نعم أصفها قمة خليجية فارقة تعقد في مملكة البحرين، باستضافة كريمة من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين المعظم، ومتابعة دقيقة من الحكومة الموقرة ووزارة الخارجية التي هيأت الطواقم الدبلوماسية والإدارية الفاعلة لإنجاح القمة، وفق تعليمات سعادة الوزير د. عبداللطيف الزياني، ولأنها قمة فارقة في تطلعاتها والظروف الإقليمية المحيطة، سأحدثك يا قارئي، واكشف لك من واقع اقامتي في مدينة الرياض، ومن صميم عملي في الأمانة العامة لمجلس التعاون، لماذا هي قمة فارقة، وما الذي قد يكون استجد ويختلف في مسيرة طويلة من القمم الخليجية؟!
وكي اجيب عن هذا السؤال سآخذك معي قبل سنة من تاريخ اليوم، حيث وطأت قدماي عاصمة القرار السياسي الإقليمي مدينة الرياض، لأنضم إلى فريق العمل بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
خلال هذه السنة وتحديداً في قطاع الشؤون السياسية، وجدت أن الأمانة ليست كما بادئ نشأتها واهتمامها مقتصر بالدول الست، إنما حلقت بأجنحتها في شراكات استراتيجية وحوارات سياسية ومفاوضات اقتصادية متعددة، فصار العمل على مستوى تكتلات إقليمية، لا دول فردية، وأضحى النظر إلى الأمانة ليس مجرد جهاز سكرتارية تنسيقي، إنما وجهة قرار جماعي لا يتناقض مع السيادة لكل دولة عضو بالمجلس.
وحتى يكون الكلام واضحا، فإن الأمانة العامة للمجلس وبفضل توجيهات معالي الأمين الاستاذ جاسم بديوي ومن سبقه من الأمناء العامين، تعمل وفق استراتيجية تعكس تطلعات قادة دول المجلس وتترجم على أرض الواقع التوصيات التي تخرج بها الاجتماعات الوزارية المشتركة التي تعقد دوريا، وتوسعت مؤخرا لتشمل اجتماعات وزارية مع وزراء خارجية دول أخرى من أجل تحقيق الشراكات الاستراتيجية.
ثم أن العمل في الأمانة العامة المساعدة للشؤون السياسية التي يتولاها الدكتور عبدالعزيز العويشق، قد انطلقت إلى افاق رحبة في ترسيم الشراكات الاستراتيجية مع الاتحاد الأوربي، ودول عظمى كالولايات المتحدة، وتمددت في الحوارات السياسية مع دول القارات كلها. وغدا العمل الخليجي اليوم نموذجا للدول الراغبة في الاقتداء بتجربته التكاملية.
ففي شهر ابريل تم تكليفي بتنظيم ندوة علاقات مجلس التعاون مع دول آسيا الوسطى ضمن منتدى مجلس التعاون، ووجدنا خلال المناقشات مدى رغبة الدول الخمس في الاستفادة من تجربة المجلس بعدما اضحى بفضل مسيرته التكاملية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية نموذجا استثنائيا يحقق لكل دولة من أعضائه ما تصبو اليه وأكثر، فالكيان الجماعي لا يعيق السيادة، بل انه يفتح أبوابا موصدة يصعب على اية دولة فتحها بمفردها، وبالمثل هذا التوجه قد ذهب إليه الاتحاد الأوروبي في تقييم تعاونه مع المجلس، حيث ينظر إليه الاوروبيون أنه تكتل فريد في المنطقة استطاع أن يصمد في وجه التقلبات السياسية والأمنية الخطيرة بالمنطقة، يحقق في الوقت نفسه الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية الشعبوية.
مثال آخر اسوقه لكم عن تطور الصوت الخليجي في العمل السياسي المشترك من خلال تجربة المجلس في التحقق قبل المشاركة ببرامج الدعم والمساندة وإعادة الاعمار للدول المنكوبة، فالمال الخليجي لم يعد يُصرف سوى في برامج ومبادرات ملموسة، بل وعبر قنوات تنسيقية بين الشركاء والصناديق الخليجية التي تولي البحث أهمية قصوى قبل تقديم أي منحة أو قرض مالي. فصارت هناك خطط تحرك يضعها المجلس وتتم متابعة تنفيذها بدقة.
وربما ما كشفته لكم هو غيض من فيض اعمال كثيرة ومتشعبة، لكن فقط لأوضح لكم أن أمانة مجلس التعاون جهاز دبلوماسي نابض بالحراك والعمل لأجل خدمة الأهداف المشتركة وكل قمة تضيف الى ما سبقها وتضاعف فيها التطلعات الى مستقبل خليجي واعد.
بقي الأهم الذي ارغب في التنويه عنه هو خطورة السرديات الممنهجة التي تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي وتستهدف ضرب شعوب ابناء الخليج، لابد أن نعمل كلنا على استبدالها برسائل إيجابية ويقظة فكرية لمنع هدم هذا البناء الذي اسسه لنا الآباء والاجداد ونحن ننعم به اليوم.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك