العدد : ١٧٤٢١ - الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٢١ - الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الغزل المقرون بالهبل

تقدمت‭ ‬فتاة‭ ‬كويتية‭ ‬ببلاغ‭ ‬إلى‭ ‬الشرطة‭ ‬بأن‭ ‬رجلا‭ ‬درج‭ ‬على‭ ‬الاتصال‭ ‬بها‭ ‬هاتفيا‭ ‬لإسماعها‭ ‬عبارات‭ ‬الغزل،‭ ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬يمطرها‭ ‬برسائل‭ ‬نصية‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭: ‬يا‭ ‬عيوني‭.. ‬يا‭ ‬كبدي‭.. ‬يا‭ ‬بعد‭ ‬عمري‭.. ‬يا‭ ‬ساكنة‭ ‬قلبي‭ (‬لماذا‭ ‬يرتبط‭ ‬الحب‭ ‬بأجزاء‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الجسم‭ ‬مثل‭ ‬العين‭ ‬والكبد‭ ‬دون‭ ‬غيرها؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يقول‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬لمن‭ ‬يحب‭: ‬يا‭ ‬قولوني‭ ‬أو‭ ‬يا‭ ‬مرارتي‭ ‬أو‭ ‬يا‭ ‬بلعومي‭ ‬أو‭ ‬يا‭ ‬جيوبي‭ ‬الأنفية‭ ‬أو‭ ‬يا‭ ‬مناخيري؟‭).. ‬المهم‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الكويتية‭ ‬أن‭ ‬تثبت‭ ‬صحة‭ ‬شكواها‭ ‬لأنها‭ ‬احتفظت‭ ‬بالرسائل‭ ‬الغزلية‭ ‬وكان‭ ‬الرقم‭ ‬مصدر‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬واضحا‭. ‬واتصلت‭ ‬الشرطة‭ ‬برقم‭ ‬العاشق‭ ‬اللاسلكي،‭ ‬وقالوا‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬مخالفة‭ ‬مرورية‭ ‬مسجلة‭ ‬ضده‭ ‬وإن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الى‭ ‬المخفر‭. ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬لأنهم‭ ‬افترضوا‭ ‬أن‭ ‬مواجهته‭ ‬بالتهمة‭ ‬الأصلية‭ ‬قد‭ ‬تجعله‭ ‬يهرب،‭ ‬أو‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬تصرف‭ ‬يخفي‭ ‬به‭ ‬الأدلة‭ (‬كأن‭ ‬يتوجه‭ ‬الى‭ ‬مركز‭ ‬شرطة‭ ‬لتسجيل‭ ‬بلاغ‭ ‬بأن‭ ‬هاتفه‭ ‬النقال‭ ‬مسروق‭ ‬منذ‭ ‬شهور‭)‬،‭ ‬وجاء‭ ‬الرجل‭ ‬الى‭ ‬المخفر‭ ‬فواجهوه‭ ‬بأمر‭ ‬التحرش،‭ ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬ان‭ ‬الرجل‭ ‬لم‭ ‬ينكر‭ ‬التهمة‭ ‬بل‭ ‬استنكر‭ ‬ان‭ ‬تستدعيه‭ ‬الشرطة،‭ ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬ما‭ ‬معناه‭: ‬وش‭ ‬فيها‭ ‬لو‭ ‬انا‭ ‬اتصلت‭ ‬بواحدة‭ ‬وقلت‭ ‬لها‭ ‬إنني‭ ‬معجب‭ ‬بها‭ ‬وأحبها؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬نص‭ ‬قانوني‭ ‬أو‭ ‬دستوري‭ ‬يمنع‭ ‬الحب‭ ‬او‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الحب؟‭ ‬راجعوا‭ ‬رسائلي‭ ‬إليها‭ ‬ولن‭ ‬تجدوا‭ ‬فيها‭ ‬عبارة‭ ‬او‭ ‬كلمة‭ ‬خادشة‭ ‬للحياء‭. ‬المهم،‭ ‬تنازلت‭ ‬الفتاة‭ ‬عن‭ ‬الشكوى‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬حجج‭ ‬الرجل‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬قوية‭ ‬ومقنعة،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬الستين‭ ‬بأشواط،‭ ‬فقد‭ ‬رأت‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬لجرجرة‭ ‬رجل‭ ‬متقدم‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬وفضحه‭ ‬أمام‭ ‬الملأ‭ ‬نظير‭ ‬تعهده‭ ‬بالتوقف‭ ‬التام‭ ‬عن‭ ‬مغازلتها‭ ‬ولو‭ ‬بلغة‭ ‬مهذبة‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬ان‭ ‬يتهمني‭ ‬أحد‭ ‬بأنني‭ ‬كنت‭ ‬اعاكس‭ ‬البنات‭ ‬بالتلفون‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬شبابي،‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬ألمس‭ ‬التلفون‭ ‬بيدي‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوزت‭ ‬الـ18‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬بمناسبة‭ ‬تلقي‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬جدتي،‭ ‬وقد‭ ‬أنستني‭ ‬فرحة‭ ‬استخدام‭ ‬التلفون‭ ‬حزني‭ ‬على‭ ‬جدتي‭. ‬والمسألة‭ ‬عندي‭ ‬ليست‭ ‬أن‭ ‬شخصا‭ ‬أهبل‭ ‬فوق‭ ‬الستين‭ ‬يعاكس‭ ‬فتاة‭ ‬تصغره‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬سنة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مبدأ‭ ‬رفض‭ ‬التغزل‭ ‬بشخص‭ ‬لا‭ ‬تعرفه‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يكنُّ‭ ‬لك‭ ‬أي‭ ‬عاطفة‭. ‬وقد‭ ‬كتبت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬صديق‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬‮«‬مجلة‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون‮»‬‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬هواة‭ ‬التعارف‭ ‬ومراسلة‭ ‬الفتيات،‭ ‬وكفاعل‭ ‬خير‭ ‬فقد‭ ‬ظللت‭ ‬أراسله‭ ‬لنحو‭ ‬سنتين،‭ ‬وكلفني‭ ‬ذلك‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬لأن‭ ‬طابع‭ ‬البريد‭ ‬للرسالة‭ ‬الواحدة‭ ‬كان‭ ‬قرشا‭ ‬كاملا،‭ ‬كتبت‭ ‬له‭ ‬الرسالة‭ ‬الأولى‭ ‬بيدي‭ ‬اليسرى‭ ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬خطي‭ ‬وقلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬فتاة‭ ‬تهوى‭ ‬مراسلة‭ ‬الفتيان،‭ ‬وجعلت‭ ‬عنواني‭ ‬البريدي‭ ‬منزل‭ ‬قريب‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬بحري‭ (‬وكان‭ ‬البريد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمان‭ ‬يوزع‭ ‬على‭ ‬البيوت‭)‬،‭ ‬وكنت‭ ‬أتلقى‭ ‬منه‭ ‬رسالة‭ ‬شهريا،‭ ‬وفي‭ ‬رسالته‭ ‬الثانية‭ ‬أعلن‭ ‬حبه‭ ‬لي‭ (‬كي‭ ‬لا‭ ‬يشطح‭ ‬بكم‭ ‬الخيال‭ ‬المريض‭: ‬تذكروا‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬اتقمص‭ ‬شخصية‭ ‬بنت‭ ‬وهمية‭).. ‬ما‭ ‬حملني‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الغيظ‮»‬‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬هواة‭ ‬المراسلة‭ ‬‮«‬من‭ ‬طرف‮»‬‭ ‬فإذا‭ ‬كنت‭ ‬تهوى‭ ‬المراسلة‭ ‬فراسل‭ ‬والديك‭ ‬وإخوتك‭ ‬وأصدقاءك‭ ‬وزملاءك،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬اسمك‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬طالبا‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬لا‭ ‬تعرفهم‭ ‬ان‭ ‬يراسلوك‭ ‬فأنت‭ ‬كالكهل‭ ‬الكويتي‭ ‬الذي‭ ‬يحب‭ ‬واحدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعلم‭ ‬بوجوده‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭.‬

ولما‭ ‬أعلن‭ ‬زميلي‭ ‬حبه‭ ‬لي‭ ‬حتى‭ ‬قررت‭ ‬الانتقام‭ ‬منه،‭ ‬وأبلغته‭ (‬كحبيبة‭) ‬بلهفتي‭ ‬للقائه،‭ ‬وضربت‭ ‬له‭ ‬موعدا‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬نهار‭ ‬يوم‭ ‬صيفي‭. ‬وذهبت‭ ‬الى‭ ‬مكان‭ ‬اللقاء،‭ ‬ولكن‭ ‬بوصفي‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ ‬وليس‭ ‬‮«‬الحبيبة‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬وقتها‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الجفاف‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬التعرق،‭ ‬ولما‭ ‬رآني‭ ‬بذل‭ ‬جهودا‭ ‬جبارة‭ ‬للتخلص‭ ‬مني،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يوضح‭ ‬لي‭ ‬لماذا‭ ‬هو‭ ‬جالس‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬بملابس‭ ‬استعارها‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أشخاص‭. ‬وبالطبع‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬الحبيبة‭ ‬وبعثت‭ ‬اليه‭ ‬لاحقا‭ ‬باسم‭ ‬الفتاة‭ ‬برسالة‭ ‬اعتذار‭ ‬ورميت‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬‮«‬أخي‭ ‬المتخلف‭ ‬الذي‭ ‬منعني‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬البيت‮»‬‭.‬

ودخل‭ ‬كلانا‭ ‬الجامعة،‭ ‬وصار‭ ‬لصاحبنا‭ ‬حبيبة‭ ‬حقيقية،‭ ‬فسألته‭ ‬عن‭ ‬الحبيبة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يراسلها‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية،‭ ‬فقال‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬عبيطا‭ ‬عندما‭ ‬افترض‭ ‬انه‭ ‬يحب‭ ‬فتاة‭ ‬لم‭ ‬يرها‭ ‬لمجرد‭ ‬أنها‭ ‬راسلته،‭ ‬فسردت‭ ‬عليه‭ ‬تفاصيل‭ ‬الفيلم‭ ‬الهندي‭ ‬الذي‭ ‬قمت‭ ‬بإخراجه‭ ‬ولما‭ ‬رأيت‭ ‬الغضب‭ ‬في‭ ‬عينيه‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬بكل‭ ‬هدوء‭: ‬عفا‭ ‬الله‭ ‬لك‭ ‬ولي‭ ‬عما‭ ‬سلف‭. ‬والآن‭ ‬تحترم‭ ‬نفسك‭ ‬وإلا‭ ‬أكلم‭ ‬حبيبتك‭ ‬الحقيقية‭ ‬بـ«حقيقتك»؟‭ ‬وتم‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬بيننا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا