زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن العدوان على اللغة
ربما للمرة الألف أواصل كما غيري دق نواقيس الخطر حول ضعف تحصيل الأجيال الشابة من اللغة العربية، وهناك ذوو اختصاص حددوا أسباب ذلك واقترحوا أساليب ناجعة لتدارك الموقف، ولكنني أعتقد أن الوضع أخطر مما نحسب، خاصة أن القراءة لم تعد هواية لنحو 99 بالمائة من الأجيال الشابة، ولا سبيل لتحسين المستوى اللغوي لإنسان لا يقرأ، وأود هنا أن أقول بصوت مرتفع أن مطالعة الصحف والمجلات لا تعتبر «قراءة»، بل أن جانباً من الكارثة التي حلت باللغة العربية سببها وسائل الإعلام. (خير شاهد على ان القراءة صارت ممارسة شبه معدومة وتستحق التشجيع هي أن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد المكتوم وفي إطار مبادرة «تحدي القراءة العربي» منح جائزة مالية ضخمة لطفل فلتة أثبت أمام لجنة التحكيم أنه قرأ العديد من الكتب وأنه قادر على التعبير عن نفسه بطلاقة، ولكن مبادرته الأكبر كانت في مجال الاهتمام باللغة العربية بين الأفراد والمنظمات والمؤسسات، وفي هذا السياق جاء مشروع «العربيّة لغة حياة» والذي يركّز على الجوانب العمليّة لإعادة صياغة مفهوم تعلم اللّغة العربيّة بأسلوب مبسّط وواقعي، بهدف تقديم خارطة طريق للعاملين في مجال تعليم اللّغة العربيّة للنّهوض بمناهجها وطرائق تدريسها وتقييمها، إضافة إلى تشجيع ثقافة التّعلّم والقراءة باللّغة العربيّة).
أتوقف هنا لأقول إنني لست (ضليعاً) في اللغة العربية، ولكنني على الأقل أجتهد يوماً بعد يوم لتحسين ملكتي اللغوية، بل ويحق لي أن أحس بالرضا النسبي عن النفس، كما ذكرت مرارا في مقالاتي – أخذاً في الاعتبار أنني ولدت ونشأت ناطقاً بغير العربية، وتعلمتها بالضرب (في المدرسة) والصبر والمثابرة، فقد حرصت منذ صباي الباكر على أن أقرأ للأعلام (بفتح الهمزة) وحفظت آلاف الأبيات من الشعر وتمعنت طويلاً في جماليات الأدب القرآني.
وأحياناً أعرف أن جملة ما قرأتها أو سمعتها فيها خطأ ما، وقد لا أستطيع تحديد لماذا هي خطأ، بمعنى أنني قد لا أعرف القاعدة اللغوية التي خرجت عليها تلك الجملة، ولكنني أعرف أنها غير سليمة. إنه الإحساس بأن العرب لا يقولون مثل ذلك الكلام، شيء مثل الحس الموسيقي أو الفني، يجعلك تضرِس من جملة أو كلمة ما، تماماً كما تعرف أن بيتاً من الشعر مكسور رغم أنك لا تعرف بحور الخليل.
وأقرأ ما يكتبه بعض شبابنا الذين درسوا حتى المرحلة الجامعية باللغة العربية فيصيبني مغص كلوي: «هاؤلاء» وأولائك»، «اللذين – بكسر الذال – يحسبون كذا وكذا» و«لاكنك تتفاجأ» بأنهم «أغبيائ» ولا «يسططيعون» «تلاشي» أي موقف! أجزم بأن هناك من سيقرأ الكلمات التي بين علامات التنصيص، ولا يرى فيها خطأ! أعتقد أن واحداً من أهم أسباب ضعف التحصيل اللغوي هو أننا نشهد ردة إلى عصر الرواية الشفاهية، والتلفزيون وإذاعات «إف إم» ويوتيوب من أدوات المعرفة والثقافة، والكلام الذي يخرج من أفواه شخصيات في منتهى الأناقة والقيافة لابد أن يكون درراً،.. مساكين،.. لا يعرفون أنه قد يكون هناك خيط رفيع بين القيافة والهيافة.. ولو كنت تتابع إذاعة عريقة مثل «بي بي سي» – قبل وفاتها – ربما التقطت أذناك عبارة مثل «ما هي احتمالية حل المشكلة؟»، ولا تفهم لماذا تم تحميل كلمة «احتمال» حرفين زائدين.
والسبب الآخر هو أن مدرسي اللغة العربية وفي كل بلدان المشرق والمغرب أقل حظاً من نظرائهم مدرسي المواد «الحديثة» في مجال الترقيات والعلاوات. ومن البديهي أن شريحة كهذه لا تكون لها كلمة مسموعة في أروقة وزارات التربية، وكأب ومعلم سابق فإنني أرى أنه على كل أب وأم إدراك أن المدرسة لا تقدم إلا شذرات من المعرفة. تولوا بأنفسكم تدريس عيالكم مختلف المواد ولا سبيل لفهم أي مادة، بدون الإلمام الجيد بـ «اللغة»، وإذا لم يكن لديك وقت لهذا فاستعن بمدرس خصوصي تكون مهمته توسيع مدارك الولد أو البنت وليس إعداده للامتحانات، ولا تصدق ما يقال عن أن الدروس الخصوصية ممنوعة، فمن يمنعونها يأتون لعيالهم بمدرسين خصوصيين «بلا مقابل».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك