عالم يتغير
فوزية رشيد
من يطفئ حرائق السودان!
{ في زمن رمضان بما يحمله من إضاءات روحية قد لا يدركها الجميع، وسط الانشغال بروتين التحضيرات الرمضانية من أكل وشرب ومقاهي سهر وشيشة، والانشغال بما تحمله دراما المسلسلات والبرامج من غثّ يضيع بينها القليل السمين، كانت مفاجأة أحداث السودان!، وقد حسب المحللوّن أن أغلب الأزمات العربية يتمّ تفكيك خيوطها من خلال مبادرات سعودية، فبعد إعلان الاتفاق السعودي / الإيراني، وبدء فكّ عقدة اليمن، والعمل على عودة سوريا إلى مقعد الجامعة العربية، والانخراط العربي في العراق مجدّدًا، سرعان ما اشتعلت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، لتزيد الطين بِلةّ في السودان!
{ السعودية ومعها بعض الدول العربية على رأسها مصر، تعمل على إطفاء الحرائق المشتعلة منذ سنوات طويلة في المنطقة العربية، لتهيئة أرضيتها لعوامل التنمية والاستقرار والنهوض الاقتصادي، ولكن هناك من يستهدف هذه المنطقة وهذا النهوض منذ عقود بل وقرون، بحيث يكون زادها الدائم هو الصراعات والحروب والأزمات!، وما أن تنطفئ نار حرب حتى تعمل أيادي الغرب على إشعال أخرى، والأسباب معروفة لا تخرج عن حيزّ السيطرة الغربية التي تتغذى على ضعف هذه المنطقة، حين لا تجد أمامها الفكاك من أسر الصراعات التي تتداعى آثارها كقطع النرد، ما أن تسقط واحدة حتى تسقط معها القطع الأخرى!
{ السؤال: هل بإمكان أحد من الخارج أن يُشعل نار الحروب والصراعات والأزمات لولا وجود من يتعاون من الداخل معه؟!
وبما يخص السودان: لماذا لم يتم منذ البداية إدماج (قوات الدعم السريع) في الجيش السوداني؟! ولماذا لم يترك الجيش الفرصة المتاحة وبشكل سريع للانتقال إلى الحكم المدني، من خلال التدرّج المرحلي وإجراء انتخابات ذات مصداقية؟!
للجيش دور في أمن واستقرار البلد ولكن مكانه الطبيعي ليس هو السلطة وإنما ثكنات العسكر للدفاع عن السودان وأرضه ومنع مخططات تقسيمه أكثر فأكثر!
ولكن أيضًا يبدو أن الصراع على السلطة والأنانية المفرطة في ذلك الصراع، هو الذي حرّك بسرعة البرق الأحداث الدموية في السودان، وبمباركة أصحاب الأجندات ضد المنطقة العربية، لإعادة دورة الصراعات والحروب وضرب رؤية الاستقرار والتنمية، هي ليست في صالح هذا الغرب، خاصة إن كانت رؤية عربية بقيادة سعودية!
{ السودان الغني بالموارد والمياه والثروات ومئات الملايين من الأفدنة الصالحة للزراعة، إلى جانب الأرض البكر التي تحوي كميات هائلة من الذهب والنحاس واليورانيوم والمعادن الأخرى، كانت طوال تاريخها مطمعًا للخارج!
ولكن هذا الطمع الخارجي إن ترافق مع قصر نظر من يتحكمون في القوى الداخلية السياسية والاقتصادية والثقافية، ولا يرون أُبعد من مصالحهم وأنانيتهم، فلا بدّ أن يلتقي ذلك الخواء الداخلي مع الأصابع الخارجية، التي هدفها تحريك الأحداث ليس فقط للإضرار بالسودان وحده وإنما بكل دول الجوار العربية المستهدفة بدورها!
ومن يدفع الثمن كالعادة هو الشعب وشعوب المنطقة الأكثر تأثرًا، والدول التي تعمل على استعادة الاستقرار العربي، واليوم هي بالتحديد السعودية ودول خليجية ومصر!
{ لكأنه مسلسل عربي طويل ما أن يوشك أحد فصوله على الانتهاء، حتى يبدأ فصل جديد فيه! والغريب أن الأسباب أغلب الوقت هي ذاتها! أجندات خارجية وعناصر داخلية، إما يحكمها الجشع السلطوي أو الخيانة أو ضعف الانتماء الوطني! وبأيديهم يحرقون البلاد ويعيدونها إلى الخلف رغم مآسيها السابقة! وبأيدهم يموت من يموت من الشعب والعسكر جزء من الشعب أيضًا! وبأيديهم يتم حرق وتدمير المؤسسات والبنية التحتية التي تعاني من ضعف وتدهور مزمن أصلاً! فيما الشعوب العربية تصاب كل مرة بالحيرة جراء الأحداث الدموية التي تتداخل وتتشابك بخيوط داخلية وخارجية، وكأن كاتب السيناريو ذو رؤية دموية لا ترتوي من الدماء! ولكأن المخرج بدوره متعطش طوال الوقت للعنف والحرائق والنيران! ما يحدث في السودان أمر مؤسف، وتداعياته لا تقلّ خطورة عن ما سبق في دول عربية أخرى وقعت في هاوية الفوضى والعنف، والغريب أنها اشتعلت في شهر فضيل واستمرت، حتى والعرب والمسلمين يحتفلون بالعيد، فحرموا الشعب السوداني من روحانية هذا الشهر وفرحة العيد! حمى الله السودان من شرور المتربصيّن ومن يريد بها مكرًا وخديعة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك