العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

رمضان بدون الذين رحلوا!

{‭ ‬في‭ ‬الثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهو‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬دقّ‭ ‬فيه‭ ‬ناقوس‭ ‬البدء‭ ‬والانتشار‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬أغلب‭ ‬البيوت‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم،‭ ‬عاشت‭ ‬إحدى‭ ‬حالتين‭: ‬إما‭ ‬فقد‭ ‬أحبة‭ ‬وأعزاء،‭ ‬وإما‭ ‬إصابات‭ ‬تركت‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬للغالبية‭! ‬ولكن‭ ‬الفقد‭ ‬كان‭ ‬الأكثر‭ ‬إيلاماً،‭ ‬ورحيل‭ ‬الأحبة‭ ‬المقربين‭ ‬كالأمهات‭ ‬أو‭ ‬الآباء‭ ‬أو‭ ‬الأبناء‭ ‬والأقارب،‭ ‬هو‭ ‬الرحيل‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬حزناً‭ ‬مضنياً‭ ‬في‭ ‬القلوب،‭ ‬وخاصة‭ ‬حين‭ ‬تأتي‭ ‬مناسبة‭ ‬كمناسبة‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬رمضان،‭ ‬ويعقبه‭ ‬العيد‭ ‬بدونهم‭! ‬

{‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬شهر‭ ‬المحبة‭ ‬والتواصل‭ ‬والبر‭ ‬نعيش‭ ‬المكان‭ ‬والغرف‭ ‬وهي‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬رائحة‭ ‬أولئك‭ ‬الأحبة،‭ ‬وخاصة‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الراحل‭ ‬في‭ ‬العامين‭ ‬المنصرمين‭ ‬أمّا‭ ‬أو‭ ‬أبا‭ ‬أو‭.. ‬فالذاكرة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬طازجة‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬الفقد،‭ ‬وفرحة‭ ‬رمضان‭ ‬ارتبطت‭ ‬بوجه‭ ‬الأم‭ ‬وشغفها‭ ‬الروحي‭ ‬بالله‭ ‬والنفسي‭ ‬بالأبناء،‭ ‬مثلما‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالوجه‭ ‬الكادح‭ ‬للأب‭ ‬كعمود‭ ‬للبيت،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المكان‭ ‬يعج‭ ‬بالذكريات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ضجيج‭ ‬الأفراح‭ ‬وآلام‭ ‬الزمن،‭ ‬لتنسل‭ ‬تلك‭ ‬الرائحة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬العائلة‭ ‬ببعضها‭ ‬في‭ ‬دفء‭ ‬المواسم‭ ‬والمناسبات،‭ ‬ولكنها‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬كرفيق‭ ‬ذكرى‭ ‬مباغتة،‭ ‬أو‭ ‬كشجن‭ ‬عميق‭ ‬لا‭ ‬ينكفئ‭ ‬أن‭ ‬يباغت‭ ‬القلب‭ ‬ألما‭.‬

{‭ ‬العائلة‭ ‬بدون‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬الإخوة‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬الأقرباء،‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬العائلة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭!‬،‭ ‬ولا‭ ‬سكينة‭ ‬القلب‭ ‬كما‭ ‬كان،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬مفعماً‭ ‬بالدعاء‭ ‬للذين‭ ‬رحلوا،‭ ‬وبالصدقات،‭ ‬وبالقبول‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وسنّته‭ ‬في‭ ‬خلقه،‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يبقى‭ ‬ومن‭ ‬يرحل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لرمضان‭ ‬وحده‭ ‬بروحانيته‭ ‬وشفافية‭ ‬القلب‭ ‬وجعا‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬خاص‭! ‬فأين‭ ‬وجه‭ ‬أمي‭ ‬الذي‭ ‬اعتدته،‭ ‬وتلك‭ ‬القبلة‭ ‬على‭ ‬الرأس،‭ ‬وذلك‭ ‬الحضن‭ ‬الدافئ‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬مجرد‭ ‬حنين‭ ‬وشوق‭! ‬وأين‭ ‬وجه‭ ‬أبي‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬رحل‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد،‭ ‬لكنه‭ ‬الوجه‭ ‬الأكثر‭ ‬إشعاعاً‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الغائب،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬السند‭ ‬والأمان‭ ‬ومتانة‭ ‬الحبل‭ ‬الذي‭ ‬يربطنا‭ ‬كإخوة‭ ‬معا‭! ‬وتلك‭ ‬الضحكات‭ ‬الصافية‭ ‬الممزوجة‭ ‬بعرق‭ ‬التعب،‭ ‬وهو‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬حاملاً‭ ‬أكياساً‭ ‬مليئة‭ ‬بالخيرات‭!‬

{‭ ‬معهم‭ ‬كان‭ ‬لرمضان‭ ‬نشوة‭ ‬أخرى،‭ ‬وبدونهم‭ ‬هناك‭ ‬سطر‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العمر‭ ‬انمحى‭ ‬كوجود‭ ‬وبقي‭ ‬كضباب‭ ‬حب‭ ‬لا‭ ‬ينمحي‭! ‬لن‭ ‬أسمي‭ ‬رحيلهم‭ ‬وجعاً‭ ‬جارفاً‭ ‬فهو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭! ‬ولن‭ ‬أسميه‭ ‬حزن‭ ‬فراق‭ ‬الأعزّ،‭ ‬فهو‭ ‬أكثر‭ ‬عمقاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭! ‬

هو‭ ‬إحساس‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ترجمته‭ ‬بالكلمات،‭ ‬لأنه‭ ‬فوق‭ ‬ذلك‭! ‬قد‭ ‬تجرفنا‭ ‬الحياة‭ ‬أحياناً‭ ‬في‭ ‬مثابرتنا‭ ‬للبقاء‭ ‬فيها،‭ ‬بدون‭ ‬الذين‭ ‬رحلوا‭ ‬عنّا،‭ ‬ولكنها‭ ‬الحياة‭ ‬تختزل‭ ‬جنون‭ ‬الشوق‭ ‬إليهم‭ ‬في‭ ‬اللحظات‭ ‬المباغتة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬المناسبات‭ ‬قرباً‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يزهو‭ ‬أكثر‭ ‬بقرآنه‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬فيه،‭ ‬فلا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬الارتحال‭ ‬معه،‭ ‬والقلب‭ ‬يلهج‭ ‬بالدعاء‭ ‬لكل‭ ‬أحبتنا‭ ‬الراحلين،‭ ‬بأن‭ ‬يجعلهم‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬البقاء‭ ‬وهم‭ ‬منعمون‭ ‬بجنانه،‭ ‬وأن‭ ‬الدوام‭ ‬لله‭ ‬وحده،‭ ‬وأننا‭ ‬جميعاً‭ ‬لله‭ ‬وإليه‭ ‬راجعون‭.‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬أمهاتنا‭ ‬وآباءنا‭ ‬ومن‭ ‬فقدنا‭ ‬من‭ ‬الأقرباء،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬أجمل‭ ‬هدايا‭ ‬الرحمن‭ ‬لنا‭ ‬والأكثر‭ ‬قيمة‭ ‬بعد‭ ‬تعلق‭ ‬القلب‭ ‬به‭ ‬وحده‭ ‬سبحانه‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا