العدد : ١٧٤٢٠ - الثلاثاء ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٢٠ - الثلاثاء ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

من الرياض إلى البحرين قمة خليجية فارقة

بقلم: د. وجدان فهد

الاثنين ٠١ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

نعم‭ ‬أصفها‭ ‬قمة‭ ‬خليجية‭ ‬فارقة‭ ‬تعقد‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬باستضافة‭ ‬كريمة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ملك‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المعظم،‭ ‬ومتابعة‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الموقرة‭ ‬ووزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬هيأت‭ ‬الطواقم‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والإدارية‭ ‬الفاعلة‭ ‬لإنجاح‭ ‬القمة،‭ ‬وفق‭ ‬تعليمات‭ ‬سعادة‭ ‬الوزير‭ ‬د‭. ‬عبداللطيف‭ ‬الزياني،‭ ‬ولأنها‭ ‬قمة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تطلعاتها‭ ‬والظروف‭ ‬الإقليمية‭ ‬المحيطة،‭ ‬سأحدثك‭ ‬يا‭ ‬قارئي،‭ ‬واكشف‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬اقامتي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الرياض،‭ ‬ومن‭ ‬صميم‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬لماذا‭ ‬هي‭ ‬قمة‭ ‬فارقة،‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬استجد‭ ‬ويختلف‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬القمم‭ ‬الخليجية؟‭!‬

وكي‭ ‬اجيب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬سآخذك‭ ‬معي‭ ‬قبل‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬اليوم،‭ ‬حيث‭ ‬وطأت‭ ‬قدماي‭ ‬عاصمة‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬الإقليمي‭ ‬مدينة‭ ‬الرياض،‭ ‬لأنضم‭ ‬إلى‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬بالأمانة‭ ‬العامة‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭. ‬

خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الشؤون‭ ‬السياسية،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬الأمانة‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬بادئ‭ ‬نشأتها‭ ‬واهتمامها‭ ‬مقتصر‭ ‬بالدول‭ ‬الست،‭ ‬إنما‭ ‬حلقت‭ ‬بأجنحتها‭ ‬في‭ ‬شراكات‭ ‬استراتيجية‭ ‬وحوارات‭ ‬سياسية‭ ‬ومفاوضات‭ ‬اقتصادية‭ ‬متعددة،‭ ‬فصار‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تكتلات‭ ‬إقليمية،‭ ‬لا‭ ‬دول‭ ‬فردية،‭ ‬وأضحى‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الأمانة‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬جهاز‭ ‬سكرتارية‭ ‬تنسيقي،‭ ‬إنما‭ ‬وجهة‭ ‬قرار‭ ‬جماعي‭ ‬لا‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬السيادة‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬بالمجلس‭. ‬

وحتى‭ ‬يكون‭ ‬الكلام‭ ‬واضحا،‭ ‬فإن‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬للمجلس‭ ‬وبفضل‭ ‬توجيهات‭ ‬معالي‭ ‬الأمين‭ ‬الاستاذ‭ ‬جاسم‭ ‬بديوي‭ ‬ومن‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬الأمناء‭ ‬العامين،‭ ‬تعمل‭ ‬وفق‭ ‬استراتيجية‭ ‬تعكس‭ ‬تطلعات‭ ‬قادة‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬وتترجم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬التوصيات‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬بها‭ ‬الاجتماعات‭ ‬الوزارية‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تعقد‭ ‬دوريا،‭ ‬وتوسعت‭ ‬مؤخرا‭ ‬لتشمل‭ ‬اجتماعات‭ ‬وزارية‭ ‬مع‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية‭.‬

ثم‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬المساعدة‭ ‬للشؤون‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يتولاها‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬العويشق،‭ ‬قد‭ ‬انطلقت‭ ‬إلى‭ ‬افاق‭ ‬رحبة‭ ‬في‭ ‬ترسيم‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬ودول‭ ‬عظمى‭ ‬كالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتمددت‭ ‬في‭ ‬الحوارات‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬القارات‭ ‬كلها‭. ‬وغدا‭ ‬العمل‭ ‬الخليجي‭ ‬اليوم‭ ‬نموذجا‭ ‬للدول‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬الاقتداء‭ ‬بتجربته‭ ‬التكاملية‭.‬

ففي‭ ‬شهر‭ ‬ابريل‭ ‬تم‭ ‬تكليفي‭ ‬بتنظيم‭  ‬ندوة‭ ‬علاقات‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬ضمن‭ ‬منتدى‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬ووجدنا‭ ‬خلال‭ ‬المناقشات‭ ‬مدى‭ ‬رغبة‭ ‬الدول‭ ‬الخمس‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬المجلس‭ ‬بعدما‭ ‬اضحى‭ ‬بفضل‭ ‬مسيرته‭ ‬التكاملية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬نموذجا‭ ‬استثنائيا‭ ‬يحقق‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬أعضائه‭ ‬ما‭ ‬تصبو‭ ‬اليه‭ ‬وأكثر،‭ ‬فالكيان‭ ‬الجماعي‭ ‬لا‭ ‬يعيق‭ ‬السيادة،‭ ‬بل‭ ‬انه‭ ‬يفتح‭ ‬أبوابا‭ ‬موصدة‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬اية‭ ‬دولة‭ ‬فتحها‭ ‬بمفردها،‭ ‬وبالمثل‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬قد‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬تعاونه‭ ‬مع‭ ‬المجلس،‭ ‬حيث‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬الاوروبيون‭ ‬أنه‭ ‬تكتل‭ ‬فريد‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يصمد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التقلبات‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬الخطيرة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬يحقق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الرفاهية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الشعبوية‭. ‬

مثال‭ ‬آخر‭ ‬اسوقه‭ ‬لكم‭ ‬عن‭ ‬تطور‭ ‬الصوت‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجربة‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬التحقق‭ ‬قبل‭ ‬المشاركة‭ ‬ببرامج‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬وإعادة‭ ‬الاعمار‭ ‬للدول‭ ‬المنكوبة،‭ ‬فالمال‭ ‬الخليجي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يُصرف‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬ومبادرات‭ ‬ملموسة،‭ ‬بل‭ ‬وعبر‭ ‬قنوات‭ ‬تنسيقية‭ ‬بين‭ ‬الشركاء‭ ‬والصناديق‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬تولي‭ ‬البحث‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬قبل‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬منحة‭ ‬أو‭ ‬قرض‭ ‬مالي‭. ‬فصارت‭ ‬هناك‭ ‬خطط‭ ‬تحرك‭ ‬يضعها‭ ‬المجلس‭ ‬وتتم‭ ‬متابعة‭ ‬تنفيذها‭ ‬بدقة‭. ‬

وربما‭ ‬ما‭ ‬كشفته‭ ‬لكم‭ ‬هو‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيض‭ ‬اعمال‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتشعبة،‭ ‬لكن‭ ‬فقط‭ ‬لأوضح‭ ‬لكم‭ ‬أن‭ ‬أمانة‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬جهاز‭ ‬دبلوماسي‭ ‬نابض‭ ‬بالحراك‭ ‬والعمل‭ ‬لأجل‭ ‬خدمة‭ ‬الأهداف‭ ‬المشتركة‭ ‬وكل‭ ‬قمة‭ ‬تضيف‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬سبقها‭ ‬وتضاعف‭ ‬فيها‭ ‬التطلعات‭ ‬الى‭ ‬مستقبل‭ ‬خليجي‭ ‬واعد‭.‬

بقي‭ ‬الأهم‭ ‬الذي‭ ‬ارغب‭ ‬في‭ ‬التنويه‭ ‬عنه‭ ‬هو‭ ‬خطورة‭ ‬السرديات‭ ‬الممنهجة‭ ‬التي‭ ‬تجتاح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتستهدف‭ ‬ضرب‭ ‬شعوب‭ ‬ابناء‭ ‬الخليج،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬كلنا‭ ‬على‭ ‬استبدالها‭ ‬برسائل‭ ‬إيجابية‭ ‬ويقظة‭ ‬فكرية‭ ‬لمنع‭ ‬هدم‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭ ‬الذي‭ ‬اسسه‭ ‬لنا‭ ‬الآباء‭ ‬والاجداد‭ ‬ونحن‭ ‬ننعم‭ ‬به‭ ‬اليوم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا