عالم يتغير
فوزية رشيد
هل تهزم أوروبا نفسها لتنتصر أمريكا؟!
{ في ظل الانقياد الأوروبي خلف أمريكا في الأزمة الأوكرانية، التي تدفع دول الاتحاد الأوروبي أثمانًا باهظة بسبب موقفها المنحاز ضدّ روسيا، رغم ما تشهده دولها من تظاهرات شعبية تتساءل لماذا تدفع هي ثمن حرب أمريكا ضد روسيا، فإن التوقعات تزداد حول سقوط العديد من دول الاتحاد الأوروبي هذا العام 2023، وتفكك «حلف الناتو» خلال السنوات القادمة!
ولعل التقرير الأخير الذي أصدره «صندوق النقد الدولي» يُظهر أن بريطانيا أول دول أصابها «الانحسار» في الناتج القومي، حيث بلغ النمو فيها نسبة «2 تحت الصفر»! وهو مؤشر للتراجع الكبير في النمو الاقتصادي لم تشهده دول أخرى في العالم، والتي تشير المؤشرات إلى نموّها رغم اختلاف النسب! والخبراء والمحللوّن يتوقعون حدوث ذات الانحسار في النمو في كل دول الاتحاد الأوروبي، خاصة تلك التي شاركت بثقل في العقوبات التي فرضتها أمريكا على روسيا، لترّتد آثارها على دول أوروبا أكثر من ارتدادها على روسيا نفسها!
{ بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي، داخلة بعمق في حرب الوكالة عن طريق أوكرانيا ضد الروس، ولكن ما أصاب اقتصادها من اجتماع «الكساد وغلاء الأسعار» والنمو السلبي، هو ذاته الذي سيصيب دول الاتحاد الأوروبي قبل نهاية هذا العام!
وفي ذات الوقت تشهد أوروبا تراجعًا في جوانب أخرى يشير إلى تفكك مجتمعي، وتراجع التيار الوسط في حكوماتها، مع بروز تيار اليمين المتطرف، وتزايد مطالب الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وآخرها تلك الصيحات في اليونان! إلى جانب ظهور الاضطرابات في العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي، وتصاعد (لغة القوة العسكرية الانفرادية) كما في بريطانيا وألمانيا لبناء الجيش القومي الأقوى في أوروبا!
مما يؤكد صعود التيارات التفكيكية المتزامنة مع فكر قومي وعنصري، وهو ما يحدث بدوره في فرنسا وإيطاليا وغيرهما!
{ يبدو أن انعكاسات الأزمة الأوكرانية ضربت العمق الأوروبي خاصة في بروز أكبر لأزمة الطاقة «الغاز والنفط» هذا العام، بعد نفاد الاحتياطي خلال العام الماضي، فإذا ما ترافقت أزمة الطاقة مع الكساد وغلاء الأسعار، والتظاهرات الشعبية التي تتحرك بسبب الأزمات الاقتصادية، فإن «التيارات المتطرفة والفاشية» تجد نفسها مكانًا بارزًا في الخارطة السياسية والاجتماعية والفكرية!
وقد بدأت بالمناداة بطرد اللاجئين والمهاجرين، الذين أصبح القدماء منهم جزءًا من التركيبة السكانية في عديد من دول أوروبا، لتظهر صيحات «النقاء العِرقي» ضدّهم بشكل أوضح في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا وتدفق اللاجئين الأوكران، الذين يُراد لهم أن يحلوّا محل المهاجرين الآخرين خاصة من الشرق الأوسط!
{ هكذا تتراكم الأزمات في أوروبا، إلى جانب تراكم الانحدار التاريخي في القيم المتعلقة بالإنسان والجندرة المفتوحة، وقيم الأسرة المفككة بدورهما منذ زمن بعيد، بحيث تجتمع عوامل التفكك الداخلي أخلاقيًا واجتماعيًا وسياسيًا مع التحديات الجديدة التي أبرزت بشكل كبير الخضوع الأوروبي لأمريكا في حرب الوكالة الأوكرانية ضد روسيا! فهل ستواصل الدول الأوروبية نمطية هذا الانسياق الأعمى خلف أمريكا، لتنتصر الولايات المتحدة، فيما الثمن الباهظ تدفعه شعوبها لتهزم نفسها، في الوقت الذي تعمل دول الاتحاد الأوروبي الإبقاء على خاصية التسيد الغربي على العالم؟! سيكون هذا العام حاسمًا مع نهايته ليوضحّ الكثير عن ما سيؤول إليه المصير الأوروبي خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك