العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

بين سيكولوجية البشر وسيكولوجية الحياة!

{‭ ‬للحياة‭ ‬مذاقات‭ ‬وإطلالات‭ ‬وتقلبات‭ ‬وتحولات‭ ‬توجز‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬سيكولوجيتها،‭ ‬فذات‭ ‬اللحظة‭ ‬هي‭ ‬جميلة‭ ‬ومفرحة‭ ‬ومدهشة‭ ‬للبعض،‭ ‬ولكنها‭ ‬حزينة‭ ‬ومفزعة‭ ‬للبعض‭ ‬الآخر‭! ‬الشمس‭ ‬ذاتها‭ ‬تشرق‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬ولكنها‭ ‬تحمل‭ ‬دلالات‭ ‬مختلفة‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭! ‬فهي‭ ‬بداية‭ ‬إشراق‭ ‬لمن‭ ‬يعيش‭ ‬إشراقة‭ ‬حياته‭ ‬وهي‭ ‬استمرار‭ ‬لعتمة،‭ ‬رغم‭ ‬بزوغها‭ ‬لمن‭ ‬حبس‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬ليله‭ ‬الطويل‭! ‬هكذا‭ ‬تتفاعل‭ ‬سيكولوجية‭ ‬البشر‭ ‬مع‭ ‬سيكولوجية‭ ‬الحياة،‭ ‬ويتفاعل‭ ‬وعيه‭ ‬الخاص‭ ‬مع‭ ‬الوعي‭ ‬الكوني‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الكونية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬الطاقة،‭ ‬التي‭ ‬تبذل‭ ‬نفسها‭ ‬بعدالة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الكائنات‭ ‬غير‭ ‬الواعية،‭ ‬ولكنها‭ ‬تشتبك‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬وتعطيه‭ ‬بقدر‭ ‬وعيه‭ ‬بها‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬جمالياتها‭ ‬ويبتعد‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬قبيح‭ ‬فيها‭!‬

{‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬والحياة‭ ‬سرديات‭ ‬كثيرة‭ ‬وكبيرة‭ ‬ومطولة،‭ ‬ينغمس‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬ليلها،‭ ‬فيما‭ ‬يلتحم‭ ‬البعض‭ ‬بكل‭ ‬إشراقة‭ ‬فيها‭! ‬وبين‭ ‬الحب‭ ‬والكراهية،‭ ‬والإيثار‭ ‬والأنانية،‭ ‬والقناعة‭ ‬والطمع،‭ ‬والتضحية‭ ‬والجشع،‭ ‬والوفاء‭ ‬والخيانة،‭ ‬تتناسل‭ ‬الحكايات‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتتشعب،‭ ‬تكبر‭ ‬أو‭ ‬تصغر،‭ ‬تتعقد‭ ‬أو‭ ‬تتيسر،‭ ‬فالوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحكي‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬يريدها،‭ ‬ولأن‭ ‬الوعي‭ ‬يستوجب‭ ‬الاختيار،‭ ‬فهو‭ ‬يختار‭ ‬لنفسه‭ ‬التعقيد‭ ‬في‭ ‬الحبكة‭ ‬أو‭ ‬تبسيطها،‭ ‬حتى‭ ‬تمر‭ ‬الحياة‭ ‬بنهايات‭ ‬بسيطة‭ ‬أو‭ ‬معقدة‭ ‬بدورها‭! ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬البوصلة‭ ‬التي‭ ‬تأخذه‭ ‬إلى‭ ‬محطات‭ ‬القصص‭ ‬الجميلة‭ ‬أو‭ ‬الحانية،‭ ‬وتبعده‭ ‬عن‭ ‬ميلودراما‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬البشر‭ ‬والحياة؟‭!‬

{‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬خلقها‭ ‬الله‭ ‬قصة‭ ‬رائعة،‭ ‬تتدخل‭ ‬فيها‭ ‬الذات‭ ‬الإنسانية‭ ‬فتحيل‭ ‬روعتها‭ ‬إلى‭ ‬تعقيد‭ ‬وعتمة‭ ‬بسبب‭ ‬إما‭ ‬الأنانيات‭ ‬أو‭ ‬الجشع‭ ‬أو‭ ‬الطمع‭ ‬أو‭ ‬الغرور‭ ‬أو‭ ‬الحقد‭ ‬أو‭ ‬الكراهية‭ ‬أو‭ ‬الحسد،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تدخل‭ ‬تلك‭ ‬السيكولوجية‭ ‬البشرية‭ ‬المريضة‭ ‬على‭ ‬سيكولوجية‭ ‬الحياة‭ ‬المعطاءة،‭ ‬فإنها‭ ‬تحيل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬إلى‭ ‬قبح،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بسيط‭ ‬إلى‭ ‬معقد‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رائع‭ ‬إلى‭ ‬عتمة‭!‬

ماذا‭ ‬لو‭ ‬تخلص‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعتمل‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬طاقات‭ ‬سلبية؟‭! ‬أو‭ ‬من‭ ‬السبل‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الكذب‭ ‬أو‭ ‬النفاق‭ ‬أو‭ ‬التلون؟‭! ‬ألن‭ ‬يرى‭ ‬الأمور‭ ‬والحياة‭ ‬من‭ ‬منظار‭ ‬آخر؟‭! ‬ألن‭ ‬يدرك‭ ‬حينها‭ ‬قيمة‭ ‬الرحمة‭ ‬والتعاطف‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬وقيمة‭ ‬الرأفة؟‭! ‬ألن‭ ‬يتواضع‭ ‬أمام‭ ‬الحياة‭ ‬الزاخرة‭ ‬بكل‭ ‬العطاءات‭ ‬ولكنها‭ ‬تقدمها‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬وتواضع‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬كبيرة؟‭!‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬الحياة‭ ‬قاسية‭ ‬أحياناً‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير،‭ ‬ولكنها‭ ‬القسوة‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬بريشة‭ ‬السواد‭ ‬الذي‭ ‬بداخل‭ ‬النفوس‭! ‬فكل‭ ‬الصفات‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬تترجم‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬لون‭ ‬أسود،‭ ‬يقع‭ ‬تأثيره‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬الحياة‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة،‭ ‬وأكبر‭ ‬المؤثرين‭ ‬هم‭ ‬الأنانيون‭ ‬والجشعون‭ ‬حين‭ ‬يمسكون‭ ‬بقيادة‭ ‬الآخرين‭! ‬هؤلاء‭ ‬تأخذ‭ ‬صفاتهم‭ ‬السلبية‭ ‬طابع‭ ‬التعميم‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬أو‭ ‬الشعوب‭ ‬لتتناسل‭ ‬بعدها‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬السلبية‭ ‬أيضا،‭ ‬فتتدمر‭ ‬حيوات‭ ‬أفراد‭ ‬ومسارات‭ ‬شعوب‭ ‬ودول‭! ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬مأساته‭ ‬ومآسي‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬التأثير‭ ‬العام‭! ‬

{‭ ‬كثيرون‭ ‬يعتقدون‭ ‬بتصرفاتهم‭ ‬أنهم‭ (‬مخلدون‭) ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬العابرة،‭ ‬وينسون‭ ‬أنهم‭ ‬مجرد‭ ‬عابرين‭ ‬بين‭ ‬الولادة‭ ‬والموت،‭ ‬وهو‭ ‬العبور‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬بما‭ ‬تستحق‭ ‬وبما‭ ‬أعطته‭ ‬وتعطيه،‭ ‬وبما‭ ‬وفرته‭ ‬من‭ ‬خيرات‭ ‬ونِعم‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وبما‭ ‬أضافته‭ ‬إلى‭ ‬الوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬صلات‭ ‬روحية‭ ‬بخالق‭ ‬الكون‭!‬

الإنسان‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يكتب‭ ‬ملحمة‭ ‬الحياة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬أو‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين‭! ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يكتب‭ ‬القصص‭ ‬المرعبة‭ ‬أو‭ ‬الكئيبة‭ ‬أو‭ ‬يسرد‭ ‬ملاحم‭ ‬البطولات‭ ‬الذاتية‭ ‬والوطنية‭! ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يؤلف‭ ‬حياته‭ ‬بما‭ ‬يفعله‭ ‬بذاته‭ ‬وفي‭ ‬ذاته،‭ ‬وبما‭ ‬يفعله‭ ‬لمن‭ ‬حوله‭! ‬ولأن‭ ‬الحياة‭ ‬عميقة‭ ‬جداً،‭ ‬والعمر‭ ‬قصير‭ ‬جداً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬عمر‭ ‬الكون‭ ‬والخليقة،‭ ‬فهل‭ ‬تستحق‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التعقيد؟‭! ‬هل‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬نبادل‭ ‬جمالها‭ ‬بالقبح،‭ ‬وروعتها‭ ‬بالخبث،‭ ‬وحبها‭ ‬بالكراهية،‭ ‬وتواضعها‭ ‬بالغرور،‭ ‬وعطاءها‭ ‬بالجشع‭ ‬والطمع؟‭!‬

ألسنا‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬نصنع‭ ‬الحكايات‭ ‬ونرسم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اللوحات،‭ ‬ونقود‭ ‬مركبة‭ ‬العقل‭ ‬والنفس‭ ‬إما‭ ‬للبناء‭ ‬وإما‭ ‬للتدمير‭! ‬سيكولوجية‭ ‬الحياة‭ ‬إن‭ ‬عرفنا‭ ‬كيف‭ ‬نتعامل‭ ‬معها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬سيكولوجية‭ ‬بشر‭ ‬أسوياء‭! ‬ولن‭ ‬يغير‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬بقوم‭ ‬حتى‭ ‬يغيروا‭ ‬ما‭ ‬بأنفسهم‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا