يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
الطبقة الوسطى في البحرين
ثلاث مهام مطلوبة لتنفيذ توجيهات سمو الأمير سلمان
الطبقة الوسطى قادت الصفوف دفاعا عن البحرين وهي التي تصـدت لـمـؤامرة 2011
هـي حـامـيـة الـدولـة والمـجتمـع والحارس الأمين عـلـى الهــوية الوطنية
تقود التجديد والابتكار وأساس النمو والازدهار الاقتصادي
سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أصدر قبل أيام توجيهات تتعلق بمواصلة تطوير الخدمات الاجتماعية للمواطنين، وتعزيز البرامج الداعمة لها، وتوظيف كافة الموارد الوطنية بما يحقق الخير والنفع لأبناء الوطن، مع التأكيد على أولوية المواطن البحريني في الحصول على الخدمات والمستحقات.
هذه التوجيهات لقيت ترحيبا واسعا واشادة من المجتمع.
أكثر ما لفت نظري فيما قاله سمو ولي العهد رئيس الوزراء بهذا الشأن وتوقفت عنده مطولا بكثير من الإعجاب والتقدير حديث سموه عن الطبقة الوسطى في البحرين
سموه شدد على «أهمية الحفاظ على الطبقة الوسطى واستحقاقاتها باعتبارها الركيزة الأوسع في المجتمع، والعمل على تعزيز قوتها الشرائية بما ينعكس إيجابًا على المجتمع ونموه الاقتصادي، بالتوازي مع الحرص المستمر على زيادة الفرص الواعدة أمام جميع المواطنين، وتوسيع آفاق التمكين والتوظيف».
ما قاله سمو الأمير سلمان عن الطبقة الوسطى في البحرين على هذا النحو ينم عن وعي وطني متقدم ليس غريبا على سموه ويستحق ان نتوقف عنده.
ماذا يعني ما قاله سموه بالضبط؟.. كيف نضعه في إطار العمل الوطني في البحرين عموما وأولوياته؟. ما الذي يتوجب عمله تنفيذا للتوجيهات بهذا الشأن؟
ما هي الطبقة الوسطى؟
الحقيقة ان قضية الطبقة الوسطى موضع اهتمام عالمي واسع النطاق. عشرات المفكرين والباحثين والساسة في العالم يناقشون القضية باستمرار. يناقشون وضع الطبقة الوسطى في مختلف دول العالم وعلى المستوى العالمي ككل. وهناك مئات من الأبحاث والتقارير والدراسات الاستطلاعية التي تناقش القضية من مختلف جوانبه، وبالأخص الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية المرتبطة بها.
فما هي الطبقة الوسطى؟ ولماذا هذا الاهتمام العالمي الواسع النطاق بوضعها؟
بالطبع يختلف تعريف الطبقة الوسطى من بلد الى آخر بحسب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل بلد. لكن هناك اجماع على تعريفها بشكل عام. عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر عرف الطبقة الوسطى بأنها «الفئة الاجتماعية التي تعيش في مستوى اقتصادي واجتماعي يأتي بين الطبقة العاملة وطبقة الأغنياء».
«معهد بروكينجز» الأمريكي ذكر في تقرير ان تعريفات الطبقة الوسطى لا تخرج عن ثلاثة معايير: الموارد الاقتصادية، والتعليم، والثقافة والسلوك.
تعريف آخر يحدد الطبقة الوسطى بأنها «فئة اجتماعية واقتصادية تقع بين الطبقات الغنية والفقيرة، وتتميز بالوظائف المهنية (مثل المعلمين، المهندسين، الموظفين الإداريين)، وتتمتع بمستوى تعليمي جيد، وقدرة على توفير مستوى معيشي مريح نسبيًا يتضمن أمانًا ماليًا وقدرة على الاستهلاك، وتلعب دوراً محورياً كمحرك للاقتصاد ومستقرا اجتماعيًا، مع تعريفات تختلف بحسب الدخل والتعليم والثقافة من بلد لآخر».
اذن باختصار شديد الطبقة الوسطى هي التي تقع بين الطبقة الفقيرة والغنية، وهي في كل الدول الأكثر تعليما وثقافة، وتضم أساسا الموظفين والاداريين والمهنيين في مختلف المجالات.
حامية الدولة والمجتمع
هناك اجماع في أوساط الخبراء والساسة في العالم كله على ان الطبقة الوسطى هي عماد المجتمع والدولة، وذلك من منطلق خمسة اعتبارات كبرى:
أولا: ان الطبقة الوسطى هي الحامية لمنظومة القيم والمبادئ والأخلاقيات في المجتمع، وهي الحارس الأمين على الثقافة الوطنية.
الطبقة الوسطى هي أكثر الطبقات وعيا بقيم المجتمع ومبادئه وثوابته الأخلاقية والقيمية، وهي الأكثر وعيا بالأهمية الحاسمة لحماية الثقافة الوطنية.
لهذا يطلق كثيرون على الطبقة الوسطى القابا مثل «الوعاء الاخلاقي للمجتمع» أو «صمام امان المجتمع».. وهكذا.
وبشكل عام، الطبقة الوسطى هي الحارس الأمين على الهوية الوطنية، وهي الأكثر حرصا على ترسيخها وعلى تقوية قيم الوطنية والولاء الوطني.
ثانيا: ان الطبقة الوسطى هي أكثر الطبقات إحساسا بالمسؤولية الوطنية تجاه الدولة والمجتمع.
هذا الإحساس بالمسؤولية الوطنية يتجسد في انها أكثر الطبقات وفاء والتزاما بمسؤولياتها تجاه الدولة في شكل دفع الضرائب مثلا او أي التزامات أخرى تقررها الدولة. وهي أكثر الطبقات وعيا بأهمية الولاء الوطني وترسيخه وبمحاربة أي نزعات تهز هذا الولاء أو تنال منه.
ثالثا: ان الطبقة الوسطى لكل ما سبق وغيره هي عماد الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي في المجتمع.
هناك اجماع على ان استقرار الطبقة الوسطى هو استقرار للدولة والمجتمع، وعلى ان رضاها او عدم رضاها معيار للسلام الاجتماعي في المجتمع.
لكل هذه الاعتبارات، الكل يعتبر ان حال الدولة والمجتمع قوة او ضعفا، واستقرارا او عدم استقرار، يتوقف في جانب أساسي منه على حال الطبقة الوسطى.
الطبقة الوسطى بحكم موقعها هي المؤهلة لأن تكون قاعدة للتوازن في المجتمع وللاستقرار والتماسك الاجتماعي وحفظ السلم العام. وبحسب احدى الدراسات فإن مصادر قوة الطبقة الوسطى في حفظ السلم والاستقرار تعود إلى «درجة تعلم ابنائها ومستواهم المعرفي والتربوي وخبرتهم في ربط جسور التفاهم بالحوار وقبول الاختلاف وحسن تدبير الصراع».
رابعا: الطبقة الوسطى هي أساس النمو والازدهار الاقتصادي. هي التي تمثل القاعدة المستقرة من المستهلكين الذين يدفعون عجلة الانتاج وتقود ريادة الأعمال وتشجع الابتكارات والاستثمارات.
خامسا: وهذه الطبقة هي التي تقود التغيير في المجتمع. التغيير المنضبط الإيجابي المسؤول. افرادها يتسمون بالطموح والرغبة في الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي، ولديهم الرغبة في التجديد والابتكار.
هذا الطموح والرغبة في التغيير يعتبر دوره أساسيا في التقدم الاقتصادي وأيضا التجديد الفكري والثقافي.
كل هذه العوامل تفسر، لماذا ان قوة او ضعف الدولة والمجتمع يرتبط الى حد كبير بوضع الطبقة الوسطى، ولماذا ان قدرة الدولة والمجتمع على التقدم والتطور في مختلف الميادين يرتبط أساسا بوضع هذه الطبقة.
في السنوات، بل العقود القليلة الماضية، هناك حديث واسع في كل الدول العربية على المستويات البحثية والسياسية عن تراجع الطبقة الوسطى وانحسار مكانتها في المجتمع. كثيرون يتحدثون هنا عن تآكل او انهيار الطبقة الوسطى، ويرصدون التأثيرات شديدة السلبية لهذا على الدولة والمجتمع في كل المجالات، ويحذرون من استمرار هذا الحال.
اذكر انه في ثمانينيات القرن الماضي أصدر استاذي المفكر السياسي محمد سيد احمد كتابا حذر فيه مما اسماه بـ «انهاك» أو «ارهاق» الطبقة الوسطى في مصر، وذلك على اعتبار ان هذا يعني بالضرورة انهاكا وارهاقا للدولة والمجتمع كله.
تنفيذا للتوجيهات
كما ذكرت في البداية، توجيهات سمو الأمير سلمان بن حمد كانت واضحة ومحددة. سموه اعتبر ان الطبقة الوسطى هي الركيزة الأوسع في المجتمع، وبالتالي لا بد من الحفاظ عليها، واستحقاقاتها، والعمل على تعزيز قوتها الشرائية بما ينعكس إيجابًا على المجتمع ونموه الاقتصادي.
من الواضح ان سموه يطرح هذا باعتباره قاعدة أساسية للتخطيط المستقبلي لبرامج التنمية والتقدم في البحرين، وباعتبار ان دعم هذه الطبقة والحفاظ على مكانتها هدف أساسي للسياسات الحكومية.
السؤال هو: ما هو المطلوب تحديدا تنفيذا لتوجيهات سمو الأمير سلمان؟
في تقديرنا الشخصي ان هناك مهام ثلاث أساسية مطروحة بهذا الخصوص اعدادا للتنفيذ العملي لهذه التوجيهات.
هذه المهام من المفروض ان تقوم بها المؤسسات والجهات الرسمية المعنية، بالتعاون مع مراكز الأبحاث في البحرين، ومؤسسات المجتمع المعنية وهي على النحو التالي:
المهمة الأولى: معرفة حجم ووضع الطبقة الوسطى في البحرين وملامحها وخصائصها بالضبط.
ويعني هذا ان هناك معلومات أساسية يجب ان تكون معروفة بشكل محدد مثل:
ما هو حجم الطبقة الوسطى في البحرين؟ وما هو وضعها؟. كم تبلغ نسبة هذه الطبقة في المجتمع؟
ما هو وضع افراد الطبقة الوسطى الاقتصادي، والتعليمي، والمهني؟
كيف يتوزعون بين مختلف المواقع والجهات في المجتمع؟ ما هو وضع افراد الطبقة الوسطى من حيث الأجور والدخول والوضع المعيشي عموما؟
هذه معلومات اساسية ضرورية قبل الحديث عن أي جوانب أخرى، وتمثل قاعدة اساسية لأي حديث.
المهمة الثانية: معرفة ما هو تقدير افراد الطبقة الوسطى أنفسهم لأوضاعهم بالضبط؟، وما مدى رضاهم او عدم رضاهم عن هذه الأوضاع؟.
يتطلب هذا اجراء استطلاع رأي موسع لأفراد الطبقة الوسطى وفق المعايير والضوابط العلمية الدقيقة. استطلاع يكون هدفه معرفة إجابات على أسئلة مثل:
ما هو تقدير افراد الطبقة عن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي عموما، ومدى رضاهم او عدم رضاهم عنه؟
ما هي مطالبهم التي يرون ضرورة تلبيتها، وماهي أولويات هذه المطالب؟
ما هي رؤيتهم لأوضاع المجتمع عموما، وتقييمهم للسياسات العامة المتبعة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا؟
ماهي في تقديرهم القضايا الوطنية الكبرى التي يجب ان تكون لها أولوية في العمل الوطني العام؟
.. وهكذا.
المهمة الثالثة: ما هي السياسات العملية والإجراءات المطلوبة تنفيذا لتوجيهات سمو الأمير سلمان؟
المفروض ان المعلومات التي ستتوافر بناء على المهمتين السابقتين تكون قاعدة لرسم وتحديد السياسات التي من المفروض اتباعها، والإجراءات التي يجب اتخاذها لتحقيق الأهداف التي حددها سمو الأمير سلمان للحفاظ على الطبقة الوسطى ودعم مكانتها.
دور تاريخي
سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء بحديثه عن الطبقة الوسطى في البحرين اثار قضية لها اهمية استراتيجية حاسمة.
ما قاله سموه بهذا الخصوص يجسد كما ذكرت وعيا وطنيا متقدما، كما يجسد حرص سموه على ان تكون السياسات العامة مبنية على أسس وطنية وعلى تخطيط سليم وصولا الى تحقيق المصلحة الوطنية العليا ومستقبل أفضل في كل المجالات.
لهذا يجب ان يجتهد الكل في المجتمع في بحث كيفية تنفيذ هذه التوجيهات.
ويجب الا ننسى في كل الأحوال ان الطبقة الوسطى في البحرين دافعت عن البحرين في كل وفي أصعب الأوقات والأزمات. هي التي قادت الصفوف حماية للدولة والمجتمع. دورها دوما كان دورا تاريخيا.
وينبغي الا نسى خصوصا ان الطبقة الوسطى هي التي قادت التصدي لمؤامرة 2011 في البحرين.
الطبقة الوسطى في البحرين هي التي وقفت بقوة في وجه المؤامرات والمخططات الأجنبية التي استهدفت البحرين وفضحتها، وفي وجه القوى الطائفية المتآمرة في الداخل التي راهنت على عمالتها للخارج.
الطبقة الوسطى في البحرين هي التي رفضت المشروع الطائفي ودافعت بقوة عن وحدة البلاد الوطنية وتماسكها الاجتماعي، وامنها واستقرار الدولة والمجتمع.
موقف الطبقة الوسطى على هذا النحو كان أحد أكبر العوامل التي بفضلها تمكنت البحرين من افشال مؤامرة 2011 وتجاوز أكبر الأزمات التي واجهتها في تاريخها.
الطبقة الوسطى تستحق هذه الالتفاتة من سمو ولي العهد رئيس الوزراء، وتستحق كل الدعم وتقوية مكانتها والاستجابة لمطالبها كي تبقى تؤدي دورها حماية للدولة، وضامنة لاستقرار المجتمع
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك