عالم يتغير
فوزية رشيد
رمضان والمسلسلات والفرصة الضائعة
{ منذ أن انفتح باب الفضائيات والبث المتواصل على مدار 24 ساعة، تراكمت أحقاب من المسلسلات ما بين غث وسمين، مع غلبة الغث! ليصبح شهر رمضان تحديدا هو الشهر الذي يتسابق فيه الكتاب والسيناريست والمنتجون لتأليف وإنتاج المسلسلات لأن نسبة المشاهدة فيه هي الأعلى عن بقية شهور السنة! إلى جانب إنتاج البرامج الترفيهية والدينية وبرامج المسابقات والفوازير والخيم الرمضانية وغيرها، ولكأن رمضان هو مناسبة التنافس في كل ذلك! بل هو شهر الترفيه وبرامج الطبخ والمزيد من استهلاك الطعام! حتى إن ما يفيض من الموائد في أغلب الدول أكثر مما يتم استهلاكه!
{ أما إذا بحثنا عن سبب هذا التحول الدرامي في هذا الشهر الفضيل، فيكفي أن هذا هو ما تريده القنوات وما تبثه لتحقيق أعلى نسبة مشاهدة رمضانية! ومادام الأمر هكذا، ولا نملك منه شيئاً، فعلى الأقل ولإبراء الذمة يقترح البعض انتهاز فرصة هذا التحول في التنافس الدرامي والمسلسلات، ليتم توجيه المؤلفين والمتسيدين كل عام على الإنتاج، أن يتوجهوا إلى معالجة الأفكار الأكثر جدية وعمقا وتقديم الرموز العربية والإسلامية والتاريخية والقيم الدينية، مادام الشهر هو شهر الروحانيات والعبادة ومعرفة الذات الإيمانية لمغزى عبادتها في هذا الشهر!
{ كلنا نعرف ونلمس من قرب حجم الهجمة الجديدة للقيم الشيطانية الخارجة عن القيم الإلهية والفطرة الإنسانية، فإلى جانب الحاجة إلى المسلسلات الهادفة ذات المضامين الجادة التي تعرف الإنسان المسلم على هويته وتاريخه ودينه والأسرار القرآنية، فإن البرامج الدينية في حدّ ذاتها وفي أغلبها مكررة ولا تطرح المضامين الإشكالية التي يطرحها (اللادينيون) ولتعالجها (بفكر نقدي وعلمي وموضوعي) ومقارن بين أهمية القيم الأخلاقية والدينية للإنسان، في عالم منجرف نحو الفكر المادي وازدراء الأديان ونشر وتكريس (القيم اللاأخلاقية) والخروج عن الفطرة الإنسانية ونظامها، وبما يرتقي بالإنسان روحياً إلى جانب التطور المادي والتكنولوجي، الذي يرى الحياة والإنسان واحتياجاته في إطار الغرائز والماديات وحدها بشكل منفلت!
{ لماذا لا تكون هناك رؤية عربية موحدة تجمع القنوات وجهات الإنتاج والتمويل للتعريف بحقيقة وجوهر الإسلام مثلا، والتعريف بالتاريخ الإسلامي ورموزه المضيئة ومفكريه وعلمائه، ما دام هذا الشهر هو الأكثر جاذبية (كما تم تكريس ذلك) للمسلسلات والبرامج!
كثيرة هي (الأطروحات التشكيكية) التي تحتاج إلى تفنيد وتوضيح وردود عميقة من وجهة النظر الدينية، بدلا من تركها تنخر عقل الإنسان المسلم، الذي لم يتعمق جيداً سواء في المعرفة الدينية أو معرفة الأيديولوجيات الوضعية، التي تعاني من ثغرات كثيرة، وخاصة في ظل تجاوزاتها بل تعديها على الذات (الإلهية) والتشكيك في التاريخ الإسلامي ككل وصولاً إلى التعدي على القرآن نفسه بعد التعدي على الدين ككل!
في عصر مفتوح إعلاميا، وبلدان عربية وإسلامية ذات إمكانيات كبيرة من حيث عدد الفضائيات في الإعلام، فهل تعجز كل هذه الدول عن بلورة رؤية متقاربة يتم فيها على الأقل طرح ما هو متفق عليه لمعالجة مضامين تاريخية ودينية بشكل جاذب للمشاهد لتعريفه بدينه وقيمه وتاريخه، كرد على الهجمة الغربية وخاصة التي تستهدف كل ذلك لإفراغ العقل العربي والمسلم من كل روابطه التي تأسست مع ظهور الإسلام كآخر دين للبشرية كلها؟!
أعتقد ما ينقص دولنا والقائمين على الإعلام والإنتاج في المسلسلات والبرامج ليست هي الإمكانيات وإنما الوعي والرؤية تجاه تحديات الزمن الراهن ليس إلا! وهذا يحتاج إلى الخروج من صندوق التفكير القديم والمعالجات التقليدية للأفكار نحو رؤية جديدة في التفكير!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك