العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

البكاء على اللبن المسكوب!

{‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬تتيح‭ ‬الظروف‭ ‬فرصا‭ ‬لتشكيل‭ ‬شراكات‭ ‬أو‭ ‬تحالفات‭ ‬لو‭ ‬استوفى‭ ‬الطرفان‭ ‬شروطها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬المصالح‭ ‬والاحترام‭ ‬والندية،‭ ‬تكون‭ ‬قابلة‭ ‬للاستمرار‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أخل‭ ‬طرف‭ ‬بالأسس‭ ‬القائمة،‭ ‬وكل‭ ‬همه‭ ‬مصلحته‭ ‬الذاتية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وضع‭ ‬الاعتبار‭ ‬لمصالح‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر؟‭! ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬مارس‭ ‬الطرف‭ ‬الأناني‭ ‬ذاته‭ ‬الخديعة‭ ‬والعذر‭ ‬والطعن‭ ‬في‭ ‬الظهر؟‭! ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وكأنه‭ ‬تابع‭ ‬مرهون‭ ‬له‭ ‬ولمصالحه؟‭! ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬فجأة‭ ‬تراكمت‭ ‬المسببات‭ ‬وعقد‭ ‬الخيط‭ ‬الواصل‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬فأدرك‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬تفكير‭ ‬شريكه‭ ‬ينصب‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الاستغلال‭ ‬والابتزاز‭! ‬بما‭ ‬يستدعي‭ ‬فقدان‭ ‬المصداقية‭ ‬ومعها‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭! ‬وبالتالي‭ ‬يتم‭ ‬فك‭ ‬الشراكة‭ ‬الوثيقة‭ ‬لتنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬صياغة‭ ‬التوازن‭ ‬الجديدة‭ ‬بين‭ ‬الشركاء‭ ‬وفتح‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬الباب‭ ‬لشراكات‭ ‬أخرى‭ ‬متاحة‭ ‬تحقق‭ ‬أو‭ ‬تستوفي‭ ‬أسسا‭ ‬أكثر‭ ‬اتزانا‭ ‬وأكثر‭ ‬انضباطا‭ ‬وأكثر‭ ‬مصداقية‭ ‬ومدعاة‭ ‬للثقة؟‭! ‬هنا‭ ‬الطرف‭ ‬الغادر‭ ‬يصاب‭ ‬فجأة‭ ‬بجنون‭ ‬الفقدان‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬اعتباره‭ ‬لطغيان‭ ‬غروره‭ ‬أن‭ ‬يتمرد‭ ‬الشريك‭ ‬على‭ ‬أنانيته‭ ‬ومنطقه‭ ‬المعوج‭! ‬فيبدأ‭ ‬بركوب‭ ‬سلم‭ ‬التراجعات‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬فائدة‭! ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬انتهى‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬أبدا‭ ‬فيصاب‭ ‬بالخيبة‭ ‬تلو‭ ‬الخيبة‭ ‬وهو‭ ‬يبكي‭ ‬على‭ ‬اللبن‭ ‬المسكوب‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬إسكابه‭! ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬أو‭ ‬أطراف‭ ‬يتصرف‭ ‬أحدها‭ ‬بأنانيته؟‭ ‬ألا‭ ‬ينطبق‭ ‬ذلك‭ ‬التوازن‭ ‬المفقود‭ ‬وما‭ ‬يأتي‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬أيضا‭ ‬وحيث‭ ‬الدول‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬نتاج‭ ‬تفكير‭ ‬بشري‭ ‬يخطئ‭ ‬ويصيب‭ ‬كما‭ ‬البشر‭ ‬عادة؟‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لنأخذ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثالا‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا‭ ‬وهو‭ ‬مثال‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬السعودية‭! ‬لقد‭ ‬استهترت‭ ‬أمريكا‭ ‬كثيرا‭ ‬وطويلا‭ ‬بعلاقتها‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬والخليج‭ ‬والعرب‭ ‬عموما‭! ‬ليصل‭ ‬ذلك‭ ‬الاستهتار‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬طعن‭ ‬ظهور‭ ‬من‭ ‬أسمتهم‭ ‬حلفاءها‭! ‬لتعمل‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬إسقاط‭ ‬الأنظمة‭ ‬وبث‭ ‬الفوضى‭ ‬وتبني‭ ‬المعارضات‭ ‬الانقلابية‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬2011‭! ‬ووصلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الغدر‭ ‬بالاتفاقية‭ ‬المبرمة‭ ‬بين‭ ‬أمريكا‭ ‬والسعودية‭ ‬حول‭ ‬أمنها‭ ‬وأمن‭ ‬الخليج،‭ ‬حين‭ ‬وقفت‭ ‬موقف‭ ‬المتفرج‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬الإرهابي‭ ‬الحوثي‭ ‬على‭ ‬المنشآت‭ ‬النفطية‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭! ‬وتمادت‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬الفزاعة‭ ‬الإيرانية‭! ‬وفي‭ ‬حسبانها‭ ‬أن‭ ‬صلاحية‭ ‬الابتزاز‭ ‬والضغط‭ ‬بادعاء‭ ‬الحماية‭ ‬لا‭ ‬أجل‭ ‬لها‭! ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬وفوقها‭ ‬تشجع‭ ‬التغول‭ ‬الإيراني‭ ‬وبلا‭ ‬حدود،‭ ‬ورغم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬للاستهلاك‭ ‬الإعلامي‭! ‬بل‭ ‬تمادت‭ ‬أكثر‭ ‬وهي‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬احتكار‭ ‬الشراكة‭ ‬والتحالف‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬والخليج‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لذلك‭ ‬الاحتكار‭ ‬منطق‭ ‬موضوعي‭ ‬أو‭ ‬مفهوم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬وفاء‭ ‬بالعهد‭! ‬هذا‭ ‬بعض‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيض‭ ‬السلوكيات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتراكمة‭ ‬التي‭ ‬انقلب‭ ‬سحرها‭ ‬على‭ ‬الساحر‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭! ‬وخاصة‭ ‬منذ‭ ‬ظهور‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬بعثر‭ ‬الأوراق‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭! ‬وتشدق‭ ‬بايدن‭ ‬بأنه‭ ‬سيجعل‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬دولة‭ ‬منبوذة‭! ‬فإذا‭ ‬بالسعودية‭ ‬تغير‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬بل‭ ‬قواعد‭ ‬التوازن‭ ‬الدولي‭ ‬وتعيد‭ ‬اللاعب‭ ‬الأمريكي‭ (‬الذي‭ ‬راهن‭ ‬على‭ ‬احتكار‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬ممارسة‭ ‬الغدر‭) ‬وقضية‭ ‬خاشقجي‭ ‬والابتزازات‭ ‬الأمريكية‭ ‬حاضرة‭ ‬فيها‭ ‬تعيده‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬زاوية‭ ‬الملعب‭ ‬وتضع‭ ‬أسسا‭ ‬جديدة‭ ‬للشراكة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاستقلالية‭ ‬وحفظ‭ ‬السيادة‭ ‬والاحترام‭ ‬المطلوب‭ ‬لشريك‭ ‬كان‭ ‬بيده‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬مفاتيح‭ ‬كثيرة،‭ ‬ومداخل‭ ‬تأثير‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الأمريكي‭ ‬واقتصاده‭ ‬ودولاره‭ ‬ولم‭ ‬يستخدمها‭ ‬فظن‭ ‬الأمريكي‭ ‬أنه‭ ‬ضعف‭!‬

{‭ ‬فتحت‭ ‬السعودية‭ ‬ومعها‭ ‬دول‭ ‬خليجية‭ ‬أخرى‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬ومع‭ ‬روسيا‭ ‬ومع‭ ‬الهند‭ ‬وغيرها‭ ‬وكأنها‭ ‬تعلن‭ ‬أن‭ ‬احتكار‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬وحدها‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬زمنه‭ ‬وانتهت‭ ‬صلاحيته‭! ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬السعودية‭ ‬بإجراء‭ ‬اتفاق‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬برعاية‭ ‬صينية‭ ‬ولكأنها‭ ‬تقول‭ (‬انتهى‭ ‬زمن‭ ‬البعبع‭ ‬الذي‭ ‬صنعتموه‭ ‬ووضعتموه‭ ‬في‭ ‬خلفية‭ ‬دارنا‭! ‬نحن‭ ‬وحدنا‭ ‬ندير‭ ‬مشاكلنا‭ ‬وبرؤيتنا‭)! ‬بل‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬منظمة‭ ‬أوبك‭ ‬بلس‭ ‬خارج‭ ‬الطلبات‭ ‬الأمريكية‭! ‬لتتخذ‭ ‬قرارها‭ ‬باستقلالية‭ ‬وبحسب‭ ‬متطلبات‭ ‬مصالح‭ ‬أعضاء‭ ‬أوبك‭ ‬بلس‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬أرادت‭ ‬أمريكا‭ ‬الانحياز‭ ‬السعودي‭ ‬والخليجي‭ ‬والعربي‭ ‬ضدها‭! ‬بل‭ ‬فتحت‭ ‬السعودية‭ ‬الباب‭ ‬لمنظمات‭ ‬دولية‭ ‬جديدة‭ ‬ومنافسة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بريكس‮»‬‭ ‬و«شنغهاي‮»‬‭ ‬لبناء‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬ومعه‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬مالي‭ ‬جديد‭ ‬يتم‭ ‬فيه‭ ‬قريبا‭ ‬استبدال‭ ‬الدولار‭ ‬بالعملات‭ ‬المحلية‭ ‬للدول‭ ‬المتشاركة‭ ‬في‭ ‬مصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬ومالية‭! ‬بل‭ ‬وضعت‭ ‬شروطا‭ ‬اعتبرتها‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الضغوط‭ ‬الأمريكية‭ ‬للتطبيع‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬اعتبرتها‭ ‬أمريكا‭ ‬شروطا‭ ‬تعجيزية‭! ‬هكذا‭ ‬انسكب‭ ‬لبن‭ ‬الشراكة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متينة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬لتصبح‭ ‬مجرد‭ ‬شراكة‭ ‬بين‭ ‬شراكات‭ ‬استراتيجية‭ ‬أخرى‭ ‬وعلى‭ ‬أسس‭ ‬الاستقلالية‭ ‬والسيادة‭ ‬والمصالح‭ ‬المتبادلة‭ ‬وحدها‭! ‬وهكذا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬اللبن‭ ‬المسكوب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ذاق‭ ‬مرارة‭ ‬فقدان‭ ‬شريك‭ ‬لا‭ ‬يعوض‭! ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬العمل‭ ‬لاستعادته‭ ‬كما‭ ‬كان‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭! ‬كان‭ ‬يا‭ ‬زمان‭ ‬كان‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا