‭ ‬الذنوب‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬الحج‭ ‬و‮«‬يوم‭ ‬عرفة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬الغفران‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬معه‭ ‬المؤمنون‭ ‬الاحتفاء‭ ‬والاحتفال‭ ‬بالعيد،‭ ‬ومنه‭ ‬يأتي‭ ‬المضمون‭ ‬الحقيقي‭ ‬للعيد،‭ ‬باعتباره‭ (‬عيد‭ ‬الإيمان‭ ‬والتوحيد‭) ‬الذي‭ ‬يعلنه‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الذنوب‭ ‬والخطايا،‭ ‬وطُرق‭ ‬الشيطان‭ ‬في‭ ‬إغواء‭ ‬البشر،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬رجمها‭ ‬ورجمه‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مناسبك‭ ‬الحج‭!‬

{‭ ‬لا‭ ‬مناسبة‭ ‬أكثر‭ ‬بهجة‭ ‬من‭ ‬أعياد‭ ‬المسلمين‭ (‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬وعيد‭ ‬الأضحى‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬بهما‭ ‬يختتم‭ ‬المسلم‭ ‬صيامه‭ ‬ببهجة‭ ‬الفطر،‭ ‬ويختتم‭ ‬حجّه‭ ‬وترحاله‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله،‭ ‬وأمله‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المغفرة‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى،‭ ‬ولأننا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يحتاج‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬ككل‭ ‬وليس‭ ‬المسلم‭ ‬وحده‭ ‬إلى‭ ‬طوق‭ ‬النجاة،‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أسسه‭ ‬الشيطانيون‭ ‬من‭ ‬شرور‭ ‬وإغواءات‭ ‬للخطايا،‭ ‬فإن‭ ‬التشبث‭ ‬بالإيمان‭ ‬وحده‭ ‬هو‭ ‬الملجأ‭ ‬والنجاة،‭ ‬وقد‭ ‬كثرت‭ ‬ألوان‭ ‬وأشكال‭ ‬الفسق‭ ‬والفجور،‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬جَعْلها‭ ‬غزوا‭ ‬للقلوب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭!‬

تعاليم‭ ‬الله‭ ‬وحدها،‭ ‬وكما‭ ‬أرادها‭ ‬لخلقه،‭ ‬فيها‭ ‬المنجاة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬وحين‭ ‬يتجمع‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬أطهر‭ ‬بقعة‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬فإنهم‭ ‬يعيدون‭ ‬التوازن‭ ‬بإيمانهم‭ ‬وطلبهم‭ ‬المغفرة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬‮«‬الشيطانيون‮»‬‭ ‬تكريسه‭ ‬لشيطانهم‭ ‬المعبود‭!‬

هو‭ ‬العيد،‭ ‬وبه‭ ‬نحتفي‭ ‬ونحتفل‭ ‬ونعلن‭ ‬الفرح‭ ‬بأننا‭ ‬كمسلمين،‭ ‬مازلنا‭ ‬نسير‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الفطرة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يتم‭ ‬تشويهها‭ ‬والعبث‭ ‬بها‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭!‬

عيدكم‭ ‬مبارك‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭ ‬وأكثر‭ ‬قرباً‭ ‬إلى‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا