عالم يتغير
فوزية رشيد
جدلية الإيمان والإلحاد!
{ متابعة لتأملات هذا الشهر الدينية! والوقوف أمام بعض الظواهر «اللادينية» أو «الإلحاد» الذي أصبح يكتسح حتى المجتمعات الإسلامية! بتأثيرات العلوم المادية، و(التفكير المادّي البحت) من البؤرة الغربية، وهيمنتها الفكرية والثقافية و(العِلمانية – بكسر العين) نتأمل ظاهرة الإيمان بالله وبالدين الإسلامي، كما تم للمعتقدات والشرائع في التوراة والإنجيل، وحيث في الإسلام وحده يتكامل المنظور الديني «الإيماني» مع المنظور التشريعي، فإن الإيمان محلّه «القلب» فيما «الإلحاد» محله التفكير العلمي المادي – والعملي– والذي حوّل بوصلته من عبادة الله إلى عبادة «العلم المادي»!
وباسم «حرية الاعتقاد» و«حرية التعبير» يتم اليوم تشجيع «الإلحاد» في العالم، بل وتصرف مخابرات دول غربية كبرى المليارات، لتكريس ونشر الإلحاد، خاصة في المجتمعات العربية والإسلامية! إلى الحدّ الذي يتم تخريج دعاة وأصحاب فتوى من معامل «البنتاجون» الإسلامية! وانتشر قبل فترة مفهوم غريب هو مفهوم «الإسلام الأمريكي»!
{ أساليب وطرق ملتوية لم تحظ بعد بدراسة معمقة من الباحثين في علوم الدين وعلوم الاجتماع، رغم أن تقارير كثيرة يتم تسريبها، وأخرى ما هو مكشوف، حول (الحرب الغربية القائمة، على التعاليم الدينية) وعلى الإسلام تحديداً، باعتباره آخر معيق في وجه (القيم الغربية اللاأخلاقية) التي يراد نشرها وتكريسها في العالم كله! (سبق وأن كتبت عن ذلك بالتفصيل)!
{ هناك فارق بين العلم الحقيقي الذي يسعى إلى إبراز (التكاملية في الوجود بين ما هو منظور وغير منظور)، وبين ما هو بُعد مادي وآخر بُعد غيبي!، وبين ما يمثل الفطرة الإنسانية، وما يمثل الخروج عن تلك الفطرة، في كل الوجود الإنساني، بدءاً من غذائه إلى دوائه إلى قيمه الإنسانية! ومن هنا تأخذ الحملة ضد الدين والإيمان أبعاداً (شيطانية)، في هذا الزمن الموصوف بأنه آخر الزمان، لتصبح حجة (التجارب المعملية – العلمية) والتطور العلمي والتكنولوجي، دافعاً لتكريس «عبادة العلم»! رغم أن العلم في النهاية مجرد وسيلة لتحقيق (المعرفة الكلية الحقيقية) بحقيقة الوجود الإنساني! والبحث في الأبعاد الروحية والغيبية لهذا الوجود بما فيه الإنسان! ومن الغيب يولد وإلى الغيب يرحل!
{ الإنسان خليفة الله في الأرض، ودافعه الحقيقي فيها هو المعرفة واكتمالها من خلال إدراك «النقد الغيبي» للإنسان، والإيمان بالله ومعرفة (النظام الكوني الدقيق) عبر «البحث العلمي»! خاصة أنه يحمل – أي الإنسان – في رحلته سرا غامضا عند ولادته وتطوراته المعرفية وسرا آخر بعد رحيله من الحياة! ومن دون هذه المعرفة المتكاملة والبحث فيها (بحكمة القلب وعقله)، يكون الإنسان تائها وعبثياً ومحكوماً بغرائزية حيوانية، تجعله لا يرى غاية أو هدفاً في الحياة إلا البحث عن السعادة الموهومة في الماديات! لا يضع حساباً لا للقيم ولا للأخلاق ولا للمبادئ ولا لفلسفة الرحلة الوجودية كخليفة على هذه الأرض، وهذا هو جوهر ما وصلت إليه «الحضارة الغربية» في عقودها الأخيرة، من إنكار لكل ضابط ورادع، وإيمان بكل ما هو منفلت وغرائزي وأناني في ظل معايير الرأسمالية المتوحشة والامبريالية، وصولاً إلى «إنكار وجود الله» حتى تأخذ الفوضى الفكرية والأخلاقية، أبعادها الكاملة! فما دمت تعيش هذه الحياة مرة واحدة، افعل إذًا ما شئت! ومارس كل ما شئت، فلا حساب ولا عقاب، ولا قيمة لما يحدث في الروح والنفس من شروخ وانقسامات وانتكاسات! لهذا السبب ينتشر الانتحار خاصة في المجتمعات الغربية؟! لقد تشبّع «المنتحرون» بالهمجية الغرائزية، أو باليأس من الحياة، وأكثر المشاكل النفسية تصيب الذين لا يؤمنون بوجود الله، وأن الحياة عبثية! وهو ما يجلب لهم أمراض الاكتئاب والتشتت الروحي، ففي الروح فراغ تزيده التعاليم الشيطانية!
{ بين أن تؤمن أو أن تُلحد، مسافة ضوئية في كيفية النظر إلى الوجود وغاياته، والنظر إلى الإنسان وغاية وجوده! وفي تلك المسافة تتوه الأفكار والنفوس، وقد تصارع نواميس الحياة الطبيعية والفطرية سواء في النظر إلى الذات، أو في النظر إلى علاقة الذات بالخالق، الذي وضع بيانه المبين للإنسان، حسب «البرمجة الإلهية» مؤمناً أو ملحداً! بل إن في تأكيد أحدهما (تعييناً) كالإيمان أو (وهما) كالإلحاد، تتمايز العقول والقلوب في رحلتها في هذه الحياة، التي يدرك الجميع أنها عابرة، والمؤمنون وحدهم يدركون أنها لم تأت من الصدفة، وأن بها قوانين صارمة تحكم النفس الإنسانية لتسمو أو تكون في الحضيض الروحي! مثلما لها قوانين صارمة كونية لا تتصل ببعضها أو تعطي موسيقاها المنسجمة، إلا حين يتواضع الإنسان أمام الخالق وكل ما خلقه في السموات والأرض! ولا يكون ذلك إلا حين تتحقق (حكمة القلب) التي لا تخضع لأية تجارب معملية علمية أو مادية فهي من شؤون الصلة بين المرئي وغير المرئي، وبين المادي وغير المادي! وبين الملموس وغير الملموس، وبين الوعي واللاوعي، وبين الظاهر والباطن!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك