كسرت القاعدة وأثبت نجاح المرأة في أي مجال ذكوري
أحلم باستكـمـال تعليـمي الجامعي وبأن أصبح مهندسة
أول رحلة كمرشدة سياحية كانت إلى شجرة الحياة
يقول الملاكم العالمي محمد علي كلاي: «من لا يجد في نفسه الشجاعة الكافية للمخاطرة.. فلن يحقق شيئا في حياته»!
نعم، الشجاعة تعد من أساسيات النجاح في الحياة العملية، وهذا ما تؤمن به تلك المرأة البطلة التي اختارت مجالا ذكوريا للتألق فيه فقررت أن تصبح أول مرشدة سياحية في البحرين لتؤكد مهارة العنصر النسائي في أي مجال عملي طالما توافرت الإرادة.
تقية عبد المحسن المحروس، امرأة بارعة في كسر القيود، وفي السعي إلى تحقيق أهدافها وبكل ثقة وإصرار، لا تخشى التعبير عن رأيها أو اقتحام أي تجربة تحقق من خلالها شغفها، أدركت منذ احترافها مهنتها أن المرشد السياحي هو الوجه الأول الذي يلتقيه الزائر عند استكشاف أي وجهة جديدة ومن ثم تكوين الصورة عنها، وأنه ليس مجرد ناقل للمعلومات، بل يمثل همزة الوصل بين السائح والثقافة المحلية ومن ثم يتجاوز دوره التوجيه المكاني إلى بناء تجربة متكاملة تترك أثرا ما في الذاكرة تبقى إلى الأبد.
هي تتمتع بالوعي الذاتي الذي يعد من أهم أدوات النجاح في فهم شخصية السائح، وفي جودة التواصل معه، فضلا عن التحلي بالمرونة والذكاء ومن ثم فهم احتياجات الزوار وتوصيل المعلومات إليهم بأسلوب مشوق، وبالتالي خلق أجواء تفاعلية تعزز من رضاهم واستمتاعهم، لذلك كانت دوما خير من يمثل وطنها بصورة إيجابية ومشرفة أمام الآخرين.
حول هذه التجربة المتفردة كان الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
-لقد نشأت على حب وطني الغالي بشدة، وقد كان ارتباطي به بالفطرة منذ نعومة أظافري، أما عن أحلامي في تلك الفترة فأذكر أنني كنت أتمنى أن أصبح ممثلة في المستقبل، ولكن مع الوقت نمت لدي مواهب متعددة واستهوتني منها رياضة السباحة والقيام بالرحلات البحرية وغيرها، وكنت أستمتع بالجرأة والقدرة على تدريب الآخرين على ارتياد البحر وكشف أسرار هذا العالم الساحر، ثم حدث أن تزوجت في الصف الأول الثانوي، وهنا تبدلت أمور كثيرة في حياتي.

كيف؟
-لا شك أن زواجي المبكر جدا ضاعف من مسؤولياتي، والذي تم بعد مرور عامين على الدراسة الجامعية في كلية الهندسة، ولذلك لم أستطع المواصلة في تعليمي أكثر من ذلك حيث توقفت عن الدراسة لتحمل أعباء كوني زوجة وأما وموظفة في روضة أطفال في ذات الوقت، وقد قررت التفرغ لأسرتي وأطفالي الثلاثة مدة عام كامل تقريبا ولكني أقدمت خلال هذه الفترة على دراسة تاريخ البحرين، والتعمق فيه، وجمع معلومات عنه، حيث كان يستهويني مجال السياحة بشدة، لذلك التحقت بدورة متخصصة كي تؤهلني للعمل مرشدة سياحية، ودعمني في هذه الخطوة الجريئة زوجي الذي شجعني على ذلك وقدم لي كل المساعدة على مختلف الأصعدة، كما أنني قمت بتدريب أبني الكبير على العمل في نفس المجال ومن ثم أصبح يساعدني كثيرا في عملي كما فعلت نفس الشيء مع عدد من الأقارب.
أول تجربة كمرشدة سياحية؟
-بعد حصولي على تلك الدورة في المجال السياحي والتي مدتني بخبرة واسعة تعلمت خلالها اللغة الإنجليزية واطلعت على ثقافات متعددة بدأت مهمة التدريب وبالمجان، وتعاقدت مع ثلاث شركات وطنية سياحية كبيرة، وكانت أول رحلة كمرشدة سياحية بصحبة حوالي أربعين شخص وذلك بالتعاون مع فندق الخليج، واصطحبت هذا الوفد إلى شجرة الحياة.
أهم الصعوبات؟
-أذكر أنني في تلك الرحلة لم أكن أعلم بكيفية استخدام الميكروفون، وقد شجعني سائق الباص على الاستعانة به، ومع الوقت تطورت خبرتي ومهاراتي، وبت أنظم رحلات داخلية لمختلف الجنسيات، وأقوم بإعداد وتنظيم البرامج المنوعة والشيقة للسياح وأستمتع بذلك كثيرا، وأصبحت تربطني علاقات وطيدة ببعضهم، حتى أن ثلاثة منهم أسلموا على يدي، أحدهم يحمل الجنسية الفرنسية وأخرى من أب هندي وأم إنجليزية، والثالث ألماني.
ما أول شيء لفت نظرهم إلى الإسلام؟
-لقد كنت أؤكد لهم دائما على أن الإسلام دين التسامح والالتزام والصدق والأمانة وعلى أن المسلم يجب ألا يكذب ولا يسرق وأن عليه التمتع بكل الصفات الحميدة، كما كنت أصطحبهم إلى المسجد وأصلي أمامهم، وشيئا فشيئا تبدلت نظرتهم إلى المرأة العربية، ووجدوها تستحق كل الاحترام والتقدير، ولله الحمد لم أواجه أي مشاكل مع الأجانب بل وجدتهم أسهل في التعامل عن غيرهم، وكم أنا فخورة بأنني ساهمت في تقديم الصورة الصحيحة للمرأة الشرقية وفي تغيير فكرتهم عن مجتمعاتنا بعد أن كانوا يرونها بدائية تستخدم الجمال كوسيلة للتنقل وتنتقص من حقوق المرأة وغيرها من المعتقدات الخاطئة.
أجمل رحلة؟
-لعل أجمل رحلة قمت بها كانت تضم عددا من الأجانب ثم انضم إلينا لاحقا وفد سعودي، وقد فوجئت بالوفد الأجنبي يطلب مني عدم الالتزام بالجدول الذي تم إعداده والبقاء في قلعة عراد وذلك بعد حالة الانسجام والتناغم التي حدثت بين الوفدين لرغبتهم في الاستمتاع بالطبيعة واحتساء القهوة والشاي وتناول التمر والرقص على أنغام العزف الشرقي وفي النهاية أعربوا لي عن امتنانهم الشديد لما شعروا به من متعة بالغة خلال معايشة العادات والطقوس البدوية الأصيلة، والقيام بتوثيقها عبر كاميراتهم.
هل واجهتك تحديات لكونك امرأة في هذا المجال؟
-لله الحمد لم تواجهني أي صعوبات أو مضايقات لكوني امرأة تعمل في هذا المجال الذي كان ذكوريا فترة، وكم أنا سعيدة اليوم بتزايد أعداد العنصر النسائي به شيئا فشيئا، حتي من قبل أهل القرى المتحفظين الذين كانوا يحتفون بنا وبزوارنا، ويقدمون لنا أجمل أساليب الكرم والضيافة ولعل أصعب تجربة مرت بي كانت مشاهدتي بنفسي ومن قرب لحادث غرق البانوش ومعايشتي لكل تفاصيل الواقعة، والذي ترك آثاره علي كل العاملين في هذا المجال حيث توقف بعدها عملي في الرحلات البحرية مدة عامين تقريبا وافتقدته كثيرا، ومن ثم أصبح تركيزي علي الرحلات البرية الداخلية وعلي زيارة مختلف الأماكن الأثرية.
ماذا عن مواصفات المرشد السياحي؟
-بعد قضاء حوالي عشرين عاما من العمل في هذا المجال يمكن القول إن هذه المهنة تتطلب بشكل أساسي التمتع بالشفافية والأمانة والمرونة والتي تمثل جميعها حجر الزاوية في مهنة المرشد السياحي، كذلك الالتزام بأخلاقيات الآخرين وبثقافاتهم المختلفة واحترامها، وبصفة عامة يمكن القول إن مهنتنا بحاجة إلى مرشد سياحي مؤثر، يقود دفتها للأمام، ويحدث فرقا، ويحقق الإبداع في عمله، كما يجب أن يتمتع بالمرونة والصبر والابتسام الدائم وبجودة التعامل مع السائحين والقدرة على التقرب إليهم لكسب ثقتهم وكذلك براعة التواصل معهم، فضلا عن امتلاك المعلومات الصحيحة والوافية والمعرفة الكاملة عن البلد وعن المناطق والمعالم والمنشآت السياحية التي يرافق السائحين لزيارتها، إلي جانب تملكه لمهارة القيادة والسرد المعرفي وإدارة الوقت وإتقان عدد من اللغات المختلفة.
مقومات البحرين كوجهة سياحية؟
-من المؤكد أن مملكة البحرين قطعت شوطا كبيرا فيما يتعلق باستقطاب السياح من كل أرجاء العالم وفي كيفية التعامل معهم ببراعة، وهذا هو توجه القيادة الرشيدة التي تؤكد دوما أهمية الترويج لبلدنا ضمن خطط استراتيجية وعلي أكمل وجه، حتى بات العالم اليوم يعرف جيدا ما مملكة البحرين، ومن هو شعبها المضياف، بل ويعلم عنا كل المعلومات، ولا شك أن سياحة الآثار من أهم أنواع السياحة لدينا.
مثل ماذا؟
-هناك العديد من المواقع التراثية والآثار القديمة التي تعد عامل جذب سياحي مهم للمملكة منها قلعة البحرين، ومسجدا الخميس والفاتح، والحدائق والمنتزهات، والمتحف الوطني، ومحمية العرين، وحلبة البحرين الدولية، وباب البحرين، وغيرها من الأماكن التي يمكن أن تتوفر رحلات إليها لا تنسى تجمع فيها ما بين الحضارة والجمال، فضلا عن الفعاليات والمهرجانات في المناسبات المختلفة، هذا فضلا عن تميز المملكة بروح التسامح والتعايش والمساواة بين كل أطياف المجتمع الواحد الأمر الذي يضاعف من مميزاتها السياحية.
حلمك القادم؟
-أتمنى إكمال مسيرتي العلمية، وحصولي على شهادة البكالوريوس في تخصص الهندسة، وذلك في أقرب فرصة، كما أتمنى استئناف مشواري في مجال السياحة البحرية والعودة بها إلى مرحلة ذروة مجدها.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك