آن الأوان لاستراتيجية جديدة لحماية أمن الخليج العربي
الانتقال إلى مرحلة الاتحاد أصبح ضرورة استراتيجية عاجلة
تستضيف البحرين بعد ايام قمة قادة مجلس التعاون الخليجي. لسنا نبالغ حين نقول ان هذه القمة من اهم وأخطر القمم في تاريخ مجلس التعاون. المفروض النظر اليها على هذا النحو.
القمة تنعقد في ظل ظروف وتطورات وأضاع غاية في الخطورة في المنطقة وبالنسبة لدول مجلس التعاون بصفة خاصة.
أي دروس يجب ان تستخلصها دول مجلس التعاون من تطورات الفترة الماضية؟. ما هي التحديات التي تفرضها؟.. ما هي اولويات العمل الخليجي اليوم التي تفرضها التحديات الحالية والمستقبلية؟.. ما الذي نتوقعه او نريده من قمة البحرين بناء على ذلك؟.
***
تطورات خطيرة وتحديات
نعلم جميعا التطورات والأحداث الخطيرة العاصفة التي مرت بها منطقتنا العربية في الفترة الماضية. هذه الأحداث والتطورات تلقي بداهة بتحديات كبرى على دول مجلس التعاون في مختلف المجالات وعلى كل الأصعدة.
لنتوقف باختصار شديد عند هذه الأحداث والتطورات وما تعنيه.
بالطبع في مقدمة هذه التطورات على الاطلاق حرب ابادة غزة بكل ما ارتبط بها.
نعرف ابعاد جرائم الحرب والابادة بحق الشعب الفلسطيني. لكن يهمنا هنا تأكيد ما كشفت عنه الحرب من نوايا ومخططات توسعية اسرائيلية لا تتعلق بفلسطين فقط وانما بكل الدول العربية.
سيل من تصريحات المسئولين الإسرائيليين عن مخطط إقامة إسرائيل الكبرى بكل ما يعنيه هذا، وعن استعدادهم لضرب أي دولة عربية في أي وقت.
ولم يكتف الإسرائيليون بهذه التصريحات وانما شهدنا توحشا في الاعتداءات الإسرائيلية على دول عربية، وخصوصا سوريا واحتلال أراضٍ بها ولبنان واليمن.
ثم جاء العدوان الاسرائيلي على قطر ليشكل نقطة تحول فارقة في العدوان وفي المخطط الإسرائيلي. هذا العدوان جاء تأكيدا لما يعلنونه من استعداد لضرب أي دولة عربية أيا كانت.
من التطورات الخطيرة التي شهدناها أيضا الهجوم الذي شنته اسرائيل وامريكا على إيران وما الحقه من دمار.
وتلا ذلك الهجوم الذي شنته إيران على قاعدة العديد في قطر والذي مثل انتهاكا سافرا وعدوانا على سيادة قطر واستقلالها وحرمة اراضيها.
في غضون ذلك، تعيش دول عربية عدة حالة من الفوضى والضياع وعدم الاستقرار وغيبة الدولة وسلطتها، من السودان الى العراق، الى سوريا إلى لبنان، إلى اليمن.
ماذا تعني هذه التطورات بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي؟
اول وأكبر ما يعنيه ذلك ان دول مجلس التعاون تتعرض لتهديدات جسيمة لأمنها واستقرارها. هذه التهديدات تأتي من مصادر متعددة.
لسنا نبالغ حين نقول ان التهديدات التي تتعرض لها دول مجلس التعاون هي تهديدات وجودية بمعنى انها تستهدف سلامة الدولة والمجتمع وتمثل اخطارا جسيمة على كل مقدرات دول المجلس فرادى ومجتمعة.
الأمر الآخر ان الأوضاع الخطيرة المتفجرة في المنطقة وتلاحق التطورات والتهديدات تعنيان أن المنطقة العربية بأسرها تواجه مستقبلا غير واضح ومفتوحا على كل الاحتمالات على كل المستويات.
الأمر الخطير الذي يجب ان نعترف به هو بأنه في مواجهة كل ما تعرضت له الدول العربية من اعتداءات، وعلى الرغم من فداحة الثمن الذي دفعناه، وعلى الرغم من كل ما تم الكشف عنه من نوايا ومخططات عدوانية، فإن رد الفعل العربي العام، ومن ضمنه رد الفعل الخليجي العربي، لم يكن عند المستوى المأمول والمطلوب.
الأحداث والتطورات اثبتت ان القدرة العربية على التأثير محدودة جدا، ولم تكن عاملا حاسما ولا أساسيا في تحديد مسار الأحداث.
بعبارة أكثر دقة وصراحة ردود الفعل العربية كشفت عن عجز رهيب، وعن أوجه خلل جسيم في الحياة السياسة العربية في كل النواحي وفي العمل العربي قادت إلى أن ساحتنا أصبحت مكشوفة على هذا النحو من دون رادع.
***
أولويات العمل الخليجي
ما الذي يترتب على ما ذكرناه من اخطار وتحديات تواجه دول مجلس التعاون؟. ما الذي يتوجب عمله بناء على ذلك؟
قبل كل شيء من المفروض ان تكون هناك دراسة شاملة متأنية لما تعرضت له المنطقة من اخطار وتهديدات، وفي نفس الوقت ان تكون هناك رؤية للمستقبل وما يمكن ان يحدث من تطورات على ضوء ما جرى وما يطرحه كل ذلك من تحديات على دول مجلس التعاون.
في نفس الوقت من المفترض ان تكون هناك إعادة نظر شاملة في السياسات الخليجية وفي العمل الخليجي المشترك على ضوء ما جرى بهدف الوقوف على أوجه الخلل والقصور التي حكمت رد الفعل على الأحداث والتطورات التي شهدناها، وايضا لمصادر القوة التي يجب البناء عليها للمستقبل.
بناء على ذلك، من المفروض ان يتم تحديد اولويات العمل الخليجي المشترك في الفترة القادمة والتي ستحدد نوع المواقف والسياسات القصيرة والبعيدة المدى لمجلس التعاون الخليجي.
وفي تقديرنا انه بناء على ما شهدته المنطقة وتشهده وما كشفت عنه، فإن هناك ثلاث اولويات كبرى مطروحة اليوم على مجلس التعاون ونتمنى ان تكون حاكمة لقمة البحرين.
هذه الأولويات هي:
1 - تأكيد الأولوية القصوى لتقوية الدول أعضاء مجلس التعاون. بمعنى الوعي بأن تقوية الدولة ومؤسساتها وجبهتها الداخلية هو اليوم هدف له أولوية حاسمة على ضوء ما تشهده المنطقة من تهديدات وما يعصف بها من تحولات وما تشهده دول عربية كثيرة من فوضى وعدم استقرار.
هذه مهمة تتولاها القيادات في كل دول مجلس التعاون.
2 - صياغة رؤية جديدة لاستراتيجية امن الخليج العربي وحمايته.
هذه المهمة أصبحت ملحة على ضوء ما شهدناه في الفترة الماضية من اخطار وتهديدات جسيمة لأمن دول مجلس التعاون، وما كشفت عنه التطورات من تحولات جديدة في هذا الخصوص.
3 – ضرورة تحقيق تقدم نوعي في برامج التعاون الخليجي المشترك في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والسياسية. الهدف الرئيسي هنا هو التعجيل بالانتقال من مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد.
***
رؤية جديدة
للأمن الخلجي
لا بد من إعادة النظر في استراتيجية امن دول مجلس التعاون. هذا هو الدرس الأساسي الذي من المفروض ان نكون قد تعلمناه مما شهدته المنطقة وما تعرضت له دول المجلس في الفترة الماضية.
وهذا ما نتمنى ان يكون محورا أساسيا لقمة قادة المجلس في البحرين.
واي رؤية لاستراتيجية امن دول مجلس التعاون لا بد ان تنطلق بداهة من تحديد مصادر تهديد الأمن.
بعبارة أخرى لا بد من تحديد، ما هي العوامل التي تهدد الأمن؟.. ما هي الدول والقوى التي تمثل تهديدا للأمن؟.. وهكذا.
معروف بشكل عام ان مصادر تهديد الأمن القومي متعددة بعضها اقتصادي واجتماعي وسياسي، وبعضها يتعلق بتهديدات تمثلها دول وقوى اجنبية تستهدف دول الخليج العربية بمخططاتها.
نريد خصوصا ان نتوقف عند جدل واسع اثارته تطورات واحداث الفترة الماضية حول طبيعة التهديد الاسرائيلي والتهديد الإيراني لأمن دول مجلس التعاون.
التهديد الإيراني لأمن دول مجلس التعاون معروفة ابعاده منذ سنوات طويلة، ويتمثل في استراتيجية إيران الطائفية العدوانية التوسعية، وتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية لمجلس التعاون، والقوى والمليشيات التي انشأتها في دول عربية وتمثل تهديدا جسيما لأمن الدول والمجتمعات.
شهدنا في الفترة الماضية تطورات خطيرة ارتبطت بإيران، منها الهجوم الاسرائيلي والأمريكي على إيران بسبب منشآتها النووية، الأمر الذي يفجر بداهة عدم استقرار في المنطقة بصفة عامة.
لكن التطور الأخطر هو الهجوم الذي شنته إيران على قاعدة العديد في قطر، الأمر الذي شكل عدوانا سافرا على سيادة قطر واستقلالها على نحو ما أجمعت كل دول المجلس في ادانتها للهجوم.
هذا العدوان جدد الجدل حول الخطر الإيراني.
بالنسبة لإسرائيل أيضا تجدد الجدل حول ما تمثله من تهديد لأمن الخليج العربي والوطن العربي عموما. بالطبع ارتبط هذا الجدل بحرب ابادة غزة وما رافقها من الإفصاح عن نوايا توسعية إسرائيلية على نحو ما ذكرنا.
ثم جاء التطور الخطير بالنسبة لدول مجلس التعاون وهو العدوان الذي شنته اسرائيل على قطر بهدف اغتيال قادة حماس.
هذا العدوان له مغزى خطير لا بد ان دول مجلس التعاون توقفت عنده. بغض النظر عن تدخل ترامب بعد ذلك واعتذار اسرائيل لقطر الا ان هذا لا يغير من الأمر شيئا.
العدوان على قطر لا يمكن تجاوزه ابدا من دول مجلس التعاون ولا بد من استخلاص دروسه بصراحة ووضوح. العدوان أكد ان الخطر الإسرائيلي على امن دول مجلس التعاون حقيقي وبالحاح خاصة مع التهديدات الاسرائيلية الدائمة باستهداف أي دولة أيا كانت.
من المهم هنا ان نتوقف عند سؤال طرحه البعض في الفترة الماضية واختلفوا حوله: من الأكثر خطرا على امن الخليج العربي، اسرائيل ام إيران؟
هذا سؤال عبثي لا معنى له. حين تتبني دول مجلس التعاون استراتيجية لأمن الخلج العربي فإنها لا تبنيها على افتراض وجود خطر واحد. تبنيها على اساس وجود أكثر من مصدر لتهديد الأمن. بعبارة أخرى، أي استراتيجية للأمن يجب ان تقوم على ان إسرائيل وإيران تمثلان تهديدا لأمن الخليج العربي.
أيضا اثير الجدل في الفترة الماضية حول أمريكا ودورها فيما يتعلق بأمن الخليج العربي.
من المعروف ان امريكا ترتبط بعلاقات تحالف مع كل دول مجلس التعاون تقريبا وانها تعلن منذ سنوات طويلة انها ملتزمة بحماية امن دول مجلس التعاون والدفاع عنها في مواجهة اي تهديد.
لكن ما حدث في الفترة الماضية ودور امريكا اثار هذا الجدل. نعني تحديدا ما حدث عندما شنت اسرائيل عدوانها على قطر. إدارة ترامب ثبت انها كانت على علم بالعدوان. وامريكا لم تفعل شيئا لوقف العدوان او ردعه والتصدي له على الرغم من التزاماتها المفترضة تجاه قطر ودول مجلس التعاون.
أيضا عندما شنت إيران العدوان على قطر قال ترامب نفسه ان هذا كان بموافقة مسبقة منه شخصيا، على الرغم من انه اعتداء سافر على سيادة قطر.
ما حدث على هذا النحو اثار التساؤلات حول حقيقة موقف أمريكا ودورها من حماية امن دول مجلس التعاون.
على العموم حين نتأمل ما سبق، وحين نتحدث عن ضرورة بلورة رؤية جديدة لأمن دول مجلس التعاون، يتضح ان هذه الرؤية لا بد ان تقوم على ثلاثة اركان كبرى:
الركن الأول: بناء القوة العسكرية الموحدة بشكل جاد.
نعلم ان خطوات تم قطعها على طريق بناء القوة العسكرية الموحدة لكن هناك اجماع على ان ما تم دون الطموح بكثير. نريد جيشا خليجيا موحدا وقدرة عسكرية خليجية على ردع التهديدات ومواجهة الأخطار بشكل ذاتي. وتحقيق هذا يتطلب أمورا كثيرة معروفة.
الركن الثاني: يجب ان يكون هناك ربط عملي فعال بين الأمن الخليجي العربي والأمن القومي العربي بشكل عام.
أيضا يتطلب هذا قرارات محددة في أمور كثيرة. منذ فترة طويلة مثلا صيغ في قمة عربية هي قمة شرم الشيخ مشروع لإنشاء قوة عسكرية عربية موحدة لكن تم نسيانه. آن الأوان لإحياء مثل هذه الفكرة وللتعاون العسكري الجاد مع دول عربية وخصوصا مصر التي بادرت بتقديم هذا المشروع.
الركن الثالث: آن الأوان لإعادة النظر في التحالفات الدولية لدول مجلس التعاون.
نعلم ان دول مجلس التعاون تعتمد على التحالف مع امريكا أساسا لحماية امن الخليج. لكن هذا امر لا يمكن الرهان عليه طويلا.
دول مجلس التعاون راضية عن مواقف ترامب وسياسته بهذا الخصوص بشكل عام. وقد يكون لديها الحق في هذا. لكن المسألة ان هذه المواقف يمكن ان تتغير في أي وقت. والأهم من هذا انه يجب التحسب لمرحلة ما بعد ترامب وما يمكن أي يكون عليه الموقف الأمريكي حينئذ.
لهذا يجب ان تنوع دول مجلس التعاون من تحالفاتها مع القوى الكبرى وخصوصا روسيا والصين. المسألة المهمة في هذا السياق ان التحاف مع هذه القوى العالمية يجب ان يكون له جانب عسكري ودفاعي.
***
الاتحاد الخليجي العربي
في قمة قادة مجلس التعاون الـ32 في ديسمبر عام 2011، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قادة دول مجلس التعاون الخليجي الى تجاوز مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد. وقال في كلمته في القمة: لقد علمنا التاريخ وعلمتنا التجارب ألا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة ويواجه الضياع وحقيقة الضعف، وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأوطاننا وأهلنا واستقرارنا وأمننا. لذلك أطلب منكم اليوم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويدفع الشر إن شاء الله.
وتبنت القمة الاقتراح وأعلنت تشكيل هيئة تتولى تقديم التوصيات الخاصة بذلك.
14 عاما مرت منذ ان تم تبني اقتراح خادم الحرمين الشريفين بالتحول من مرحلة التعاون الى مرحلة الاتحاد. ومع هذا لم يحدث تقدم ملموس في هذا الاتجاه.
منذ ذلك الوقت وكل قمم مجلس التعاون تتطرق في بيانها الختامي إلى هذا الموضوع، ويتضمن البيان فقرة تتكرر بالنص تقريبا هي: «واطلع المجلس الأعلى على ما وصلت إليه المشاورات بشأن تنفيذ قرار المجلس الأعلى في دورته الثانية والثلاثين حول مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتوجيه المجلس الأعلى بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتكليفه المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته القادمة» هذه الفقرة نتمنى تغييرها في البيان الختامي لقمة البحرين.
الانتقال إلى مرحلة الاتحاد أصبح ضرورة استراتيجية عاجلة على ضوء كل التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون على نحو ما حاولنا ايضاحه.
الذي نريده من قمة البحرين في هذا الخصوص هو وضع جدول زمني للانتقال الى مرحلة الاتحاد. ليس معقولا ان تظل كل القمم تدور في دائرة بحث الموضوع وانتظار نتائج البحث من دون التقدم الى الأمام.
***
هذا باختصار ما نريده من قمة البحرين.
نريد قمة ترقى الى مستوى التحديات الخطيرة.
نريد قمة تتبنى استراتيجية جديدة لحماية امن دول وشعوب المجلس.
نريد قمة تعلن خطوة تاريخية للتقدم نحو اقامة الاتحاد الخليجي العربي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك