يُعد التلاحم والترابط الخليجي في ظل التعقيدات والتصعيدات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط أحد اهم الركائز التي تحفظ أمن واستقرار وسيادة دول مجلس التعاون الخليجي لا سيما في ظل التوترات المتعلقة بالحرب على إيران، وما نشهده من تصعيد صارخ من قبل الاحتلال الاسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة، وتوسع هذا العدوان ليشمل دولا عربية أخرى بل تماديه في انتهاك سيادة الدول الخليجية، ناهيك عن صراعات إقليمية أخرى تلقي بظلالها على أمن واستقرار دول الخليج العربية، كل ذلك يُعد من أبرز التحديات وفي نفس الوقت يُعد فرصة أمام دول مجلس التعاون الخليجي لإعادة النظر في تجاوز العقبات التي تُعيق العمل الخليجي المشترك في مختلف المجالات.
السياق الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط يشهد تصاعداً مستمراً في التوترات السياسية والعسكرية، وتُعد إيران طرفاً محورياً في العديد من هذه الأزمات، سواء من خلال برنامجها النووي، أو نفوذها الإقليمي عبر أذرعها في المنطقة، وأي حرب مباشرة أو تصعيد كبير تجاه إيران ستكون له تداعيات أمنية واقتصادية خطيرة على دول الخليج، نظراً الى القرب الجغرافي، والارتباطات الاقتصادية والنفطية، والتهديد المحتمل للممرات البحرية مثل مضيق هرمز.
وهنا لأبد من تأكيد أهمية التلاحم الخليجي في هذه المرحلة تحديداً في ظل هذه التعقيدات، ويظهر التلاحم الخليجي كعامل استراتيجي حاسم لتعزيز الأمن الجماعي كالتكامل في الدفاعات الجوية والبحرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق السياسات الخارجية بشأن أي مهدد خارجي، كذلك لابد من حماية المصالح الخليجية الاقتصادية، وذلك بتجنيب أسواق الطاقة الخليجية صدمات خطيرة تؤثر على هذه السوق العالمية، وتنسيق سياسات الطاقة والتصدير بحيث يجعل دول العالم تؤمن ممرات امداد الطاقة للعالم والتكفل بحمايتها في حال أي اعتداءات عسكرية، وتوفير بدائل استراتيجية ناجعة في حال تعطلت طرق الملاحة.
وحدة الموقف السياسي لدول مجلس التعاون الخليجي أضحت أمرا حتميا وليست خيارا، لما لها من أهمية بالغة في حفظ سيادة واستقرار المنطقة، ويأتي ذلك من خلال تأكيد رفض التدخلات الخارجية سواءً الإيرانية أو الاسرائيلية أو غيرها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية تحت اي مبرر، كذلك دعم جهود التهدئة والحوار في حل القضايا والخلافات التي تعصف بالمنطقة من منطلق قوة، ومما لاشك فيه أن التحدث بصوت واحد في المحافل الدولية يعكس مدى القوة التي تتمتع بها دول المجلس ويمنحها الحق في المشاركة في أي قرار جيوسياسي يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
في واقع الأمر التحديات أمام التلاحم الخليجي مازالت تحول بين التكامل والاتحاد رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها قادة دول مجلس التعاون الخليجي.
إن التكامل الخليجي وصولاً إلى الاتحاد ليس بالأمر السهل وفي نفس الوقت ليس بالأمر المستحيل وحتى نصل إلى هذه المرحلة الفاصلة لابد من تعزيز التلاحم الخليجي واستدراك الخطر واستغلال الفرص المتاحة لذلك ومنها؛ إحياء وتفعيل مبادئ العمل الخليجي المشترك وفقاً لاتفاقية الدفاع المشترك والتكامل الاقتصادي، وتوحيد المواقف الدبلوماسية تجاه الحرب على إيران، بما يضمن تجنيب المنطقة الانزلاق في صراع مفتوح، كذلك تعزيز الوعي الشعبي الخليجي بأهمية الوحدة والتماسك في هذه المرحلة، وتحصين الجبهة الداخلية من أي محاولات لزرع الفُرقة، والاستثمار في الأمن السيبراني والإعلامي لمواجهة الحروب غير التقليدية التي قد تستخدمها أطراف إقليمية لإضعاف اللحمة الخليجية.
رغم التحديات الجسيمة التي تواجه دول الخليج العربية نتيجة التصعيدات الإقليمية، فإن الفرصة لا تزال قائمة لتعزيز التلاحم الخليجي وتحويله إلى مصدر قوة في مواجهة الأزمات، فالوحدة الخليجية لم تعد خياراً سياسياً أو تطلعات شعبية يرددها المواطنون فحسب بل باتت ضرورة استراتيجية لأمن واستقرار المنطقة وضمانة لنمائها والحفاظ على مكتسباتها.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك