عالم يتغير
فوزية رشيد
الدعاء وحرية الاختيار!
{ هو الله أقرب إلينا من حبل الوريد! وهو القريب الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه! وفي هذا ربط بين الدعاء وإجابته، من منّا حين تضيق به السبل، أو لا يجد بيده حلا لشكواه، سواء من مرض أو ابتلاء أو بلاء لا يتوجه إلى الله؟! حينها يتوجه بكل عجزه إلى الله ليفرج عنه حاله، ويزيل ما تراكم عليه من هموم، فهو باختياره وبحريته في الاختيار لجأ إلى خالقه، وهذا تحقيق لمعنى الدعاء إلى الله بالتوكل عليه، وبعلمه في الحاجة إليه، لذلك اعتبر «الدعاء مخ العبادة» لأن فيه يتحقق معنى الحاجة إلى الله ومعنى التوكل عليه في الإجابة، وشرطه الإيمان!
{ بالدعاء وحده يتّم ردّ القضاء، لأن حرية الله «المطلقة» أسبغت على الانسان حريّة الاختيار والتوجه إليه، وهو الذي لا يتدخّل في مسارات الإنسان (الاختيارية) لأن الخير والشرّ وجهان للامتحان، إلا إذا شعر الإنسان بعجزه وعجز قدرته، جاء دعاؤه، أو توجهه إلى خالقه اختياريا يطلب العون ممن خلقه وحده، ولا يشتكي إلا له وحده، ويدعوه بكل الأدعية لإصلاح أمره، أو فكّ أزمته أيا كانت، وفي هذا التوجّه إلى الله تحقيق لحرية الاختيار!، وطلب من الإنسان، بالتدخل الإلهي بناء على إرادته الحرّة كإنسان!، ما يجعل الدعاء لجوء إلى القوة الإلهية وقدرتها وعزتها، في صراع الإنسان بين الخير والشر، وبين الضيق وطلب الفرج من الله وحده، فالطبيعة البشرية مرتبطة بالقوة العليا، وأكثر ما يستشعر به الإنسان ذلك الارتباط، حين يصل الأمر به، إلى مرحلة اليأس فلا يجد أمامه إلاّ ضوء الإيمان بالله والثقة في قدرته المطلقة للخروج من يأسه، كما نادى النبي «يونس» من بطن الحوت (لا إله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين)، وكما دعا النبي يوسف ربّه ليبعد عنه الغواية فاستجاب لهما الله، وكثيرة هي أدعية الأنبياء من النبي نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وصولاً إلى الرسول الأعظم! بل إن غالبية البشرية في ضيقها (تتوجه إلى الله وحده)!
{ كثيرة هي القصص الإنسانية التي بعبادة الدعاء والاستغفار، تتغيّر بهم الأحوال، سواء بما يشفي الجسد أو الروح، أو بما يُسهل أموراً حياتية تكون قد بلغت قمة الضيق فيها، فتنفرج بقدرة قادر وأقرب الدعاء عند السجود، حين يتوجّه القلب ببركة القرب من الله، طالباً تحقيق مراده، وهو في قمة يأسه وعجزه وذلّه إلى الله، فيشعّ ذلك الرباط الروحي، بيقين أن الفرج بيد من خلقه وحده، ليختبر الإنسان هنا (بُعداً غيبياً) يوقن فيه باستجابة القدير لإخراجه من ضيقه أو مرضه أو حاجته، أو دعائه بإصلاح شأنه كله!
{ هو الرباط والاختيار ومعرفة عجز الطبيعة البشرية أمام القدرة المطلقة، حين تتوجّه بكامل إرادتك وحريتك إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك يكون الدعاء من قلب مهموم وتوكلّ أبلغ تعبير للعبادة إلى جانب العبادات الأخرى، يختبر فيها تلك (الصلة الغيبية مع المطلق وهو الكائن المحدود) مثلما يختبر فيها رفع الظلم إن كان مظلوماً، حتى جاء التحذير دائماً من دعاء المظلوم وتحسبه على الظالم، لأن مفاعيل الإجابة لها واضحة!
{ والإنسان الذي يكابد إلى الله حتى يلاقيه، يمرّ بكل المكابدات عبر الصبر والدعاء، وهو مدرك أن الطريق إلى الله يسهل حين يدرك الصلة بين محدوديته والمطلق في القدرة الإلهية، في إعانته بالإيمان والاستقامة والدعاء كشرط لتلك الصلة! والله الذي خلق الإنسان محدوداً، ساعده على السير في طريقه، وقد هيّأه عبر برمجة عقله وجسده بثمار الإيمان والتوكّل والصبر والدعاء، ومن دون الله لا يستطيع الإنسان مواجهة شرور الحياة، رغم وهم البعض بغير ذلك! وحتى أولئك «الواهمون» حين تضيق بهم كل السبل، وعيهم الباطني يستجير بعون الله!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك