عالم يتغير
فوزية رشيد
سيناريوهات فك غموض تمرد «فاجنر»!
{ ما أن انتهت قصة التمرد السريع الذي قام بها «يفغيني بريغوزين» قائد فاجنر، حتى انشغلت كل وسائل الإعلام في العالم بتحليل ما حدث! وامتلأت المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإلكتروني بالتعليقات والتحليلات، وكلاهما «الإعلام والمواقع الإلكترونية»، كانا في محاولة لفك غموض ذلك التمرد السريع على موسكو! وأسباب ردة الفعل الهادئة التي أبداها «بوتين» في مواجهة الحدث!
* أحد السيناريوهات وهو السيناريو (الأول) يقول إن التمرد كان حقيقيًّا، وأن بوتين تعامل بهدوء حتى لا يتسبب في إحداث شروخ دموية في روسيا، أو حرب أهلية، لتتحوّل آثار المواجهة في أوكرانيا إلى انعكاسات خطيرة داخل روسيا نفسها، وهو ما ينتظره الغرب بأحر من الجمر! ولذلك كان يتوجب التعامل بمثل ذلك الهدوء لدرء الخطر الداخلي!
{ السيناريو (الثاني) يقول أصحابه إنه لم يتحرك «قائد فاجنر»، انطلاقًا أو تمردًا على «بوتين» والسلطة السياسية، وإنما كان التمرّد على وزير الدفاع شخصيا، «سيرغي شويغو»، أي هو تمرد على وزارة الدفاع، التي يجري في داخلها انقسامات أقرب إلى محاولة الانقلاب على الوزير! وهذا ما شجّع «قائد فاجنر» (يفغيني بريغوزين) على التمرد، اعتقاداً منه أن عساكر داخل وزارة الدفاع ستقف مع تحركه أو تمرده، وهو الأمر الذي لم يحدث، فاستمع إلى الاتفاق الذي طرحه «رئيس بيلاروسيا» لينهي تمرده!
{ أما السيناريو (الثالث) وهو الأكثر انتشارا بين الجميع، فيقول إن سبب الغموض الذي أحاط بتمرد «قائد فاجنر» أن القصية في أساسها كانت (مسرحية استخباراتية) وأن الخيوط كلها كانت بيد «بوتين» منذ البداية لضرب عدة عصافير بحجر واحد! منها أن دور «فاجنر» انتهى من مهمته على الأرض الأوكرانية، وبذلك حان الوقت لتحوله إلى «ذراع عسكري» مستقل في الخارج! خاصة أن بداية نشوئه كان (كأداة تنفيذ استخباراتية) بمهام عسكرية في الخارج سواء في دول إفريقية أو غيرها، وبالتالي قصة التمردّ تتيح «فك الارتباط الرسمي مجدداً» بين الكرملين و«بريغوزين»، بعد انكشاف ذلك الارتباط مع أزمة أوكرانيا! وفي ذات الوقت يبدو أن وزير الدفاع الروسي «سيرغي شويغو»، الذي لا يحظى باحترام داخل قيادات أخرى في الجيش قد تتم إقالته! وأن «بوتين» كان مقتربا من رؤية قائد «فاجنر» حوله! وفي ذات الوقت قد يكون انتقاله مع التعهد بعدم المساس به أو بحريته إلى «بيلاروسيا» تهديداً مباشراً لكييف القريبة من الحدود البيلاروسية كما يعتقد الأوكرانيون وغيرهم! وإلى جانب كل ذلك، كان الهدف من إعلان التمرد «المتفق عليه» حسب رؤية أصحاب هذا السيناريو، أن يتم الكشف عن كل العناصر التي كانت ستؤيد قائد «فاجنر» سواء في الجيش أو غيره، وكشف خارطة دول الأعداء والأصدقاء في الخارج!
هكذا يكون «بوتين» قد ضرب عدة عصافير بحجر واحد! حتى وإن رأى البعض أن ما حدث سيؤثر في صورة القيادة الروسية، والتي يرى بعض دول الناتو أن روسيا ضعيفة! وأن هناك أرضية انقسام داخلي، سيؤثر في مجرى العملية الروسية في أوكرانيا!
{ ولكن الذي انكشف في سياق هذا التمرد سواء كان تمرداً حقيقياً أم مسرحية، أن الأذرع العسكرية خارج نظام جيش أي بلد هو أمر فيه الكثير من المجازفة للبلد خاصة على خلفية ما شهده العالم في كيفية تحوّل «حزب إيران» في لبنان إلى دولة داخل الدولة! وما يراه العالم اليوم من تحولات «قوات الدعم السريع» في مواجهة الجيش النظامي في السودان! وما رأه العالم أيضاً من انعكاسات «الحشد الشعبي» في العراق على مجمل القضايا والحياة في العراق! وما يحدث في سوريا والعديد من البلدان في إفريقيا، التي تتحوّل فيها (أدوات التنفيذ العسكرية) إلى مارد خارج السيطرة النظامية، والتطلع إلى السلطة كما حدث في بعض الأمثلة السابقة!
{ «الشركات القتالية الخاصة» التي بدأتها الولايات المتحدة مع شركة (بلاك ووتر) ومهامها خاصة في العراق وأماكن أخرى كثيرة في العالم، قد لا تستطيع دول أخرى السيطرة عليها كما فعلت أمريكا مع «شركات وأدوات التنفيذ الاستخباراتية»، لتقع تلك الدول في النهاية في مصيدة ما صنعته!
ولكن السؤال يظل قائما وغامضاً حول ما حدث في روسيا مؤخراً، وعن مستقبل «فاجنر» سواء داخل روسيا أو في الخارج، وإن كانت هذه «القوة العسكرية غير النظامية» ستبقى في القيام بمهام أخرى في أوكرانيا، أم أنه سيتم إفلاتها تماماً، أو إفلاتها إلى الخارج مع الاستمرار بالرعاية الروسية الرسمية لمهامها الخارجية؟!
{ من الواضح أن الحدث الروسي لا يزال يحمل في جعبته الكثير من الغموض! خاصة بما يتعلق ببوتين وروسيا نفسها، أو بما يتعلق بالانعكاسات على الحرب في أوكرانيا، أو بما يتعلق بتحركات «الناتو» باعتقاد الضعف الروسي بعد هذا التمرد! وبالتالي التحرّك الروسي المعاكس، وهو الأمر الذي يهدّد بدوره الأمن والاستقرار في العالم كله مع تحولات الحرب إلى مواجهة نووية أو شبه نووية، وكلا الطرفين لديه سيناريوهات للمواجهة العصيبة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك