العدد : ١٧٤٤٧ - الاثنين ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٧ - الاثنين ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٩ رجب ١٤٤٧هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

الثمن الفادح للإهمال العربي للصومال

تتوالى‭ ‬إدانات‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬لإعلان‭ ‬إسرائيل‭ ‬الاعتراف‭ ‬بإقليم‭ ‬أرض‭ ‬الصومال‭. ‬بيانات‭ ‬فردية‭ ‬وجماعية‭ ‬صدرت‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬الإدانات،‭ ‬واجتماع‭ ‬طارئ‭ ‬للجامعة‭ ‬العربية‭ ‬لبحث‭ ‬القضية‭.. ‬وهكذا‭.‬

كل‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬أجمعت‭ ‬على‭ ‬أمور‭ ‬محددة‭.. ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬يمثل‭ ‬عدوانا‭ ‬سافرا‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬الصومال‭ ‬ووحدته‭ ‬الوطنية‮»‬‭. ‬ويعتبر‭ ‬‮«‬انتهاكا‭ ‬سافرا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وقرارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬ويمثل‭ ‬‮«‬تهديدا‭ ‬جسيما‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬وسابقة‭ ‬تقوض‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي‮»‬‭.‬

وكل‭ ‬البيانات‭ ‬دعت‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬الإجراء‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

وكثيرون‭ ‬انبروا‭ ‬لتحليل‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬إقدام‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأرض‭ ‬الصومال،‭ ‬واعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خطط‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وإقامة‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬تهدد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والمنطقة‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬صحيح‭ ‬تماما‭. ‬والإدانات‭ ‬مطلوبة،‭ ‬ودعوة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬الخطوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليه‭. ‬الخطوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الخطورة‭ ‬فعلا‭ ‬وتنذر‭ ‬بتطورات‭ ‬تهدد‭ ‬فعلا‭ ‬الأمن‭ ‬العربي‭.‬

لكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يتجاهله‭ ‬الكل‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬مسؤولية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬وصول‭ ‬الوضع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه؟‭.. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬فعله‭ ‬العرب‭ ‬للصومال‭ ‬أصلا‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العقود‭ ‬الماضية؟

الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعترف‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬التجاهل‭ ‬العربي‭ ‬للصومال‭ ‬وإهماله‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬وإلى‭ ‬تفاقم‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭.‬

‭ ‬الدولة‭ ‬الصومالية‭ ‬انهارت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬وانفصل‭ ‬إقليم‭ ‬أرض‭ ‬الصومال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬35‭ ‬عاما‭. ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الطويلة‭ ‬تركت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الصومال‭ ‬يغرق‭ ‬في‭ ‬العنف‭ ‬والفوضى‭ ‬والحرب‭ ‬الأهلية،‭ ‬ولم‭ ‬يفعلوا‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

الدول‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬أصلا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬أنها‭ ‬مهتمة‭ ‬أو‭ ‬معنية‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الصومال‭. ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬التجاهل‭ ‬والإهمال،‭ ‬فإن‭ ‬كثيرين‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬الصومال‭ ‬دولة‭ ‬عربية،‭ ‬وقد‭ ‬انضمت‭ ‬بالمناسبة‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1974‭.‬

التجاهل‭ ‬العربي‭ ‬للصومال‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬ترك‭ ‬فراغا‭ ‬هائلا،‭ ‬تقدمت‭ ‬بالطبع‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬كثيرة‭ ‬كي‭ ‬تملأه‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬الصومال‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الحاسم‭.‬

بالطبع‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأمريكا‭.‬

الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬عندما‭ ‬سُئل‭ ‬عن‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بأرض‭ ‬الصومال‭ ‬قال‭: ‬هل‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أرض‭ ‬الصومال؟‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬صادقا‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬هذا‭. ‬إدارته‭ ‬تعرفها‭ ‬جيدا،‭ ‬ولديها‭ ‬خطط‭ ‬هناك‭.‬

في‭ ‬مارس‭ ‬الماضي،‭ ‬أجرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإدارة‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الصومال‮»‬‭ ‬مناقشات‭ ‬بشأن‭ ‬اتفاقية‭ ‬محتملة‭ ‬تسمح‭ ‬لواشنطن‭ ‬‮«‬الاعتراف‮»‬‭ ‬بها‭ ‬مقابل‭ ‬إنشاء‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بربرة‭ ‬الساحلية‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬وقال‭ ‬مسؤولون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬إن‭ ‬المناقشات‭ ‬دارت‭ ‬حول‭ ‬‮«‬اهتمام‭ ‬واشنطن‭ ‬بتأمين‭ ‬وجود‭ ‬عسكري‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬في‭ ‬بربرة،‭ ‬وهو‭ ‬ميناء‭ ‬عميق‭ ‬المياه‭ ‬على‭ ‬خليج‭ ‬عدن‭ ‬أصبح‭ ‬محوراً‭ ‬للتنافس‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬القلق‭ ‬الأمريكي‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬النفوذ‭ ‬الصيني‮»‬‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بعدما‭ ‬حصلت‭ ‬بكين‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬جيبوتي‭ ‬المجاورة‭.‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬مسؤولين‭ ‬أمريكيين‭ ‬وإسرائيليين‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬قالوا‭: ‬‮«‬تواصلنا‭ ‬مع‭ ‬مسؤولين‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬والصومال‭ ‬وإقليم‭ ‬أرض‭ ‬الصومال‭ ‬لمناقشة‭ ‬استخدام‭ ‬أراضيها‭ ‬كوجهات‭ ‬محتملة‭ ‬لإعادة‭ ‬توطين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خطة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬اقترحها‭ ‬ترامب‮»‬‭. ‬

إذن‭ ‬أمريكا‭ ‬ضالعة‭ ‬في‭ ‬مخططات‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الصومال‭. ‬ولهذا‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬ترامب‭ ‬بعد‭ ‬الاعتراف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إن‭ ‬أمريكا‭ ‬لن‭ ‬تعترف‭ ‬بأرض‭ ‬الصومال‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬إضافة‭ ‬‮«‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‮»‬‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يستبعد‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬مستقبلا‭.‬

نريد‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬أقدمت‭ ‬عليه‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬اعتراف‭ ‬بأرض‭ ‬الصومال‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أخطار‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتلوه‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬وتداعيات‭ ‬تهدد‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬أساسي‭ ‬منه‭ ‬فشل‭ ‬استراتيجي‭ ‬عربي‭.. ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬للتجاهل‭ ‬والإهمال‭ ‬العربي‭ ‬للصومال‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭.‬

يبقى‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬هو‭ ‬تجسيد‭ ‬لكارثة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والعمل‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والسياسي‭ ‬العربي‭.‬

وهذا‭ ‬حديث‭ ‬آخر‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا