أنا وزوجي البريطاني ضد التربية الحديثة وسنربي أبناءنا كما تربينا
تـجـربـة زواجـي مـن أجـنـبـي نـاجـحـة بكل المقايـيـس
أشد محنة فقدان الوالد مبكرا وتعلمت منه احترام الاختلافات بين البشر
يقول الأديب والمؤرخ ورسام الكاريكاتير أمين الريحاني: «حبذا الشرقيون والغربيون لو أخذ بعضهم عن بعض مما هو جميل في أديانهم، صحيح في عاداتهم، سام في فنونهم، عادل في أحكامهم وشرائعهم، سليم في أخلاقهم، فخلاصة الصحيح السليم من ثقافة الشرق والغرب ممزوجة موحدة إنما هي الدواء الوحيد لأمراض هذا الزمان الدينية والاجتماعية والسياسية!
بالفعل هذا ما حدث على أرض الواقع مع هذه المرأة البحرينية، والتي اختار لها القدر أن يكون شريك حياتها بريطاني الجنسية لتصبح تجربتهما هذه نموذجا يحتذى به فيما يتعلق بتقبل الآخر والتعايش والإبداع معه، ليس فقط على الصعيد الإنساني، بل والعملي أيضا.
الريم عبد الرحمن بهمن، سيدة أعمال من طراز خاص، قررت أن تشبع شغفها الشديد بالطبخ فأطلقت وبالشراكة مع زوجها مشروع يعد الأول من نوعه بالمملكة، وهو عبارة عن مطعم بريطاني بنكهة بحرينية، يمكن لزائره أن يعيش الأجواء اللندنية بلمسة سحرية شرقية شكلا ومضمونا، ليضربا سويا مثلا جميلا للعلاقات الإنسانية والتجارية.
لم يخلُ المشوار من العثرات أو التحديات، ومع ذلك جاء الحصاد جميلا وثريا ليجسد أجمل تجارب التضحيات والكفاحات والنجاحات، وهو ما سنتطرق إليه تفصيلا في الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
-لقد نشأت وسط عائلة داعمة لكل أفرادها ومحفزة على ممارسة مختلف الأنشطة، وكانت لي هوايات عديدة منها ممارسة رياضة ركوب الخيل، والسفر، وارتياد البحر، والطبخ الذي عشقته بشدة حيث كان لي تجارب بسيطة فيه منذ صغري، وحرص والدي على غرس الكثير من القيم الجميلة في نفوسنا وأهمها احترام الاختلافات والثقافات بين البشر وكذلك عاداتهم وتقاليدهم ومن ثم التعايش مع الآخر وتقبله، وكم تمنيت دراسة الطب في فترة من الفترات إلا أنني قررت دراسة تخصص إدارة الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية.
بداية مشوارك العملي؟
-بعد تجربة الدراسة والتي لم تخل من العديد من التحديات والمتعة في ذات الوقت، عدت إلى وطني البحرين، وأطلقت بالشراكة مع أخي براند خاصا بالتجميل، ولكني لم أجد نفسي في هذا المجال، ثم حدث أن تزوجت من بريطاني الجنسية، وهنا حدثت نقلة مهمة في مشواري وعلى كل الأصعدة.
أهم ملامح تلك النقلة؟
-لقد التقيت زوجي أثناء زيارة له للبحرين بحكم عمله كعازف محترف للموسيقى، ومع الوقت شعرت بتقارب شديد بين شخصيتنا وطموحاتنا فقررنا الزواج، ولا شك أننا واجهنا صعوبات في البداية وخاصة فيما يتعلق بموافقة الأهل، ولكن أمام إصرارنا تم الزواج، والجميل أن أهلي أحبوه مع العشرة وأدركوا أنه كان معي كل الحق في قرار الارتباط به خاصة وأنه قدم الكثير من التضحيات من أجلي.
ما سلبيات الزواج من أجنبي؟
-يمكن القول إن تجربة زواجي من أجنبي الجنسية ناجحة بكل المقاييس، وذلك على عكس ما يتوقع البعض، والسبب هو حرص كل منا على احترام العادات والتقاليد والثقافات الخاصة بالطرف الآخر مهما كانت درجة الاختلافات، هذا فضلا عن أننا نلتقي عند كثير من الاهتمامات والهوايات والطباع والقيم والمبادئ، وقد تحقق ذلك مع مرور الوقت دون شك، حيث تفهم كل منا شخصية الآخر، وقد حرص زوجي على تعلم لغتنا العربية منذ بداية ارتباطنا في محاولة منه لإزالة أي حواجز قد تؤثر سلبا في حياتنا سويا.
هل واجهتما تحديات تتعلق باختلاف الجنسية؟
-لم يحدث قط أننا اختلفنا على أي شيء جوهري بسبب اختلاف جنسيتنا، بل على العكس هناك انسجام تام وتناغم جميل فيما بيننا منذ بداية علاقتنا، حتى بالنسبة إلى أسلوب تربية أبنائنا في حال الإنجاب اتفقنا على أن يكون كما تربينا نحن وبنفس الطريقة التي كان يتبعها آباؤنا معنا، بعيدا عما يسمى بالتربية الحديثة التي لا نتفق معها بشكل كبير.
في رأيك ماذا وراء تزايد حالات الطلاق بين الشباب؟
-أعتقد أن التسرع في اتخاذ قرار الارتباط، والزواج المبكر، من أهم أسباب فشل الكثير من العلاقات الزوجية اليوم وخاصة بين الشباب، وأنا أرى أن الاستعداد للتضحية من أهم أسس الحفاظ على علاقة الزواج، بمعنى آخر يبقى حجم التنازل الذي يمكن أن يقدمه أي طرف للآخر من أهم أسباب الاستمرارية والمواصلة في تلك العلاقة، وذلك مهما واجه الطرفان من صعوبات أو تحديات، إلى جانب ضرورة قيام العلاقة على أساس من الثقة المتبادلة والصدق والشفافية.
كيف جاءت فكرة المشروع؟
-أثناء وجودنا في لندن في فترة من الفترات، اكتشفنا أن الطبخ هواية مشتركة تجمع فيما بيننا، ومن هنا جاءت فكرة إطلاق مشروع نمارس فيه تلك الهواية ولكن بشكل احترافي على أن يكون متفردا ومختلفا عن المشاريع الأخرى المماثلة، وحدث أن تزامن ذلك مع اندلاع أزمة جائحة كورونا، وبالفعل قدمنا إلى البحرين لتنفيذ طموحنا وتجسيده على أرض الواقع، وقد ساعدنا علي ذلك والده الذي قدم لنا كل الدعم المطلوب في البداية، بعد أن رحب كثيرا بالفكرة منذ سماعه عنها، وكانت عبارة عن مطعم بريطاني بنكهة بحرينية، نقدم من خلاله مختلف الأصناف التي أبتكرها وأصنعها بنفسي في المطبخ وبالشراكة مع زوجي.
ماذا عن رد الفعل في البداية؟
-لم نكن نتوقع هذا النجاح السريع الذي لمسناه منذ بداية المشروع، فقد فوجئنا بصدى واسع وبتلقي ردود أفعال إيجابية للغاية، ومع ذلك أنا أرى أن هناك دعما أكبر للمشاريع الأجنبية المماثلة من قبل المواطنين، وكم أتمنى أن يحدث نفس الشيء بالنسبة للمشاريع الوطنية خاصة تلك التي تتمتع بنفس الجودة، وما أثار إعجاب الناس بدرجة لافتة هو حرصنا على أن يوفر ديكور المكان راحة نفسية وعصبية للزائرين وأن يمنحهم فرصة التمتع بأجواء لندنية جمالية ولكن بلمسة بحرينية.
من يقوم بابتكار الأطعمة؟
-منذ إطلاق المشروع حرصنا على ابتكار أصناف جديدة بصفة مستمرة، حيث نقدم في كل يوم طبقا جديدا أو مختلفا ومن صنعي ويساعدني في ذلك زوجي عبر لمساته الخاصة، وفي البداية تم الاستعانة بشيف ألماني، وبعد فترة أتقن جميع العاملين أسرار المهنة وتفاصيلها، وبالطبع يعمل الكل تحت إشرافي بشكل تام ونشعر بسعادة بالغة تجاه ردود فعل الزبائن الذين يجدون في أطباقنا شيئا مختلفا ومميزا.
أصعب التجارب عبر مشوارك؟
-من أصعب التجارب التي مرت بي عبر مسيرتي كانت محنة فقدان والدي مبكرا عند عمر 14 عاما، حيث مثل ذلك صدمة شديدة لي خاصة وأنني أصغر أبنائه، ومن ثم الأكثر تدليلا واهتماما بالنسبة إليه رحمه الله، وبالتالي كنت أتلقى معاملة خاصة في معظم المواقف عن باقي إخواني وأخواتي، وقد استغرق مني تقبل فقدانه فترة طويلة، فقد كان لي السند والضهر، ولكن بعد وفاته أصبحنا أنا ووالدتي أصدقاء، وحاولت جاهدة وبقدر استطاعتها تعويضي عن غيابه، وبصفة عامة يمكن القول إننا عائلة مترابطة بشدة.
حلم ضاع وسط زحمة الحياة؟
-لا شك أن هناك بعض الأحلام التي تضيع من أي شخص وسط زحمة الحياة ومسؤولياتها، أو بسبب الظروف التي قد يمر بها وتكون خارجة عن إرادته، ومنها بالنسبة لي وعلى سبيل المثال حلم دراسة الطب الذي ظل يراودني سنوات طويلة، ومن ثم تحقيق أمنية أن أصبح طبيبة في المستقبل، ومع ذلك لم أندم على التخصص الذي ما درسته الذي أوصلني لما حققته حتى اليوم في مجالي، خاصة وأن مهنة الطب تعد من المهن الصعبة نسبيا.
مبدأ تسيرين عليه؟
-مبدأي في الحياة نابع من قناعتي التامة بأنه ليس هناك شيء اسمه مستحيل علي الإطلاق، وهذا ما تعكسه تجربتي الشخصية على أرض الواقع، ولكن بشرط أن تتوافر العزيمة والإرادة والقوة، ولا شك أن أي امرأة بشكل عام بحاجة إلى الدعم المعنوي كي تنجح وتواصل مسيرتها بكل ثقة وإصرار، وخاصة من قبل المقربين لها وفي مقدمتهم شريك الحياة ثم الأهل، وهذا ما حدث معي فعليا على أرض الواقع ومن ثم كان وراء نجاحي وتميزي وتركي بصمة خاصة بي في عالم الطبخ.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك