سيكون مصير قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2803 الفشل، وسيترتب على هذا الفشل دفع ثمن باهظ: مزيد من القتلى الفلسطينيين، ودمارٌ واسع النطاق، وامتداد العنف الإسرائيلي إلى الضفة الغربية ومواقع أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
لقد كان ذلك القرار الذي صدر بتاريخ 14 نوفمبر 2025م، بمثابة جائزة ترضية لإسرائيل بعد فشلها في تحقيق هدفها النهائي من الإبادة الجماعية التي استمرت عامين في غزة: التطهير العرقي للسكان والاستيلاء الكامل على قطاع غزة.
لقد حطمت غزة عقيدة إسرائيلية أساسية أولا وهي اليقين المطلق من التفوق العسكري الإسرائيلي لإخضاع الشعب الفلسطيني باستخدام التكنولوجيا المتفوقة التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
ورغم أنه لم يكن من المتوقع أبداً أن يكون الاحتلال سهلاً – كما يشهد تاريخ إسرائيل من العنف في القطاع – فإن الاستيلاء الكامل على القطاع كان في ذهن القيادة الإسرائيلية أمراً مؤكداً.
في شهر أغسطس الماضي، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بثقة تامة بأن إسرائيل تهدف إلى «السيطرة على غزة بأكملها». لكن تبيّن أن هذا كان مجرد تفكير عديم البصيرة.
كيف فشلت إسرائيل في إخضاع شعب يبلغ تعداده مليوني نسمة يعاني الفقر والحصار، ويعاني من المجاعة، وواحدة من أبشع عمليات الإبادة الجماعية في العالم؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه المؤرخون في المستقبل.
ولكن النتيجة المباشرة سياسية إذ تدرك إسرائيل وداعموها الغربيون، وخاصة الولايات المتحدة، أن الفشل الإسرائيلي الكامل في غزة سوف يفسره ضحايا إسرائيل باعتباره علامة محورية على العصر.
وفي الواقع، فقد انتقلت فكرة انهيار إسرائيل ونهاية المشروع الصهيوني من هامش النقاش الفكري إلى مركز الاهتمام. هذه الأفكار مدعومة من الإسرائيليين أنفسهم، وهي موضوع متكرر في الإعلام الإسرائيلي.
إن مثل هذا العنوان الذي نشرته صحيفة هآرتس بتاريخ 15 نوفمبر 2025 ليس صادماً على الإطلاق: «في موقع سري في جامعة هارفارد، يتم الحفاظ على أرشيف ضخم لإسرائيل – في حالة توقفت إسرائيل عن الوجود».
وهكذا، كانت ما يسمى «خطة الاستقرار الشاملة في غزة» التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووقعها في شرم الشيخ في 30 أكتوبر 2025م، بمثابة البداية الرسمية للمخطط الأمريكي لإنقاذ إسرائيل من أخطائها.
كان المقصود من وقف إطلاق النار المزعوم منح إسرائيل فرصةً للمناورة. فبدلاً من احتلال غزة بأكملها وطرد الفلسطينيين منها، ستلجأ إسرائيل الآن إلى الهندسة الاجتماعية والسياسية لتحقيق الهدف نفسه.
إن المرحلة الأولى من الخطة، التي وضعت معظم قطاع غزة تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية تحسباً للقيام بانسحاب تدريجي من القطاع، أثبتت بالفعل أنها مجرد خدعة.
وحتى وقت كتابة هذا المقال، انتهكت إسرائيل، بحسب تقارير مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة، الاتفاق ما يقرب من 400 مرة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 300 فلسطيني.
وتستمر إسرائيل في هدم المناطق الفلسطينية بشكل منهجي، حيث بدأت بشكل متزايد في تصعيد عملياتها التي تنفذها غرب الخط الأصفر الذي يفصل قطاع غزة إلى منطقتين.
والأسوأ من ذلك، وفقًا لسلطات غزة، أن إسرائيل توسّع المنطقة التي تسيطر عليها في قطاع غزة والمقدرة بنحو 58%، غربًا. وقد رسّخ «وقف إطلاق النار» فعليًا آلية جديدة تسمح لإسرائيل بشن حرب من جانب واحد – مع مزيد من التوسع الإقليمي والتدمير والاغتيالات والمجازر بين الحين والآخر – وفي الحقيقة لا يتوقع الفلسطينيون سوى إبطاء آلة القتل الإسرائيلية، وهذا أمرٌ غير قابل للاستمرار، لا سيما أن إسرائيل انتهكت أيضًا المبدأ الأساسي لوقف إطلاق النار الوهمي والمتعلق بالسماح بدخول المساعدات الحيوية إلى غزة.
أقرّ قرار مجلس الأمن رقم 2803 «خطة الاستقرار الشاملة في غزة» من دون فرض أي التزامات قانونية على إسرائيل، وأنشأ مجلسًا انتقاليًا للإدارة والإشراف، مستثنيًا الفلسطينيين تمامًا، بمن فيهم السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب.
سيكون الفرع التنفيذي لهذه القوة هو قوة الاستقرار الدولية (ISF)، ومهمتها الوحيدة هي «استقرار البيئة الأمنية في غزة» نيابة عن إسرائيل، ولا سيما من خلال نزع سلاح الفصائل الفلسطينية.
وتعمل قوات الأمن الإسرائيلية، وفقا للقرار، «بالتشاور والتعاون الوثيق»، وهذا يعني أن القوة مكلفة بتحقيق الأهداف العسكرية لإسرائيل، مما يسمح لإسرائيل بتحديد توقيت وطبيعة انسحابها التدريجي المفترض.
وبما أن الفلسطينيين يرفضون نزع السلاح – لأن نزع السلاح غير المشروط من دون ضمانات دولية ذات معنى من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى العودة الكاملة للإبادة الجماعية الإسرائيلية ــ فإن إسرائيل سوف ترفض بالتأكيد الانسحاب من غزة.
وقد أوضح بنيامين نتنياهو ذلك في يوم 16 نوفمبر 2025م، عندما صرح بأن «إسرائيل لن تنسحب» من دون نزع سلاح حركة حماس، «سواء بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة».
إن تقسيم قطاع غزة هو محاولة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لتغيير طبيعة التحدي الذي تواجهه تل أبيب، لكنها في نهاية المطاف تهدف إلى تحقيق نفس الأهداف الأصلية.
لقد خدم القرار المذكور مصالح إسرائيل بشكل كامل، ومن هنا جاء الحماس الذي أبداه بنيامين نتنياهو، إلا أن إسرائيل لا تزال ترفض احترامه، مما يوضح أنه لن تكون هناك مرحلة ثانية من خطة ترامب الأصلية.
مع ذلك، فإن الخطة السياسية برمتها محكوم عليها بالفشل. ورغم أن معاناة الفلسطينيين ستتفاقم حتمًا في الأشهر المقبلة، فإن هذه الخطة الأمريكية الإسرائيلية معيبة جوهريًا: فهي مبنية على الخداع والإكراه، وتستند إلى افتراض خاطئ بأن الفلسطينيين، خوفًا من الإبادة الجماعية، سيقبلون بأي خطة تُفرض عليهم.
هذه المقدمة تتجاهل التاريخ. فقد دأب الفلسطينيون على هزيمة آليات معقدة صُممت لتحطيمهم، مما يعني أن هذا الترتيب الجديد غير قابل للاستدامة. في نهاية المطاف، يؤكد فشل قرار مجلس الأمن رقم 2803 حقيقة راسخة: لم تتوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، بل تغيرت معالمها فحسب.
لذلك فإنه من الضروري أن يفهم العالم هذه المرحلة التالية على حقيقتها -فهي مناورة دبلوماسية تهدف إلى تسهيل الخطة الإسرائيلية المستمرة للسيطرة على قطاع غزة وتطهيره عرقيًا.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك