العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٧ - الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

السادية والمازوخية في العلاقات الدولية!

{‭ ‬‮«‬السادية‮»‬‭ ‬و«المازوخية‮»‬‭ ‬‭ ‬هي‭ ‬مفاهيم‭ ‬اصطلاحية‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬لوصف‭ ‬حالات‭ ‬بشرية‭ ‬مريضة‭ ‬إما‭ ‬بمرض‭ ‬‮«‬السادّية‮»‬‭ ‬المرادفة‭ ‬لوصف‭ (‬تعذيب‭ ‬الآخرين‭) ‬أو‭ ‬‭ ‬المازوخية‭ ‬المرادفة‭ ‬لوصف‭ (‬تعذيب‭ ‬النفس‭ ‬أو‭ ‬الذات‭)! ‬وكلتا‭ ‬الحالتين‭ ‬تقعان‭ ‬في‭ ‬بؤرة‭ ‬‮«‬الاستلاب‭ ‬السيكولوجي‮»‬‭ ‬سواء‭ ‬للآخرين‭ ‬أو‭ ‬للذات،‭ ‬بحيث‭ ‬يحتاج‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬إلى‭ ‬علاج‭ ‬نفسي‭ ‬فيه‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التفاقم،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬مصابون‭ ‬بإحدى‭ ‬الحالتين،‭ ‬حتى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬ذلك‭!‬

{‭ ‬ولكن‭ ‬الطريف‭ ‬أن‭ ‬تقتحم‭ ‬تلك‭ ‬المفاهيم‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالأمراض‭ ‬السيكولوجية‭ ‬‭ ‬‮«‬عالم‭ ‬السياسة‮»‬‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدولية‭! ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تتمادى‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬وهي‭ ‬تمارس‭ ‬‮«‬ساديتها‮»‬‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬لترى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬سرّ‭ ‬جاذبيتها‭! ‬وأن‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬هي‭ ‬‮«‬مازوخية‮»‬‭ ‬بطبيعتها‭! ‬وتستمر‭ ‬في‭ ‬ضعفها‭ ‬وتعذيب‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أقوى‭ ‬منها‭! ‬وبالتالي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬‮«‬سادية‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬النموذج‭ ‬الأكثر‭ ‬جاذبية‭! ‬ليدخل‭ ‬الأمر‭ ‬برمّته‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬حدود‭ ‬التطرّف‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭! ‬فإن‭ ‬حدث‭ ‬وتمردّ‭ ‬من‭ ‬تم‭ ‬وصمه‭ ‬بالضعف‭ ‬على‭ ‬‮«‬سادية‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬الدولة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬ارتباك‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتوقعّ‭ ‬ذلك‭!‬

{‭ ‬تأليه‭ ‬الغرب‭ ‬لنفسه‭ ‬أو‭ ‬ساديته‭ ‬ضد‭ ‬العالم،‭ ‬جعله‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬أنه‭ ‬وحده‭ ‬‮«‬العالم‭ ‬الحرّ‮»‬‭ ‬وباقي‭ ‬الدول‭ ‬عبيد‭! ‬وما‭ ‬بين‭ ‬العالم‭ ‬الحرّ‭ ‬الذي‭ ‬تدعيّه‭ ‬أمريكا‭ ‬لنفسها‭ ‬ومعها‭ ‬قوى‭ ‬أوروبية‭ ‬واستعباد‭ ‬الشعوب‭ ‬وكأنه‭ ‬حق‭ ‬لها‭! ‬تتشابك‭ ‬اليوم‭ ‬خيوط‭ ‬التشكّل‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬أمراض‭ ‬الدول‭ ‬السادّية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬رُغمًا‭ ‬عنها‭!‬

{‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬ردّد‭ ‬‮«‬بوتين‮»‬‭ ‬ووزير‭ ‬خارجيته‭ ‬‮«‬لافروف‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أزمة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ (‬انتهى‭ ‬عالم‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬الذي‭ ‬يستعبد‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬يستبعدهم‭! ‬نريد‭ ‬عالما‭ ‬حرّاً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ابتزاز‭! ‬أمريكا‭ ‬نصبت‭ ‬نفسها‭ ‬كإله‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬أية‭ ‬واجبات‭)! ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬تدخلت‭ ‬فيه‭ ‬بالقوة‭ ‬لم‭ ‬يُنتج‭ ‬الا‭ ‬الدمار‭! ‬لا‭ ‬ديموقراطية‭ ‬ولا‭ ‬حقوق‭ ‬ولا‭ ‬حريات،‭ ‬إلا‭ ‬حرية‭ ‬الفوضى‭ ‬والإرهاب‭! ‬تريد‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬يستمّد‭ ‬ثقافته‭ ‬وتطورّه‭ ‬وقيمه‭ ‬ومعتقده‭ ‬منها‭! ‬تريد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬وصلاتها‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬نموذجها‭ ‬المسيطر‭ ‬وتحت‭ ‬ظله‭!‬

تريد‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬عقولها‭ ‬ونمطها‭ ‬الإنساني‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والروحي‭ ‬من‭ ‬فوضاها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭! ‬هل‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬شيئًا‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النموذج،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬أخطائه‭ ‬وجرائمه،‭ (‬يؤله‭ ‬نفسه‭!) ‬ويريد‭ ‬استعباد‭ ‬البشر‭ ‬له‭ ‬بدلا‭ ‬من‭  ‬عبوديتهم‭ ‬لله‭ ‬وحده‭! ‬إنها‭ ‬‮«‬السادّية‮»‬‭ ‬في‭ ‬ذروتها،‭ ‬وإنه‭ ‬‮«‬المريض‭ ‬الأمريكي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬المريض‭ ‬الغربي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬اللجم‭!‬

{‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬العالم‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الشفاء‭ ‬من‭ ‬تسلط،‭ ‬‮«‬المريض‭ ‬الأمريكي‭ ‬‭ ‬الغربي‮»‬‭! ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلالية‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬ضفة‭ ‬الحروب‭ ‬‮«‬القهرية‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬ضفة‭ ‬السلام‭! ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬السوّية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التصالح‭ ‬والمصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬والتحالف‭ ‬الذي‭ ‬يحترم‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬التكاملية‮»‬‭ ‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬الدول،‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬التنمية،‭ ‬وعن‭ ‬عدم‭ ‬التدخلّ‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬وفي‭ ‬شكل‭ ‬الحكم‭ ‬والأوضاع‭ ‬الداخلية،‭ ‬وألا‭ ‬تتحوّل‭ ‬شعارات‭ ‬الحرية‭ ‬والحقوق‭ ‬إلى‭ ‬الابتزاز‭ ‬والتسلط‭! ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تبحث‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬شراكات‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شروط‭ ‬أو‭ ‬ابتزاز‭ ‬أو‭ ‬استعلاء‭ ‬أو‭ ‬أجندات‭ ‬لإسقاط‭ ‬الدول‭ ‬والنظم‭ ‬وتقسيمها‭! ‬العالم‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسّة‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬مآسي‭ ‬التسلط‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬ثرواته‭ ‬ومصائره،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ (‬علاقات‭ ‬دولية‭ ‬صحيّة‭ ‬وسليمة‭) ‬لا‭ ‬‮«‬سادية‮»‬‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬‮«‬مازوخية‮»‬‭! ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتشكل‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا‭ ‬مهما‭ ‬فعل‭ ‬المريض‭ ‬الغربي،‭ ‬وللعرب‭ ‬سيكون‭ ‬حتمًا‭ ‬نصيب‭ ‬في‭ ‬التحوّل‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا