عالم يتغير
فوزية رشيد
غزو العراق وجرائم لا تسقط بالتقادم!
{ مع بدء غزو العراق في 2 مارس 2003، يكون قد مر (20 عاما) على أكبر كذبة وهي «أسلحة الدمار الشامل» التي بسببها أطلقت العملية العسكرية، وتم تدمير البنية التحتية، وتفكيك الجيش، وترسيخ «الحكم الطائفي» من خلال دستور «بريمر»، وقتل مئات الآلاف من العراقيين ووصل العدد إلى مليون قتيل عراقي!، وتشريد الملايين منهم، ليتحول الغزو باسم «حرية العراق» والوعد بالسلام والديمقراطية، إلى أكبر عملية تدمير كارثية في العراق بعد إسقاط «نظام صدام»! ويبقى العراق متزعزعا حتى اليوم، يعاني من كل أشكال الفوضى والفساد والطائفية والإرهاب وهيمنة الأعداء!، ولتأخذ مقاومة الغزو وآثاره المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أشكالا متنوعة يتم التحايل عليها وإجهاضها! وآخرها «ثورة تشرين الشبابية» لتخليص العراق من الفساد الطاغي، ومن قبضة الاحتلالين الأمريكي والإيراني، وحيث أخذ الاحتلال الأمريكي شكلاً آخر أكثر مراوغة للهيمنة على العراق من خلال الأعداء التاريخيين!
{ بمناسبة مرور 20 عاماً على جرائم الحرب الأمريكية والبريطانية، التي بدأت بالغزو واستمرت في التدمير وإنهاك الشعب العراقي والنتائج الكارثية لهذا الغزو، فإن مطالب (محاكمة المجرمين) في أمريكا وبريطانيا لا يزال مطلبا عراقيا وعربيا ومن كل شعوب العالم، وحيث إن الذين نفذوا الغزو بكذب فاضح على العالم، لم يجدوا أي محاسبة أو عقاب، بل استمروا في حياتهم مرفهين وكأن شيئا لم يحدث!
وسواء في أمريكا، وكلنا نذكر خطاب «كولن بأول» في مجلس الأمن وصوره وأدلته الكاذبة، التي اعتذر عنها واعترف بعد سنوات أنها كاذبة!، ورغم ذلك بقي قادة أمريكا وقد دمروا بلدا وشردوا وقتلوا شعبا، من دون أي عقاب! فيما بريطانيا وجهازها الاستخباراتي (Ml6) الذي بدوره قام بتقديم أدلة زائفة بشأن امتلاك «صدام حسين» أسلحة الدمار الشامل، في تواطؤ استخباراتي مع «توني بلير» بقي بدوره من دون محاسبة أو عقاب!
{ هذا وغيره ما تتناوله الصحف الغربية في بريطانيا وأمريكا، ومن بين تلك الصحف والمواقع المتسائلة في ذكرى الغزو العشرين، موقع (ذا إنترسبت) الأمريكي الذين أشار في تقرير مطول، (أنه وبعد مرور 20 عاماً على غزو العراق، فإن الرجال والنساء الذين شنوا هذه الحرب الكارثية لم يدفعوا ثمنا خلال العقدين الماضيين) وعلى العكس من ذلك (تم إغراقهم بالترقيات والمال)! ووصف التقرير «جورج بوش» الذي قاد الغزو بأنه (أكبر مجرم حرب) ورغم ذلك يتم عبر السنوات تكريمه كمتحدث يتقاضى (100 ألف دولار) مقابل ساعة واحدة من حديثه! وذكر التقرير أسماء أخرى كمجرمي حرب منهم (ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وكولن باول، وكوندليزا رايس) إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني «توني بلير» وطاقمه الاستخباراتي الكاذب!
{ العراق لا يزال ينزف من آثار ذلك الغزو والاحتلال الأمريكي الذي سلم العراق والعراقيين للهيمنة الإيرانية وتلاعباتها، وإحداثها المتغيرات الديموغرافية، ونهب الثروات العراقية على يد (الطبقة السياسية الشيعية) الموالية لها!
حيث كرس هؤلاء استمرار الغلبة للموالين لإيران، في ظل نظام سياسي قائم على (المحاصصة الطائفية) بعد الغزو والاحتلال، وهي المحاصصة المهترئة التي لم يتم حتى الالتزام بتوازناتها في المحاصصة رغم مرض تلك التوازنات!، لتبقى الغلبة ومسك السلطة في أيدي الفاسدين وسراق المال العام وبشكل خاص ومعاً يتحاصصون في السلطة!
{ حين تم تدمير العراق بشكل منهجي مقصود، وإخراجه كقوة عربية، اختلت بسبب خروجه وضعفه توازنات الأمن القومي العربي أيضاً، لأن جرائم الحرب الأمريكية/ البريطانية في العراق امتدت آثارها على كل دول الجوار بشكل خليجي ومعروف تاريخياً حين يضعف العراق، وتسببت تلك الجرائم في تعريض أمن المنطقة واستقرارها وواقعها الجيوستراتيجي، لهزات كبيرة دفعت أثمانها دول الخليج العربي ودول المنطقة العربية، بشكل باهظ خاصة سوريا ولبنان واليمن، في ظل «التغول الإيراني» المتخادم مع أجندة النظام الغربي المهيمن!
ولهذا فإن جرائم الحرب الأمريكية – البريطانية لم تكتف بآثارها على العراق وحده بالطبع، وإنما امتدت الآثار إلى كل دول الجوار، وحيث مصالح الخليج والعرب، باتت تتناوشها القوى الإقليمية غير العربية (إيران، تركيا، الكيان الصهيوني) بعد أن اختل ميزان القوى العربي مع سقوط بغداد!
{ لا أمل حاليا في نظام دولي فاسد لكي يحاكم «مجرمي الحرب» الذين تسببوا في كارثة العراق وكوارث المنطقة العربية ككل، وحيث «القانون الدولي» نفسه مجرد أداة في يد الهيمنة الغربية وقادتها! الذين ارتكبوا جرائم الحرب ومازالوا يرتكبونها! لعل بارقة أمل تطل إن استفاد العرب من أخطاء الماضي!
وكذلك استشراف التحولات الدولية الجيوستراتيجة الراهنة، التي يتهيأ العالم للدخول فيها وفي نطاق (نظام دولي تعددي جديد)، بالإمكان بعدها محاكمة كل مجرمي الحرب، سواء ما يخص العراق أو الدول العربية الأخرى، خاصة أن الجرائم وحق عقاب مرتكبيها لا تسقط بالتقادم!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك