العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

هل البشر على طبيعتهم؟!

{‭ ‬وأنا‭ ‬أقرأ‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬عن‭ ‬إحدى‭ ‬حوادث‭ ‬العنف‭ ‬غرباً‭ ‬وشرقاً،‭ ‬والغريب‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمرّ‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حوادث‭ ‬مروعّة‭! ‬ينتشر‭ ‬بعضها،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يظل‭ ‬في‭ ‬خفاء‭ ‬الدهاليز‭ ‬المعتمة‭! ‬ينتابني‭ ‬شعور‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ (‬خللاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬أصاب‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭) ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭! ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬العنف‭ ‬ممارسة‭ ‬خاصة‭ ‬بالمجرمين،‭ ‬وإنما‭ ‬الحوادث‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬اختلالات‭ ‬عنفية‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬الأسر،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬أمهات‭ ‬تجاه‭ ‬أطفالهن‭! ‬أو‭ ‬من‭ ‬آباء‭ ‬يقتلون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬أسرهم‭! ‬أو‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬يمارسون‭ ‬العقوق‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭! ‬أو‭ ‬حوادث‭ ‬متواترة‭ ‬بنمط‭ ‬أكثر‭ ‬عنفية‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب،‭ ‬وطلبة‭ ‬مدارس‭ ‬هناك‭ ‬يحوزون‭ ‬الأسلحة،‭ ‬فيقتلون‭ ‬من‭ ‬يصادفهم‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬متجر‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬كمثال‭! ‬وما‭ ‬بين‭ ‬تصاعد‭ ‬آليات‭ ‬العنف‭ ‬لدى‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق،‭ ‬يحاول‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬يبرر‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬بأن‭ ‬الجرائم‭ ‬دائماً‭ ‬كانت‭ ‬موجودة،‭ ‬ولكن‭ ‬الجديد‭ ‬هو‭ (‬النقل‭ ‬الإعلامي‭)‬،‭ ‬وخاصة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لها‭! ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التبرير‭ ‬صحيحاً،‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬صحيحا‭ ‬بالمطلق،‭ ‬لأن‭ ‬تواتر‭ ‬الجرائم‭ ‬والعنف‭ ‬والانتحار،‭ ‬وبحسب‭ ‬إحصائيات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬نفسها‭ ‬قد‭ ‬تصاعدت‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬كبير،‭ ‬لم‭ ‬تعرفه‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية،‭ ‬ونضيف‭ ‬اليوم‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ (‬ثقافة‭ ‬العنف‭) ‬بكل‭ ‬مكوناتها‭ ‬وتأثيراتها،‭ ‬التي‭ ‬انزاحت‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬المنتج‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬استوديوهات‭ ‬‮«‬هوليوود‮»‬‭ ‬السبّاقة‭ ‬لنشر‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة،‭ ‬أو‭ ‬استوديوهات‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭! ‬باتت‭ ‬تميل‭ ‬معا‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬العنف‭ ‬المسماة‭ ‬‮«‬أكشن‮»‬‭ ‬وأفلام‭ ‬الرعب،‭ ‬التي‭ ‬تجول‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬المحتويات‭ ‬الكثيرة‭ ‬من‭ ‬رعب‭ ‬الجرائم‭ ‬وغموضها،‭ ‬إلى‭ ‬رعب‭ ‬الأحوال‭ ‬النفسية‭ ‬المريضة،‭ ‬إلى‭ ‬رعب‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تخيله‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬التاريخ‭ ‬والأساطير،‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬المحتويات‭ ‬المنتشرة‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬الألعاب‭ ‬المكرسّة‭ ‬للأطفال،‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬إلى‭ ‬انتحار‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭! ‬لتصبح‭ ‬‮«‬ثقافة‭ ‬العنف‮»‬‭ ‬عبر‭ (‬المنتجات‭ ‬الفنية‭ ‬والدعائية‭ ‬والألعاب‭) ‬وغيرها،‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬وسطوة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الشباب‭ ‬والأطفال،‭ ‬حين‭ ‬تترافق‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬‮«‬المخدرات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬ترويجها‭ ‬بأساليب‭ ‬شيطانية،‭ ‬لتصل‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬طلاب‭ ‬وطالبات‭ ‬المدارس‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬تولّده‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬غريبة‭ ‬من‭ ‬توحّد‭ ‬واكتئاب‭ ‬وغربة‭!‬

{‭ ‬الانسياق‭ ‬وراء‭ ‬القيم‭ ‬الماديّة،‭ ‬وإعلاء‭ ‬قيمة‭ ‬المادة‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬والرؤية‭ ‬المادية‭ ‬الأحادية‭ ‬والجوفاء‭ ‬للإنسان‭ ‬ولنشوء‭ ‬الحياة،‭ ‬حين‭ ‬تجتمع‭ ‬بموتيفات‭ ‬التأثيرات‭ ‬اليومية‭ ‬الأخرى‭ ‬كالأفلام‭ ‬العنيفة‭ ‬والألعاب‭ ‬وبرامج‭ ‬تعليم‭ ‬العنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المخصصة‭ ‬لذلك،‭ ‬فإنها‭ ‬حتماً‭ ‬تولد‭ ‬الاختلال‭ ‬والعنف‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬الأسر‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تفكك‭ ‬وأحوال‭ ‬صدامية‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬وتكريس‭ ‬ثقافة‭ ‬‮«‬الصراع‮»‬‭ ‬بينهما‭ ‬فيما‭ ‬التكامل‭ ‬هو‭ ‬الأصل‭ ‬وليس‭ ‬المساواة‭ ‬المطلقة‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬فرض‭ ‬‮«‬القيم‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬الشاذة‮»‬‭ ‬على‭ ‬مجتمعات‭ ‬العالم‭! ‬مع‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ (‬التفاوت‭ ‬الطبقي‭) ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬الشمال‭ ‬الغني‭ ‬والجنوب‭ ‬الفقير،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬الفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والمرض‭ ‬والأوبئة‭ ‬المصنعة‭ ‬متوازيات‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬حتى‭ ‬الفقيرة،‭ ‬مع‭ ‬استخدامات‭ ‬آخر‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وغيره‭ ‬يولّد‭ (‬اختلالاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬الراهنة،‭ ‬التي‭ ‬تنجرف‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬مع‭ ‬التفاهة‭ ‬كنظام‭ ‬عالمي،‭ ‬ومع‭ ‬المظاهر،‭ ‬والمصالح‭ ‬المادية‭ ‬الأنانية‭ ‬التي‭ ‬تولّد‭ ‬بدورها‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬اللاأخلاقية‭ ‬لينتج‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬الخليط‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يعايشه‭ ‬البشر‭ ‬اليوم،‭ ‬تأثيرات‭ ‬وانعكاسات‭ ‬سيكولوجية،‭ ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬طبيعتهم‭ ‬الحقيقية‭! ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬الضروس‭ ‬ضد‭ ‬الدين‭ ‬والقيم‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬الدينية،‭ ‬وتكريس‭ ‬‮«‬القيم‭ ‬الشيطانية‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭! ‬لكأنها‭ ‬‮«‬دورة‭ ‬عكسية‮»‬‭ ‬لبيانات‭ ‬التطوّر‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي،‭ ‬الذي‭ ‬يترافق‭ ‬مع‭ ‬الانتكاسة‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭! ‬وللأسف،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حصيلة‭ ‬ما‭ ‬كرّسته‭ ‬‮«‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬الراهنة‮»‬،‭ ‬وأدخلت‭ ‬تأثيراتها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬نسمع‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬حادثة‭ ‬أو‭ ‬فعل‭ ‬إجرامي‭ ‬مجتمعي‭ ‬أو‭ ‬أسري،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬بمثابة‭ ‬الصدمة‭ ‬العامة‭! ‬اليوم‭ ‬نجد‭ ‬أحداث‭ ‬العنف‭ ‬أكثر‭ ‬انتشاراً‭ ‬سواء‭ ‬القتل‭ ‬الجسدي‭ ‬أو‭ ‬القتل‭ ‬المعنوي،‭ ‬أو‭ ‬زنا‭ ‬المحارم،‭ ‬أو‭ ‬الشذوذ،‭ ‬أو‭ ‬الارتداد‭ ‬العقائدي‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬انتشار‭ ‬‮«‬الإلحاد‮»‬‭ ‬مع‭ ‬التكريس‭ ‬الغربي‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وكما‭ ‬يفعل‭ ‬مع‭ ‬فرض‭ (‬فوضاه‭ ‬الأخلاقية‭) ‬والشذوذ،‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالطبيعة‭ ‬الجسدية‭ ‬بخلط‭ ‬الأجناس‭ ‬وتكاثر‭ ‬أنواعها‭ ‬الشاذة‭! ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ (‬الخليط‭ ‬العجائبي‭) ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬المتداخلة‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬وعلى‭ ‬الشباب‭ ‬خاصة،‭ ‬هل‭ ‬ستبقى‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬تصارع‭ ‬بين‭ ‬الخير‭ ‬والشرّ‭ ‬في‭ ‬أطرها‭ ‬المعروفة،‭ ‬وهي‭ ‬محصنة‭ ‬بالقيم‭ ‬الدينية‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر؟‭! ‬اليوم‭ ‬تفقد‭ ‬البشرية‭ ‬توازنها‭ ‬المعهود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭! ‬وتفقد‭ ‬فطرتها‭ ‬وطبيعتها‭! ‬وتفقد‭ ‬براءتها،‭ ‬بسبب‭ ‬تسلط‭ ‬قيم‭ ‬حضارة‭ ‬غربية‭ ‬على‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري،‭ ‬بما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬انحدار‭ ‬قيمي‭ ‬وأخلاقي‭ ‬وتكريس‭ ‬لثقافة‭ ‬العنف‭! ‬حفظ‭ ‬الله‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬من‭ ‬الشرور‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا