زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
مبروك لدينو
ذات شهر من ذات عام قريب، ألحق دينو أذى جسيما بالسيدة البريطانية اليزابيث كاول، وبعدها بخمسة أشهر أصدر القضاة حكما بالإعدام على دينو، وعند استئناف الحكم أمام محكمة نورثامبتون في نفس ذلك العام، رُفض الاستئناف وتم تأييد الحكم، فكان لابد من الاستئناف امام المحكمة العليا، ولكنها أيدت إعدام دينو، وبعدها بشهر واحد أصدرت محكمة الاستئناف العليا قرارا يؤيد حكم الإعدام، وبما ان هذه المحكمة هي أعلى سلطة قضائية في بريطانيا، لم يكن أمام المعنيين بأمر دينو سوى اللجوء الى مجلس اللوردات، وهو كيان يتألف من مجموعة من الكهول والعواجيز الذين يعانون من إعاقات بصرية وحركية وسمعية، وربما عقلية. ولكن المجلس رفض قبول الاستئناف شكلا وموضوعا. يعني قال: إن حكم الإعدام قائم وواجب التنفيذ. فكانت الخطوة التالية في المسعى الرامي لإنقاذ حياة دينو هي اللجوء الى محكمة حقوق الإنسان الأوربية في ستراسبورج، ولسوء حظ دينو فقد رفضت هذه المحكمة مجرد النظر في القضية باعتبار ان قرار إعدام دينو سليم، وبعدها بنحو عام أُحيلت قضية دينو الى المجلس المنوط به إعادة النظر في القضايا الجنائية التابع لوزارة الداخلية البريطانية، فأمر بإعادة النظر فيها من قبل محكمة نورثامبتون، ثم وبعد مداولات استغرقت ستة أشهر، أسقطت تلك المحكمة حكم الإعدام عن دينو. وكلفت هذه القضية السيد برايان لامونت وزوجته كارول نحو تسعين ألف دولار، ولكنهما ليسا حزينين على المال الذي ضاع في القضية بل سعيدان بأن دينو الحبيب سيبقى حيا.
ولعلم من لا يعلم فقد تم إلغاء عقوبة الإعدام في المملكة المتحدة التي هي بريطانيا بشكل تدريجي، حيث تم إصدار آخر حكم إعدام عام 1964، وتم إلغاء عقوبة الإعدام للقتل في عام 1965. ورغم إلغاء العقوبة فعليًا، ظلت عقوبة قانونية لبعض الجرائم مثل الخيانة العظمى، حتى تم إلغاؤها تمامًا عام 1998. وفي عام 2004، ألزم البروتوكول الثالث عشر للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المملكة المتحدة بعدم إعادة عقوبة الإعدام طالما أنها طرف في الاتفاقية، وبذلك تم حظرها بشكل كامل.
ذلك ما كان من أمر القانون البريطاني بحق ابن آدم وحواء ولكن دينو المشار إليه أعلاه كلب ابن ستين كلب، أباً عن جد، ومن فصيلة جيرمن شيبرد، وكان قد هاجم كلب السيدة كاول، ولما حاولت التدخل عضها ونهش لحمها، فرأى القضاة أنه شرس ويجب إعدامه، فكان ما كان من أمر لجوء صاحبي الكلب الى ست محاكم استئناف في بريطانيا وأوروبا، حتى استطاعا ان يقنعا مجلس إعادة النظر في القضايا الجنائية بأن حكم الإعدام استند الى معطيات باطلة. لاحظ ان محكمة حقوق الإنسان الأوربية كانت طرفا في قضية المتهم الوحيد فيها كلب ابن ستين كلب، ولاحظ ان المحاكم نظرت في القضية ست مرات خلال أقل من سنة. للمرة الثانية انتبه الى ان الأمر يتعلق بموت أو حياة كلب، وان القضية التي مرت على تسع هيئات عدلية لم تستغرق أكثر من سنة وأربعة أشهر. ثم تذكر قضيتك أو قضية صديقك التي تتعلق بشراء قطعة أرض بطرق قانونية ثم اكتشاف ان صاحب الأرض باعها بعد ذلك لشخصين آخرين، وأن صفقة بيعها الأولى هي الصحيحة، بينما عمليتا البيع التاليتين باطلتان. يعني حتى لو استشرت شخصا ظالما باغيا مثل شارون أو نتنياهو فإنه سيقول لك خلال بضع ثوان إن الأرض ملك من اشتراها أولا وان عقاب صاحب الأرض الأصلي هو السجن والغرامة معا. ولكنك (أو صديقك) مع هذا ما زلت تغشى المحاكم طوال سبع سنوات وتتناول مضادات الاكتئاب كل ليلة، بعد ان أنفقت جزءا كبيرا من المبلغ الذي كان مخصصا لبناء بيت على تلك الأرض، على المحامين. بعبارة أخرى فإن كلاب بعض البلدان تجد من العدالة الناجزة ما لا يجده أبناء آدم في بلدان أخرى. واللهم لا اعتراض.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك