عالم يتغير
فوزية رشيد
بين سيكولوجية البشر وسيكولوجية الحياة!
{ للحياة مذاقات وإطلالات وتقلبات وتحولات توجز بعض الشيء جزءاً من سيكولوجيتها، فذات اللحظة هي جميلة ومفرحة ومدهشة للبعض، ولكنها حزينة ومفزعة للبعض الآخر! الشمس ذاتها تشرق على الجميع، ولكنها تحمل دلالات مختلفة لكل فرد على ظهر هذه الأرض! فهي بداية إشراق لمن يعيش إشراقة حياته وهي استمرار لعتمة، رغم بزوغها لمن حبس نفسه في عتمة ليله الطويل! هكذا تتفاعل سيكولوجية البشر مع سيكولوجية الحياة، ويتفاعل وعيه الخاص مع الوعي الكوني الذي يعطي كل فرد من الطاقة الكونية بقدر ما يستدعي فيها هو تلك الطاقة، التي تبذل نفسها بعدالة على كل الكائنات غير الواعية، ولكنها تشتبك مع الإنسان وتعطيه بقدر وعيه بها وبقدر ما يستدعي جمالياتها ويبتعد عن ما يعتقد أنه قبيح فيها!
{ بين البشر والحياة سرديات كثيرة وكبيرة ومطولة، ينغمس البعض في عتمة ليلها، فيما يلتحم البعض بكل إشراقة فيها! وبين الحب والكراهية، والإيثار والأنانية، والقناعة والطمع، والتضحية والجشع، والوفاء والخيانة، تتناسل الحكايات الإنسانية وتتشعب، تكبر أو تصغر، تتعقد أو تتيسر، فالوعي الإنساني هو الذي يحكي القصة التي يريدها، ولأن الوعي يستوجب الاختيار، فهو يختار لنفسه التعقيد في الحبكة أو تبسيطها، حتى تمر الحياة بنهايات بسيطة أو معقدة بدورها! ولكن ما البوصلة التي تأخذه إلى محطات القصص الجميلة أو الحانية، وتبعده عن ميلودراما العلاقات مع البشر والحياة؟!
{ الحياة كما خلقها الله قصة رائعة، تتدخل فيها الذات الإنسانية فتحيل روعتها إلى تعقيد وعتمة بسبب إما الأنانيات أو الجشع أو الطمع أو الغرور أو الحقد أو الكراهية أو الحسد، وما إن تدخل تلك السيكولوجية البشرية المريضة على سيكولوجية الحياة المعطاءة، فإنها تحيل كل ما هو جميل إلى قبح، وكل ما هو بسيط إلى معقد وكل ما هو رائع إلى عتمة!
ماذا لو تخلص الإنسان من كل ما يعتمل في نفسه من طاقات سلبية؟! أو من السبل التي تدفع به إلى الكذب أو النفاق أو التلون؟! ألن يرى الأمور والحياة من منظار آخر؟! ألن يدرك حينها قيمة الرحمة والتعاطف بين البشر وقيمة الرأفة؟! ألن يتواضع أمام الحياة الزاخرة بكل العطاءات ولكنها تقدمها بكل بساطة وتواضع رغم ما فيها من قيمة كبيرة؟!
قد تكون الحياة قاسية أحياناً وبشكل كبير، ولكنها القسوة التي رسمها الإنسان نفسه بريشة السواد الذي بداخل النفوس! فكل الصفات السلبية في الإنسان تترجم نفسها إلى لون أسود، يقع تأثيره في مجرى الحياة الخاصة والعامة، وأكبر المؤثرين هم الأنانيون والجشعون حين يمسكون بقيادة الآخرين! هؤلاء تأخذ صفاتهم السلبية طابع التعميم على البشر أو الشعوب لتتناسل بعدها ردود الأفعال السلبية أيضا، فتتدمر حيوات أفراد ومسارات شعوب ودول! في النهاية الإنسان هو من صنع مأساته ومآسي من حوله إن كان في موقع التأثير العام!
{ كثيرون يعتقدون بتصرفاتهم أنهم (مخلدون) في هذه الحياة العابرة، وينسون أنهم مجرد عابرين بين الولادة والموت، وهو العبور الذي يستحق النظر إلى الحياة بما تستحق وبما أعطته وتعطيه، وبما وفرته من خيرات ونِعم في الأرض، وبما أضافته إلى الوعي الإنساني من صلات روحية بخالق الكون!
الإنسان هو الذي يكتب ملحمة الحياة سواء في داخله أو في بلده أو تجاه الآخرين! هو الذي يكتب القصص المرعبة أو الكئيبة أو يسرد ملاحم البطولات الذاتية والوطنية! هو الذي يؤلف حياته بما يفعله بذاته وفي ذاته، وبما يفعله لمن حوله! ولأن الحياة عميقة جداً، والعمر قصير جداً بالنسبة إلى عمر الكون والخليقة، فهل تستحق من الإنسان كل هذا التعقيد؟! هل تستحق أن نبادل جمالها بالقبح، وروعتها بالخبث، وحبها بالكراهية، وتواضعها بالغرور، وعطاءها بالجشع والطمع؟!
ألسنا نحن من نصنع الحكايات ونرسم في الحياة اللوحات، ونقود مركبة العقل والنفس إما للبناء وإما للتدمير! سيكولوجية الحياة إن عرفنا كيف نتعامل معها تحتاج إلى سيكولوجية بشر أسوياء! ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك