عالم يتغير
فوزية رشيد
رمضان بدون الذين رحلوا!
{ في الثلاثة أعوام الأخيرة، وهو الزمن الذي دقّ فيه ناقوس البدء والانتشار لفيروس كورونا، تكاد تكون أغلب البيوت في المنطقة والعالم، عاشت إحدى حالتين: إما فقد أحبة وأعزاء، وإما إصابات تركت آثارها على الصحة العامة للغالبية! ولكن الفقد كان الأكثر إيلاماً، ورحيل الأحبة المقربين كالأمهات أو الآباء أو الأبناء والأقارب، هو الرحيل الذي ترك حزناً مضنياً في القلوب، وخاصة حين تأتي مناسبة كمناسبة الشهر الفضيل رمضان، ويعقبه العيد بدونهم!
{ في رمضان شهر المحبة والتواصل والبر نعيش المكان والغرف وهي خالية من رائحة أولئك الأحبة، وخاصة إن كان الراحل في العامين المنصرمين أمّا أو أبا أو.. فالذاكرة لا تزال طازجة من أثر الفقد، وفرحة رمضان ارتبطت بوجه الأم وشغفها الروحي بالله والنفسي بالأبناء، مثلما ارتبطت بالوجه الكادح للأب كعمود للبيت، مما يجعل المكان يعج بالذكريات ما بين ضجيج الأفراح وآلام الزمن، لتنسل تلك الرائحة التي ربطت العائلة ببعضها في دفء المواسم والمناسبات، ولكنها هذه المرّة قادمة من بعيد، كرفيق ذكرى مباغتة، أو كشجن عميق لا ينكفئ أن يباغت القلب ألما.
{ العائلة بدون الأم أو الأب أو أحد الإخوة أو أحد الأقرباء، ليست هي العائلة كما كانت!، ولا سكينة القلب كما كان، وإن كان مفعماً بالدعاء للذين رحلوا، وبالصدقات، وبالقبول بقضاء الله وسنّته في خلقه، بين من يبقى ومن يرحل، إلا أن لرمضان وحده بروحانيته وشفافية القلب وجعا من نوع خاص! فأين وجه أمي الذي اعتدته، وتلك القبلة على الرأس، وذلك الحضن الدافئ وقد أصبح مجرد حنين وشوق! وأين وجه أبي رغم أنه رحل منذ زمن بعيد، لكنه الوجه الأكثر إشعاعاً في الزمن الغائب، وقد كان السند والأمان ومتانة الحبل الذي يربطنا كإخوة معا! وتلك الضحكات الصافية الممزوجة بعرق التعب، وهو يفتح الباب حاملاً أكياساً مليئة بالخيرات!
{ معهم كان لرمضان نشوة أخرى، وبدونهم هناك سطر في زمن العمر انمحى كوجود وبقي كضباب حب لا ينمحي! لن أسمي رحيلهم وجعاً جارفاً فهو أكثر من ذلك! ولن أسميه حزن فراق الأعزّ، فهو أكثر عمقاً من ذلك!
هو إحساس لا يمكن ترجمته بالكلمات، لأنه فوق ذلك! قد تجرفنا الحياة أحياناً في مثابرتنا للبقاء فيها، بدون الذين رحلوا عنّا، ولكنها الحياة تختزل جنون الشوق إليهم في اللحظات المباغتة، أو في أكثر المناسبات قرباً إلى الله، في شهر يزهو أكثر بقرآنه الذي نزل فيه، فلا نملك إلا الارتحال معه، والقلب يلهج بالدعاء لكل أحبتنا الراحلين، بأن يجعلهم الله في دار البقاء وهم منعمون بجنانه، وأن الدوام لله وحده، وأننا جميعاً لله وإليه راجعون.
رحم الله أمهاتنا وآباءنا ومن فقدنا من الأقرباء، فقد كانوا أجمل هدايا الرحمن لنا والأكثر قيمة بعد تعلق القلب به وحده سبحانه!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك