يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
اهدأ.. لماذا تصرخ ؟!
شهدت الفترة القليلة الماضية حدثين مهمين يتعلقان بالمواقف العربية من إيران والعلاقة معها يستحقان التوقف عندهما.
الحدث الأول: أن وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي رفض دعوة إيرانية لزيارة طهران في الوقت الراهن، وقال إن هذا الرفض «لا يعني رفضاً للنقاش، إنما الأجواء المواتية غير متوافرة».
وزير الخارجية اللبناني اتخذ هذا الموقف في سياق التغير الذي شهده لبنان في الفترة الماضية من حيث إرادة استعادة قوة الدولة وحصر السلاح بيدها، ورفض الوصاية الإيرانية على القرار اللبناني وتدخلاتها السافرة في شؤونها الداخلية التي اعتادت عليها لعقود.
قبل هذا الموقف الذي اتخذه وزير الخارجية اللبناني كان مسؤولون إيرانيون قد أدلوا بتصريحات تعتبر تدخلا فجا سافرا في شؤون لبنان الداخلية. مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي مثلا قال إن وجود «حزب الله أكثر ضرورة للبنان من الخبز والماء» في تحد سافر لموقف الدولة اللبنانية. الأمر الذي دعا وزير الخارجية اللبناني إلى اتهامه بإهانة السيادة اللبنانية والتدخل في شؤون البلاد. كما رد عليه بحدة ساسة ونواب لبنانيون مثل النائب أشرف ريفي الذي قال: «الأفضل أن تهتم بالشعب الإيراني المسحوق تحت قبضة استبدادكم بدل إلقاء الدروس على اللبنانيين».. إن تدخلكم السافر في شؤون لبنان هو أصل كل المآسي التي نعيشها، ومن المعيب أن تعتبروا أنفسكم أوصياء على بلد حر».
الأمر إذن أن إيران كما هو واضح مازالت تصر على محاولة فرض وصايتها على لبنان، ومازالت تتصور أن بمقدورها استدعاء الوزراء اللبنانيين إلى طهران باعتبارهم تابعين لها. لا تريد إيران ان تسلم بحقيقة أن هناك اليوم وضعا جديدا في لبنان وأن الدولة اللبنانية تريد أن تنهي عهد الوصاية على قرارها.
الحدث الثاني: ما جرى مؤخرا في ندوة «إيران والمتغيرات في البيئة الأمنية الإقليمية» في منتدى الدوحة. الندوة شهدت مواجهة صريحة بين الأمين العام لمجلس التعاون جاسم البديوي ووزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف.
الذي حدث أن ظريف تطاول على دول مجلس التعاون وتحدث عن التعاون الأمني المشترك. البديوي رد عليه بحسم وقوة. استعرض التدخلات الإيرانية في شؤون دول مجلس التعاون وقال لظريف: «تريدنا إيران أن ننخرط في حوار معهم حول حقل الدُرة للغاز الذي تتشارك فيه الكويت والسعودية، فهل تريدني يا سيدي أن أنطلق نحو الأمن وأنا مازال لدي العديد من الثغرات؟ هذا أمر مستحيل بالنسبة لي، فيجب أن يكون هناك عملية بناء ثقة».
ما قاله البديوي منطقي وصحيح تماما.. كيف يمكن الحديث عن تعاون أمني أو غير أمني بين دول مجلس التعاون وإيران في الوقت الذي مازالت الثقة مفقودة في حقيقة نوايا وسياسات ومواقف إيران؟
ما قاله البديوي دفع ظريف إلى كيل سيل من الاتهامات الباطلة لدول مجلس التعاون، وأخذ يصرخ، الأمر الذي دفع البديوي إلى أن يقول له:
«اهدأ.. اهدأ.. لماذا تصرخ ؟.. ليس عليك أن تصرخ.. اهدأ.. اهدأ».
ما قاله ظريف وفعله في منتدى الدوحة دفع الكثيرين إلى التنديد به، مثل الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله الذي كتب يقول إن ظريف: «أظهر الاستعلاء القبيح في حديثه في منتدى الدوحة».
ما فعله وزير خارجية لبنان، وما حدث في منتدى الدوحة، وصراخ ظريف والكلام المستفز الذي قاله تجسيد لحالة النظام الإيراني اليوم.
النظام الإيراني يعيش أزمة طاحنة كبرى. أوضاعه الداخلية منهارة، ودوره التوسعي الإقليمي تعرض لضربات قاصمة ولم يعد بمقدوره مواصلة تدخلاته السافرة ودوره التخريبي.
لكن النظام الإيراني لا يريد أن يسلم بهذا الوضع. مازال يتصور أن بمقدوره مواصلة نفس الدور السابق.
مواقف وتصريحات مسؤوليه، والسياسات العملية تؤكد أنه لا يوجد حتى الآن ما يدعو إلى الثقة فيه من جانب دول مجلس التعاون.
بدلا من أن يسعى جديا إلى بناء هذه الثقة كما قال البديوي، يصرخ مسؤولوه ويرددون نفس المواقف المستفزة.
لكن الصراخ لن يفيد، ولا الإصرار على نفس المواقف سوف يفيد. الأوضاع تغيرت وموازين القوى في المنطقة تغيرت. وعصر الوصاية الإيرانية والرغبة في التوسع والهيمنة آن له أن ينتهي.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك