العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

تركيا والانتخابات الجديدة!

{‭ ‬متابعون‭ ‬ومحللون‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬التركي،‭ ‬وصفوا‭ ‬انتخابات‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الجمهورية‭ ‬التركية،‭ ‬وربما‭ ‬الأهم‭ ‬منذ‭ ‬إعلان‭ ‬الجمهورية‭ ‬التركية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬‮«‬مصطفى‭ ‬كمال‭ ‬أتاتورك‮»‬،‭ ‬بعد‭ ‬زول‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭! ‬64‭ ‬مليونَ‭ ‬تركي‭ ‬توجه‭ ‬منهم‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬95%‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الانتخابات،‭ ‬لانتخاب‭ (‬الرئيس‭ ‬الـ13‭ ‬لتركيا‭)‬،‭ ‬وانتخاب‭ ‬برلمان‭ ‬جديد‭ ‬يتنافس‭ ‬فيه‭ ‬26‭ ‬حزبا‭ ‬سياسيا‭ ‬على‭ ‬600‭ ‬مقعد،‭ ‬فيما‭ ‬انحصر‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الرئيس‭ ‬أردوغان‮»‬‭ ‬وزعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬‮«‬كمال‭ ‬كليجدا‭ ‬أوغلو‮»‬‭! ‬وحيث‭ ‬شاركت‭ (‬النساء‭ ‬والشباب‭) ‬في‭ ‬التصويت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬وهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الذين‭ ‬يحق‭ ‬لهم‭ ‬التصويت‭! ‬

{‭ ‬هي‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬ذكرى‭ ‬مرور‭(‬100‭) ‬عام‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬أتاتورك،‭ ‬الذي‭ ‬اتجه‭ ‬بتركيا‭ ‬‮«‬غربا‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬كامل‭! ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬المعارضة‭ ‬المنافس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات،‭ ‬لديه‭ ‬ميول‭ ‬أتاتوركية‭ ‬‮«‬واضحة‮»‬،‭ ‬تبدو‭ ‬المنافسة‭ ‬وكأنها‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬صيغها‭ ‬الخفية‭ ‬وكأنها‭ ‬بين‭ ‬تيار‭ ‬أتاتورك‭ ‬وتيار‭ ‬أردوغان‭! ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬بدوره‭ ‬متحالفا‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬مؤخراً‭ ‬‮«‬التوازن‮»‬،‭ ‬في‭ ‬نهجه،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬أحداث‭ ‬‮«‬الخريف‭ ‬العربي‮»‬‭. ‬إنه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭! ‬

وأنا‭ ‬كتبت‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬مساء‭ ‬الفرز‭ ‬في‭ ‬الأصوات‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي‭: ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬فرز‭ ‬73،‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬50,91%‭ ‬لأردوغان‭ ‬مقابل‭ ‬43,22%‭ ‬لـأوغلو‭! ‬أي‭ ‬إن‭ ‬النتائج‭ ‬رغم‭ ‬تقاربها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬‮«‬أردوغان‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬صورته‭ ‬استطلاعات‭ ‬واستبانات‭ ‬للرأي‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬أن‭ ‬المعارضة‭ ‬ستكون‭ ‬متقدمة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬كمال‭ ‬كليجدار‭ ‬أوغلو‮»‬‭ ‬سيفوز‭ ‬من‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى‭! ‬ولكأنها‭ ‬استطلاعات‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬تمنيات‭ ‬غربية‭ ‬بفوز‭ ‬المعارضة‭ ‬التي‭ ‬يدعمها‭ ‬الغرب‭! ‬بعد‭ ‬20‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬‮«‬أردوغان‮»‬‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬فصولها‭ (‬انحيازاً‭ ‬أردوغانياً‭) ‬للمخطط‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬ولاحقته‭ ‬التهمة‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أدوات‭ ‬هذا‭ ‬المخطط،‭ ‬بدعمه‭ ‬المباشر‭ ‬للإخوان‭ ‬واحتوائهم‭ ‬وما‭ ‬جره‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وليبيا‭ ‬تحديداً‭! ‬ولكن‭ ‬‮«‬أردوغان‮»‬‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وبعد‭ ‬النكسات‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬‭ ‬ومشروعهم‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬راجع‭ ‬دوره،‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬المخطط‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطي،‭ ‬ليعمل‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬والسعودية‭ ‬والعرب،‭ ‬بل‭ ‬وليناور‭ ‬في‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬والعراق‭!‬

‭ ‬أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬فابتعد‭ ‬مسافة‭ ‬عن‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬لتحدث‭ ‬الخلافات‭ ‬سواء‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬الأزمات‭ ‬العربية،‭ ‬أو‭ ‬الاقتراب‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬روسيا‭! ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬التغير‭ ‬السياسي،‭ ‬وإن‭ ‬بدا‭ ‬طفيفا‭ ‬لدى‭ ‬البعض،‭ ‬وحادا‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬الآخر،‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬‮«‬أردوغان‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يحكم‭ ‬دولة‭ ‬محورية‭ ‬كتركيا‭ ‬وعضو‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬يتعرض‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬الغربي‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬أدوات‭ ‬جديدة‭ ‬تحكم‭ ‬تركيا‭! ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أردوغان‮»‬‭ ‬اتهم‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬مباشرة‭ ‬بأنها‭ ‬وراء‭ ‬انقلاب‭ ‬2016‭!‬

{‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬من‭ ‬سيأتي‭ ‬لحكم‭ ‬تركيا،‭ ‬فالمتابع‭ ‬العربي‭ ‬يهمه‭ ‬الصيغة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬يبديها‭ ‬أردوغان‭ ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الملفات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لتركيا‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬أزماتها‭! ‬مثلما‭ ‬يهمه‭ ‬موقف‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬دولاً‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭!‬

ويهم‭ ‬الجانب‭ ‬العربي‭ ‬الكف‭ ‬التركي‭ ‬عن‭ ‬التدخلات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬وقطر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬الخليجي‭! ‬ولأن‭ ‬العالم‭ ‬يتغير‭ ‬ويتحوّل،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬التوازن‭ ‬التركي‮»‬‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬والتوازن‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين،‭ ‬له‭ ‬انعكاساته‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تؤيد‭ ‬موقف‭ ‬الحياد‭ ‬وتعدّد‭ ‬القطبية‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭!‬

{‭ ‬المعارضة‭ ‬الموحدة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬‮«‬أردوغان‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬توليه‭ ‬السلطة،‭ ‬ستواجه‭ ‬بدورها،‭ ‬الملفات‭ ‬الداخلية‭ ‬والملفات‭ ‬الخارجية،‭ ‬سواء‭ ‬ملفات‭ ‬التضخم‭ ‬والاقتصاد‭ ‬التركي‭ ‬وخسارة‭ ‬الليرة‭ ‬التركية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60%‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬وهي‭ ‬أهم‭ ‬الملفات‭ ‬الداخلية،‭ ‬أو‭ ‬الملفات‭ ‬الخارجية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬وروسيا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬‮«‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‮»‬‭ ‬الراهنة‭! ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وروسيا‭ ‬ارتفع‭ ‬إلى‭ ‬100%‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الحاكم‭ ‬الجديد‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬مطلوب‭ ‬منه‭ ‬إتقان‭ ‬لعبة‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الغرب‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭ ‬وبين‭ ‬روسيا‭ ‬المتطلعة‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬يقف‭ ‬الغرب‭ ‬ضده‭! ‬وقد‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ملف‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬الذين‭ ‬يبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ5‭ ‬ملايين‭ ‬لاجئ،‭ ‬هو‭ ‬التحدي‭ ‬الكبير‭ ‬أيضاً‭ ‬للرئاسة‭ ‬الجديدة،‭ ‬وربما‭ ‬سبباً‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬تفاهمات‭ ‬مختلفة‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭! ‬ولأن‭ ‬تركيا‭ ‬دولة‭ ‬محورية‭ ‬فمن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬استقلالها‭ ‬السياسي‭ ‬عن‭ ‬الأجندات‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬إن‭ ‬أرادت‭ ‬تحسين‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحسين‭ ‬فرص‭ ‬الخروج‭ ‬من‭  ‬أزماتها‭ ‬الاقتصادية‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا