العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الخارطة الذهنية لسورة الكهف والدرس الإلهي!

{‭ ‬أغلب‭ ‬المسلمين‭ ‬يقرأون‭ ‬‮«‬سورة‭ ‬الكهف‮»‬‭ ‬كل‭ ‬جمعة،‭ ‬لأهميتها‭ ‬وقيمتها‭ ‬النورانية‭ ‬للإنسان‭ ‬بين‭ ‬جمعة‭ ‬وأخرى،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬نهايات‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬ارتأيت‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬هذه‭ ‬السورة‭ ‬من‭ ‬قرب‭ ‬ونقرأ‭ ‬خارطتها‭ ‬الذهنية،‭ ‬التي‭ ‬تتوزع‭ ‬بين‭ ‬4‭ ‬قصص‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الفتن‭ ‬التي‭ ‬يمّر‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وهي‭ (‬فتنة‭ ‬الدين‭) ‬في‭ ‬قصة‭ ‬أهل‭ ‬الكهف‭! ‬و‭(‬فتنة‭ ‬المال‭ ‬والولد‭) ‬في‭ ‬قصة‭ ‬صاحب‭ ‬الجنتين‭! ‬و‭(‬فتنة‭ ‬العلم‭) ‬في‭ ‬قصة‭ ‬موسى‭ ‬والخضر‭! ‬و‭(‬فتنة‭ ‬السلطة‭) ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬ذو‭ ‬القرنين‮»‬‭ ‬ووسط‭ ‬السورة‭ ‬يظهر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إبليس‮»‬‭ ‬محرّك‭ ‬خيوط‭ ‬الفتنة‭ (‬أفتتخذونه‭ ‬وذريته‭ ‬أولياء‭ ‬وهم‭ ‬لكم‭ ‬عدو‭ ‬بئس‭ ‬للظالمين‭ ‬بدلاً‭) ‬الآية‭ ‬50‭ ‬الكهف‭.‬

{‭ ‬قصة‭ ‬أصحاب‭ ‬الكهف‭ (‬فتنة‭ ‬الدين‭) ‬قصة‭ ‬لشباب‭ ‬مؤمن‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬كافرة،‭ ‬فعزموا‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭ ‬والفرار‭ ‬بدينهم‭ ‬بعد‭ ‬مواجهة‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬قومهم‭! ‬كافأهم‭ ‬الله‭ ‬برحمة‭ ‬الكهف‭ ‬ورعاية‭ ‬الشمس،‭ ‬لعدة‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬السنين،‭ ‬حين‭ ‬استيقظوا‭ ‬وجدوا‭ ‬القرية‭ ‬كلها‭ ‬مؤمنة‭! ‬لتتحوّل‭ ‬قصتهم‭ ‬حتى‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬لفتنة‭ ‬الدين،‭ ‬وقد‭ ‬ظنوا‭ ‬أنهم‭ ‬مكثوا‭ ‬في‭ ‬الكهف‭ ‬فقط‭ ‬يوماً‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬يوم‭! ‬قصة‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬إعجاز‭ ‬قرآني‭ ‬حول‭ ‬أن‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬باقٍ‭ ‬وينتشر‭!‬

{‭ ‬قصة‭ ‬صاحب‭ ‬الجنتين‭ (‬فتنة‭ ‬المال‭ ‬والولد‭) ‬هي‭ ‬قصة‭ ‬رجل‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬بالمال‭ ‬والولد،‭ ‬فنسي‭ ‬واهب‭ ‬النعمة‭ ‬الله‭! ‬فطغى‭ ‬وتجرأ‭ ‬على‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬ثوابت‭ ‬الإيمان‭ ‬بالطعن‭ ‬والشك‭ ‬في‭ ‬البعث‭! ‬ولم‭ ‬يحسن‭ ‬شكر‭ ‬النعمة‭ ‬رغم‭ ‬تذكرة‭ ‬صاحبه‭ ‬له‭! ‬فعاقبه‭ ‬الله‭ ‬بهلاك‭ ‬الزرع‭ ‬والثمر،‭ ‬ليصاب‭ ‬بالندم‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬الندم‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬موسى‭ ‬والخضر‭ (‬فتنة‭ ‬العلم‭) ‬عندما‭ ‬سئل‭ ‬‮«‬موسى‮»‬‭ ‬كما‭ ‬تروي‭ ‬كتب‭ ‬التفسير‭: ‬من‭ ‬أعلم‭ ‬أهل‭ ‬الأرض؟‭! ‬قال‭ ‬موسى‭: ‬أنا،‭ ‬فأوحى‭ ‬الله‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أعلم‭ ‬منه،‭ ‬فسافر‭ ‬ليتعلّم‭ ‬منه‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحكمة‭ ‬الإلهية‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تغيب‭ ‬أحياناً‭ ‬عن‭ ‬الناس،‭ ‬ولكن‭ ‬مدبّرها‭ ‬حكيم،‭ ‬ومحال‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬شيء‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬أو‭ ‬حصل‭ ‬عبثاً‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬ذو‭ ‬القرنين‮»‬‭ (‬فتنة‭ ‬السلطة‭) ‬تروى‭ ‬الآيات‭ ‬قصة‭ ‬الملك‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والقوة‭ ‬وطاف‭ ‬الأرض‭ ‬يساعد‭ ‬الناس‭ ‬وينشر‭ ‬الخير،‭ ‬وكيف‭ ‬تغلّب‭ ‬‮«‬ذو‭ ‬القرنين‮»‬‭ ‬على‭ ‬‮«‬يأجوج‭ ‬ومأجوج‮»‬‭ ‬ببناء‭ ‬السدّ،‭ ‬واستطاع‭ ‬توظيف‭ ‬طاقات‭ ‬قوم‭ ‬يكادون‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬قولاً‭! ‬ليبيّن‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬حين‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬من‭ ‬يخشى‭ ‬الله،‭ ‬فإنها‭ ‬تنتج‭ ‬الخير‭ ‬والتغلب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الصعاب‭ ‬بتوظيف‭ ‬طاقات‭ ‬من‭ ‬حوله‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬السورة‭ ‬هناك‭ ‬إشارات‭ ‬واضحة‭ ‬لقوارب‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬الفتن‭ ‬تبدأ‭ ‬بمعرفة‭ ‬حقيقية‭ ‬الدنيا،‭ ‬والصحبة‭ ‬الصالحة،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬والتواضع،‭ ‬والإخلاص،‭ ‬وتذكّر‭ ‬الآخرة،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يحدث‭ ‬وراءه‭ ‬حكمة‭ ‬إلهية‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يفقها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭!‬

وحول‭ ‬معرفة‭ ‬حقيقة‭ ‬الدنيا‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬واضرب‭ ‬لهم‭ ‬مثل‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬كماء‭ ‬أنزلناه‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬فاختلط‭ ‬به‭ ‬نبات‭ ‬الأرض‭ ‬فأصبح‭ ‬هشيماً‭ ‬تذروه‭ ‬الرياح‭ ‬وكان‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مقتدراً‭) ‬الكهف‭ ‬الأية‭ (‬‮٤٥‬‭).‬

ولذلك‭ ‬فخير‭ ‬معين‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الفتن‭ ‬هي‭ ‬الصحبة‭ ‬الصالحة‭ (‬واصبر‭ ‬نفسك‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬يدعون‭ ‬ربهم‭ ‬بالغداة‭ ‬والعشي‭ ‬يريدون‭ ‬وجهه‭ ‬ولا‭ ‬تعد‭ ‬عيناك‭ ‬عنهم‭ ‬تريد‭ ‬زينة‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬ولا‭ ‬تُطع‭ ‬من‭ ‬أغفلنا‭ ‬قلبه‭ ‬عن‭ ‬ذكرنا‭ ‬واتبع‭ ‬هواه‭ ‬وكان‭ ‬أمره‭ ‬فرطاً‭) ‬الكهف‭ ‬الأية‭ (‬‮٢٨‬‭).‬

{‭ ‬ستبقى‭ ‬الفتن‭ ‬الأربع‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الفتن‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬مكابدات‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يعبد‭ ‬غير‭ ‬الله‭ (‬فتنة‭ ‬الدين‭)! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يفتن‭ ‬نفسه‭ ‬بالمال‭ ‬فيصبح‭ ‬معبوده‭ (‬فتنة‭ ‬المال‭)! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬علماً،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يسيء‭ ‬استخدام‭ ‬العلم‭ ‬سواء‭ ‬الدنيوي‭ ‬أو‭ ‬الديني‭ (‬فتنة‭ ‬العلم‭)! ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يمارس‭ ‬السلطة‭ ‬لظلم‭ ‬العباد‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬حجم‭ ‬المسؤولية‭ ‬التي‭ ‬يتحملّها‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ (‬فتنة‭ ‬السلطة‭)! ‬لتصبح‭ ‬هذه‭ ‬السورة‭ (‬الكهف‭) ‬التي‭ ‬وصّى‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬بقراءتها‭ ‬كل‭ ‬جمعة،‭ ‬تذكرة‭ ‬للإنسان‭ ‬من‭ ‬الفتن‭ ‬الأربع‭ ‬وغيرها‭! ‬ونوراً‭ ‬ينير‭ ‬طريقه‭ ‬حين‭ ‬يتدبّر‭ ‬آيات‭ ‬السورة‭ ‬وقصصها،‭ ‬فيعرف‭ ‬حقيقة‭ ‬الدنيا‭ ‬الزائلة،‭ ‬وأن‭ ‬قوارب‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬فتنها‭ ‬بيده‭ ‬إن‭ ‬فهم‭ ‬‮«‬الدرس‭ ‬الإلهي‮»‬‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الكهف‭! ‬وفي‭ ‬آخر‭ ‬الزمان‭ ‬ستظهر‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الفتن‭ ‬بكثرة‭ ‬ومنها‭ ‬يتعوّذ‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬فتنة‭ ‬الدجّال‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا