يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
الثمن الفادح للإهمال العربي للصومال
تتوالى إدانات الدول العربية والإسلامية لإعلان إسرائيل الاعتراف بإقليم أرض الصومال. بيانات فردية وجماعية صدرت تحمل هذه الإدانات، واجتماع طارئ للجامعة العربية لبحث القضية.. وهكذا.
كل البيانات التي صدرت أجمعت على أمور محددة.. أن ما فعلته إسرائيل «يمثل عدوانا سافرا على سيادة الصومال ووحدته الوطنية». ويعتبر «انتهاكا سافرا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة»، ويمثل «تهديدا جسيما للأمن القومي العربي وسابقة تقوض الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي».
وكل البيانات دعت المجتمع الدولي إلى رفض الإجراء الإسرائيلي.
وكثيرون انبروا لتحليل ما وراء إقدام إسرائيل على الاعتراف بأرض الصومال، واعتبار أن هذه الخطوة تندرج في إطار خطط تهجير الفلسطينيين، وإقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية تهدد الدول العربية والمنطقة.
كل هذا صحيح تماما. والإدانات مطلوبة، ودعوة المجتمع الدولي إلى رفض الخطوة الإسرائيلية لا غبار عليه. الخطوة الإسرائيلية في منتهى الخطورة فعلا وتنذر بتطورات تهدد فعلا الأمن العربي.
لكن السؤال الذي يتجاهله الكل اليوم هو: ما مسؤولية الدول العربية في وصول الوضع إلى ما وصل إليه؟.. ما الذي فعله العرب للصومال أصلا على امتداد العقود الماضية؟
الحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن التجاهل العربي للصومال وإهماله هو الذي قاد إلى هذا الوضع وإلى تفاقم هذا الخطر.
الدولة الصومالية انهارت في عام 1991، وانفصل إقليم أرض الصومال في ذلك الوقت، أي قبل نحو 35 عاما. على امتداد هذه السنوات الطويلة تركت الدول العربية الصومال يغرق في العنف والفوضى والحرب الأهلية، ولم يفعلوا له أي شيء.
الدول العربية لم تظهر أصلا في أي وقت أنها مهتمة أو معنية بشكل جدي بما يجري في الصومال. بسبب هذا التجاهل والإهمال، فإن كثيرين في الوطن العربي ربما لا يعرفون أن الصومال دولة عربية، وقد انضمت بالمناسبة إلى جامعة الدول العربية في عام 1974.
التجاهل العربي للصومال على امتداد عقود ترك فراغا هائلا، تقدمت بالطبع قوى دولية وإقليمية كثيرة كي تملأه نظرا إلى موقع الصومال الاستراتيجي الحاسم.
بالطبع كان في مقدمة هذه القوى إسرائيل وأمريكا.
الرئيس الأمريكي ترامب عندما سُئل عن موقفه من الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال قال: هل يعرف أحد ما هي أرض الصومال؟ لم يكن صادقا عندما قال هذا. إدارته تعرفها جيدا، ولديها خطط هناك.
في مارس الماضي، أجرت الولايات المتحدة وإدارة «أرض الصومال» مناقشات بشأن اتفاقية محتملة تسمح لواشنطن «الاعتراف» بها مقابل إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة بربرة الساحلية الاستراتيجية. وقال مسؤولون في ذلك الوقت إن المناقشات دارت حول «اهتمام واشنطن بتأمين وجود عسكري طويل الأمد في بربرة، وهو ميناء عميق المياه على خليج عدن أصبح محوراً للتنافس الجيوسياسي في القرن الإفريقي»، وذلك مع تزايد القلق الأمريكي بشأن «النفوذ الصيني» المتنامي في المنطقة، ولا سيما بعدما حصلت بكين على قاعدة عسكرية في جيبوتي المجاورة.
الأمر الآخر أن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين سبق أن قالوا: «تواصلنا مع مسؤولين في السودان والصومال وإقليم أرض الصومال لمناقشة استخدام أراضيها كوجهات محتملة لإعادة توطين الفلسطينيين من قطاع غزة، في إطار خطة ما بعد الحرب التي اقترحها ترامب».
إذن أمريكا ضالعة في مخططات في أرض الصومال. ولهذا حين قال ترامب بعد الاعتراف الإسرائيلي إن أمريكا لن تعترف بأرض الصومال حرص على إضافة «في الوقت الحالي» أي أنه لم يستبعد الاعتراف الأمريكي مستقبلا.
نريد أن نقول إن ما أقدمت عليه إسرائيل من اعتراف بأرض الصومال وما يرتبط به من أخطار وما يمكن أن يتلوه من تطورات وتداعيات تهدد الدول العربية، هو في جانب أساسي منه فشل استراتيجي عربي.. هو نتاج للتجاهل والإهمال العربي للصومال عبر عقود.
يبقى أن نقول إن هذا الفشل هو تجسيد لكارثة كبرى في التفكير والعمل الاستراتيجي والسياسي العربي.
وهذا حديث آخر بإذن الله.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك