يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
ماذا ننتظر من مراكز الأبحاث؟
في الدول الكبرى، تلعب مراكز الأبحاث دورا حاسما في وضع الاستراتيجيات الكبرى والسياسات العامة في كل المجالات، سواء تعلق الأمر بالسياسات الداخلية او الخارجية.
مراكز الأبحاث في هذه الدول تلعب دورها على ها النحو عبر طريقين: انها تبادر هي نفسها بطرح تصوراتها للاستراتيجيات والسياسات العامة على القيادة، واما ان تطلب القيادة نفسها من هذه المراكز طرح استراتيجية أو سياسة بخصوص قضية أو قضايا محددة.
بالطبع، ليس بالضرورة ان القيادة تأخذ بكل ما تقترحه مراكز الأبحاث، ولكن على الأقل تكون الصورة أمامها واضحة والخيارات واضحة، وهي تختار بناء على اعتبارات كثيرة.
جزء كبير من نجاح استراتيجيات وسياسات هذه الدول يعود إلى هذا.. يعود إلى انها مدروسة بعناية بمشاركة مراكز الأبحاث.
هذا التقليد وهذا الدور لمراكز الأبحاث غائب تقريبا في دولنا العربية، باستثناءات قليلة جدا.
لهذا فإن حرص مركز «دراسات» على بحث هذه القضية بتوسع في منتداه السنوي السابع تحت عنوان: «مَجْمَع مراكز البحوث العربية للاستدامة والتنمية»، والذي أُقيم بالشراكة مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعتبر حدثا مهما.
المنتدى أصدر في ختام أعماله عددا من التوصيات، منها:
الدعوة إلى توسيع الشراكات البحثية على المستويات العربية والوطنية والإقليمية والدولية، بما يشمل التعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة، ومراكز الفكر الدولية، والتشجيع على الإنتاج البحثي العربي المشترك، والدعوة إلى إنشاء منصة إلكترونية عربية مشتركة تضم قاعدة بيانات تفاعلية لمراكز البحوث، وأرشيفًا رقميًا للدراسات والسياسات المتعلقة بالتنمية المستدامة.
وأشاد المنتدى بإطلاق «رابطة مراكز الفكر والأبحاث العربية» التي تم تدشينها بالتعاون بين مركز الخليج للأبحاث ومكتبة الإسكندرية، بوصفها إطاراً عربياً يعزّز العمل البحثي المشترك، ودعا مراكز الفكر إلى الانضمام إليها.
كل هذه التوصيات جيدة ولا شك. ومجرد تسليط الضوء في المنتدى على الأهمية الحاسمة للدور الذي يجب ان تلعبه مراكز الدراسات هو في حد ذاته انجاز يستحق الإشادة به.
لكن هناك عوامل كثيرة يجب توافرها إذا اريد لمراكز الأبحاث ان تلعب فعلا الدور المفترض. لكن يهمنا بصفة خاصة الإشارة إلى عاملين أساسيين، أحدهما يتعلق بالمراكز نفسها، والآخر يتعلق بموقف القيادات والحكومات العربية.
فيما يتعلق بمراكز الأبحاث المفروض بداهة حين تضع تصورات لاستراتيجية أو سياسة معينة وتقدم توصيات بهذا الخصوص، ان يكون هذا مبنيا على دراسة موضوعية دقيقة وتحليل أمين. والأمر المهم هنا هو ألا تتردد هذه المراكز في طرح تصوراتها ومقترحاتها المختلفة بمنتهى الصراحة والوضوح بغض النظر عن الموقف او التقدير الرسمي.
نقول هذا لأننا نلاحظ بشكل عام ان كثيرين من الخبراء في هذه المراكز في مختلف الدول العربية يترددون كثيرا في طرح موقفهم الحقيقي وآرائهم الصريحة وتصوراتهم إذا استشعروا انها قد لا تلقى قبولا أو ترحيبا من القيادات الرسمية.
إذا ساد هذا النهج فلن يكون لدور مراكز الأبحاث أهمية ولا قيمة.
وفيما يتعلق بالقيادات والحكومات العربية، المفروض ان تؤمن حقا بالدور المحوري الذي يجب ان تلعبه مراكز الأبحاث. ويعني هذا أولا، دعم هذه المراكز بكل سبل الدعم الممكنة، وتمكينها من أداء دورها.
والأمر المهم جدا هنا هو ان تتقبل القيادات والحكومات العربية ما تطرحه وتوصي به مراكز الأبحاث بصدر رحب، حتى وان لم تكن مقتنعة أو راضية عنها.
المفروض ان تدرك القيادات والحكومات العربية ان الظروف والأوضاع العامة في المنطقة والعالم وما تطرحه من تحديات أصبحت معقدة جدا بحيث لا يمكن ان تنفرد جهة واحدة بالتقرير وحدها فيما يتعلق بالاستراتيجيات والسياسات التي يجب اتباعها.
المهم ان تحرص القيادات العربية على ان تكون الصورة من كافة جوانبها واضحة بالنسبة لها، وان تكون البدائل المختلفة واضحة، وان تقرر بناء على ذلك.
الأمران ضرورة كي تلعب مراكز الأبحاث دورها المفترض في صنع وترشيد الاستراتيجيات والسياسات العامة.
وعموما نرجو ان يكون منتدى مركز دراسات وتنبيهه إلى أهمية مراكز الأبحاث ودورها بداية فعلية لتفعيل دورها، وبالتالي لترشيد السياسات العربية العامة فيما يتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية ولصنع المستقبل على أسس مدروسة سليمة.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك