العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

رمضان والمسلسلات والفرصة الضائعة

{‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬انفتح‭ ‬باب‭ ‬الفضائيات‭ ‬والبث‭ ‬المتواصل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬24‭ ‬ساعة،‭ ‬تراكمت‭ ‬أحقاب‭ ‬من‭ ‬المسلسلات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬غث‭ ‬وسمين،‭ ‬مع‭ ‬غلبة‭ ‬الغث‭! ‬ليصبح‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬تحديدا‭ ‬هو‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬يتسابق‭ ‬فيه‭ ‬الكتاب‭ ‬والسيناريست‭ ‬والمنتجون‭ ‬لتأليف‭ ‬وإنتاج‭ ‬المسلسلات‭ ‬لأن‭ ‬نسبة‭ ‬المشاهدة‭ ‬فيه‭ ‬هي‭ ‬الأعلى‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬شهور‭ ‬السنة‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إنتاج‭ ‬البرامج‭ ‬الترفيهية‭ ‬والدينية‭ ‬وبرامج‭ ‬المسابقات‭ ‬والفوازير‭ ‬والخيم‭ ‬الرمضانية‭ ‬وغيرها،‭ ‬ولكأن‭ ‬رمضان‭ ‬هو‭ ‬مناسبة‭ ‬التنافس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭! ‬بل‭ ‬هو‭ ‬شهر‭ ‬الترفيه‭ ‬وبرامج‭ ‬الطبخ‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬الطعام‭! ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يفيض‭ ‬من‭ ‬الموائد‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يتم‭ ‬استهلاكه‭! ‬

{‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬بحثنا‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الدرامي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬فيكفي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تريده‭ ‬القنوات‭ ‬وما‭ ‬تبثه‭ ‬لتحقيق‭ ‬أعلى‭ ‬نسبة‭ ‬مشاهدة‭ ‬رمضانية‭! ‬ومادام‭ ‬الأمر‭ ‬هكذا،‭ ‬ولا‭ ‬نملك‭ ‬منه‭ ‬شيئاً،‭ ‬فعلى‭ ‬الأقل‭ ‬ولإبراء‭ ‬الذمة‭ ‬يقترح‭ ‬البعض‭ ‬انتهاز‭ ‬فرصة‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬التنافس‭ ‬الدرامي‭ ‬والمسلسلات،‭ ‬ليتم‭ ‬توجيه‭ ‬المؤلفين‭ ‬والمتسيدين‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬الإنتاج،‭ ‬أن‭ ‬يتوجهوا‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬الأفكار‭ ‬الأكثر‭ ‬جدية‭ ‬وعمقا‭ ‬وتقديم‭ ‬الرموز‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والقيم‭ ‬الدينية،‭ ‬مادام‭ ‬الشهر‭ ‬هو‭ ‬شهر‭ ‬الروحانيات‭ ‬والعبادة‭ ‬ومعرفة‭ ‬الذات‭ ‬الإيمانية‭ ‬لمغزى‭ ‬عبادتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭! ‬

{‭ ‬كلنا‭ ‬نعرف‭ ‬ونلمس‭ ‬من‭ ‬قرب‭ ‬حجم‭ ‬الهجمة‭ ‬الجديدة‭ ‬للقيم‭ ‬الشيطانية‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الإلهية‭ ‬والفطرة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المسلسلات‭ ‬الهادفة‭ ‬ذات‭ ‬المضامين‭ ‬الجادة‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬الإنسان‭ ‬المسلم‭ ‬على‭ ‬هويته‭ ‬وتاريخه‭ ‬ودينه‭ ‬والأسرار‭ ‬القرآنية،‭ ‬فإن‭ ‬البرامج‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاتها‭ ‬وفي‭ ‬أغلبها‭ ‬مكررة‭ ‬ولا‭ ‬تطرح‭ ‬المضامين‭ ‬الإشكالية‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ (‬اللادينيون‭) ‬ولتعالجها‭ (‬بفكر‭ ‬نقدي‭ ‬وعلمي‭ ‬وموضوعي‭) ‬ومقارن‭ ‬بين‭ ‬أهمية‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والدينية‭ ‬للإنسان،‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬منجرف‭ ‬نحو‭ ‬الفكر‭ ‬المادي‭ ‬وازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬ونشر‭ ‬وتكريس‭ (‬القيم‭ ‬اللاأخلاقية‭) ‬والخروج‭ ‬عن‭ ‬الفطرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬ونظامها،‭ ‬وبما‭ ‬يرتقي‭ ‬بالإنسان‭ ‬روحياً‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التطور‭ ‬المادي‭ ‬والتكنولوجي،‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬الحياة‭ ‬والإنسان‭ ‬واحتياجاته‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الغرائز‭ ‬والماديات‭ ‬وحدها‭ ‬بشكل‭ ‬منفلت‭! ‬

{‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬رؤية‭ ‬عربية‭ ‬موحدة‭ ‬تجمع‭ ‬القنوات‭ ‬وجهات‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتمويل‭ ‬للتعريف‭ ‬بحقيقة‭ ‬وجوهر‭ ‬الإسلام‭ ‬مثلا،‭ ‬والتعريف‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬ورموزه‭ ‬المضيئة‭ ‬ومفكريه‭ ‬وعلمائه،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬جاذبية‭ (‬كما‭ ‬تم‭ ‬تكريس‭ ‬ذلك‭) ‬للمسلسلات‭ ‬والبرامج‭!‬

كثيرة‭ ‬هي‭ (‬الأطروحات‭ ‬التشكيكية‭) ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تفنيد‭ ‬وتوضيح‭ ‬وردود‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الدينية،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬تركها‭ ‬تنخر‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬المسلم،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتعمق‭ ‬جيداً‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬معرفة‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬الوضعية،‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬ثغرات‭ ‬كثيرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تجاوزاتها‭ ‬بل‭ ‬تعديها‭ ‬على‭ ‬الذات‭ (‬الإلهية‭) ‬والتشكيك‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬ككل‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬القرآن‭ ‬نفسه‭ ‬بعد‭ ‬التعدي‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬ككل‭! ‬

في‭ ‬عصر‭ ‬مفتوح‭ ‬إعلاميا،‭ ‬وبلدان‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬ذات‭ ‬إمكانيات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬الفضائيات‭ ‬في‭ ‬الإعلام،‭ ‬فهل‭ ‬تعجز‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬بلورة‭ ‬رؤية‭ ‬متقاربة‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬طرح‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬لمعالجة‭ ‬مضامين‭ ‬تاريخية‭ ‬ودينية‭ ‬بشكل‭ ‬جاذب‭ ‬للمشاهد‭ ‬لتعريفه‭ ‬بدينه‭ ‬وقيمه‭ ‬وتاريخه،‭ ‬كرد‭ ‬على‭ ‬الهجمة‭ ‬الغربية‭ ‬وخاصة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لإفراغ‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬والمسلم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬روابطه‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الإسلام‭ ‬كآخر‭ ‬دين‭ ‬للبشرية‭ ‬كلها؟‭!‬

أعتقد‭ ‬ما‭ ‬ينقص‭ ‬دولنا‭ ‬والقائمين‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬والإنتاج‭ ‬في‭ ‬المسلسلات‭ ‬والبرامج‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬الإمكانيات‭ ‬وإنما‭ ‬الوعي‭ ‬والرؤية‭ ‬تجاه‭ ‬تحديات‭ ‬الزمن‭ ‬الراهن‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭! ‬وهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬التفكير‭ ‬القديم‭ ‬والمعالجات‭ ‬التقليدية‭ ‬للأفكار‭ ‬نحو‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬التفكير‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا