العدد : ١٧٤٤٢ - الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٢ - الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ رجب ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

تاريخ المهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية

بقلم: د. جيمس زغبي

الأربعاء ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬كنتُ‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬رأسي،‭ ‬يوتيكا،‭ ‬بولاية‭ ‬نيويورك،‭ ‬لإلقاء‭ ‬كلمة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬فعاليةٍ‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬البلدية‭ ‬احتفالًا‭ ‬بعيد‭ ‬استقلال‭ ‬لبنان‭. ‬كان‭ ‬يومًا‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بمساهمات‭ ‬اللبنانيين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومناسبة‭ ‬لتذكيرنا‭ ‬بما‭ ‬قدمته‭ ‬أمريكا،‭ ‬بكرمها‭ ‬وضيافتها،‭ ‬لموجات‭ ‬المهاجرين‭ ‬المتنوعين،‭ ‬الذين‭ ‬أسهموا‭ ‬بدورهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭.‬

منذ‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬حتى‭ ‬العقود‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬تدفقت‭ ‬موجاتٌ‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬البيانات‭ ‬المتاحة‭ ‬إلى‭ ‬وصول‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬سوري‭ - ‬لبناني‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭.‬

لقد‭ ‬تباينت‭ ‬أسباب‭ ‬هجرة‭ ‬هؤلاء‭ ‬اللبنانيين‭ ‬والسوريين؛‭ ‬فقد‭ ‬قدموا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أولى‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬فرص‭ ‬اقتصادية،‭ ‬ثم‭ ‬تسببت‭ ‬المجاعة‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬والحلفاء‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬لبنان‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬هجرتهم‭.‬

وخلال‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬مات‭ ‬حوالي‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬جبل‭ ‬لبنان‭ ‬جوعًا‭ ‬أو‭ ‬مرضًا‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حطت‭ ‬الحرب‭ ‬أوزارها،‭ ‬غادر‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬استطاعوا‭ ‬ذلك،‭ ‬وكانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وجهتهم‭ ‬المفضلة،‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬عائلاتهم‭ ‬أو‭ ‬أصدقائهم‭ ‬الذين‭ ‬هاجروا‭ ‬سابقًا‭.‬

وفي‭ ‬فترة‭ ‬العشرينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬دفع‭ ‬تصاعد‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬المعادية‭ ‬للأجانب‭ ‬ضد‭ ‬بعض‭ ‬المهاجرين‭ ‬الكونغرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬تقييد‭ ‬أو‭ ‬إلغاء‭ ‬التأشيرات‭ ‬لبعض‭ ‬الفئات،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬السوريون‭ ‬واللبنانيون،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬تُصدر‭ ‬أي‭ ‬تأشيرات‭ ‬أمريكية‭ ‬جديدة‭ ‬مدة‭ ‬30‭ ‬عامًا‭ ‬تقريبًا‭.‬

استغل‭ ‬المهاجرون‭ ‬السوريون‭ ‬اللبنانيون‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬أتاحها‭ ‬لهم‭ ‬وطنهم‭ ‬الجديد‭ -‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭- ‬فوفقوا‭ ‬في‭ ‬حياتهم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬مكنهم‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بدعم‭ ‬عائلاتهم‭ ‬وتنمية‭ ‬عمالهم‭.‬

كانت‭ ‬قصة‭ ‬عائلتي‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬المتعدد‭ ‬الفصول؛‭ ‬فقد‭ ‬غادر‭ ‬حبيب،‭ ‬شقيق‭ ‬والدي‭ ‬الأكبر،‭ ‬لبنان‭ ‬عام‭ ‬1910‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬كان‭ ‬هدفه‭ ‬تمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬للآخرين‭ ‬ليتبعوه،‭ ‬لكن‭ ‬الحرب‭ ‬والمجاعة‭ ‬حالتا‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭.‬

لقد‭ ‬هرب‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتي‭ ‬من‭ ‬المجاعة‭ ‬والخراب،‭ ‬ولجأوا‭ ‬إلى‭ ‬سهل‭ ‬البقاع‭ ‬حتى‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬وعادوا‭ ‬إلى‭ ‬قريتهم،‭ ‬وقد‭ ‬استغرق‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬سنوات‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬من‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬شقيق‭ ‬والدي،‭ ‬حبيب،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1921‭ ‬التحقوا‭ ‬جميعا‭ ‬بعمي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬باستثناء‭ ‬والدي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

وبسبب‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬التأشيرة‭ ‬السورية‭ ‬حرص‭ ‬والدي‭ ‬على‭ ‬اللحاق‭ ‬بعائلته‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فحصل‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬ورحلة‭ ‬إلى‭ ‬كندا‭. ‬وبعد‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬عبور‭ ‬الحدود‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ووصل‭ ‬إلى‭ ‬يوتيكا،‭ ‬نيويورك،‭ ‬حيث‭ ‬التقى‭ ‬بوالدته‭ ‬وإخوته‭ ‬عام‭ ‬1923‭.‬

وعلى‭ ‬غرار‭ ‬الكثيرين‭ ‬ممن‭ ‬تبعوهم‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فقد‭ ‬انطلق‭ ‬والدي‭ ‬وإخوته‭ ‬وأخواته‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬وطنهم‭ ‬الجديد‭. ‬وعند‭ ‬وفاتهم‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬أسسوا‭ ‬سبعة‭ ‬مشاريع‭ ‬تجارية،‭ ‬بينما‭ ‬أطلق‭ ‬أبناؤهم‭ ‬وأحفادهم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬أو‭ ‬أصبحوا‭ ‬موظفين‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات‭.‬

تزايد‭ ‬عدد‭ ‬الجالية‭ ‬السورية‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬يوتيكا‭ ‬ليتجاوز‭ ‬6%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬المدينة،‭ ‬ولعبت‭ ‬دورًا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬جوانب‭ ‬المجتمع‭. ‬في‭ ‬فترة‭ ‬شبابي،‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬شارع‭ ‬يضم‭ ‬متجرًا‭ ‬صغيرًا‭ ‬يملكه‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬عرقي،‭ ‬كما‭ ‬بنوا‭ ‬ثلاث‭ ‬كنائس،‭ ‬وانتُخبوا‭ ‬لمناصب‭ ‬عامة،‭ ‬وتفوقوا‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والقانون‭ ‬والسياسة‭ ‬والطب‭.‬

من‭ ‬المبهج‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬الناطقين‭ ‬بالعربية‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬فرصٍ،‭ ‬وبناء‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬يستمر‭ ‬مع‭ ‬المهاجرين‭ ‬الجدد‭ ‬إلى‭ ‬يوتيكا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭: ‬فلسطينيون‭ ‬ويمنيون‭ ‬وعراقيون‭ ‬وغيرهم‭. ‬ورغم‭ ‬النكسات‭ ‬والعثرات،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬مُلهمة‭.‬

قدم‭ ‬والدي‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بدون‭ ‬وثائق‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬عفو‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وأصبح‭ ‬مواطنًا‭ ‬أمريكيًا‭ ‬مُجنّسًا‭ ‬عام‭ ‬1943‭. ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬وثيقة‭ ‬تجنسه‭ ‬مُعلّقة‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬مكتبي‭ ‬أسفل‭ ‬المخطوطة‭ ‬الرئاسية‭ ‬للرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬التي‭ ‬تُعلن‭ ‬تعييني‭ ‬ممثلًا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬الحريات‭ ‬الدينية‭ ‬الدولية،‭ ‬وقد‭ ‬أطلقت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحائط‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬جدار‭ ‬يحكي‭ ‬قصتي‭ ‬الأمريكية‮»‬‭.‬

قبل‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬كتب‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الشباب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬سوري‮»‬،‭ ‬يُذكّر‭ ‬فيها‭ ‬قراءه‭ ‬بالقيم‭ ‬التي‭ ‬جلبوها‭ ‬معهم‭ ‬من‭ ‬أوطانهم‭ ‬الأصلية،‭ ‬وبالإمكانات‭ ‬المتاحة‭ ‬في‭ ‬وطنهم‭ ‬الجديد‭.‬

وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الرسالة،‭ ‬يحث‭ ‬جبران‭ ‬قراءه‭ ‬‮«‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬أمام‭ ‬أبراج‭ ‬نيويورك‭ ‬وواشنطن‭ ‬وشيكاغو‭ ‬وسان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬قائلين‭ ‬في‭ ‬قلوبكم‭: ‬أنا‭ ‬سليل‭ ‬شعب‭ ‬بنى‭ ‬دمشق‭ ‬وجبيل‭ ‬وصور‭ ‬وصيدا‭ ‬وأنطاكية،‭ ‬وأنا‭ ‬هنا‭ ‬لأبني‭ ‬معكم‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬فعلناه‭ ‬بالضبط‭. ‬إنها‭ ‬قصة‭ ‬المهاجرين،‭ ‬التي‭ ‬تتكرر‭ ‬يوميًا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬موجات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬أمريكا‭ ‬عظيمة‭.‬

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا